شكل زينون لوحده مدرسة قائمة الذات، كان لها تأثيرا على العديد من العلوم إلا أن أهم علم تأثر بحجج زينون ضد الحركة هو الفيزياء، بل إن جزءا كبيرا من فيزياء أرسطو خاصة فيما يتعلق بالحركة وتفسير سقوط الأجسام جاء كجواب على زينون، فما هي حججه التي ابطلت الحركة لصالح الثبات المطلق؟ وإلى أي حد تمكنت من الصمود خاصة أمام أعلام كبار على غرار هيرقليطس وأنبادوقليس وأرسطو؟
يرى زينون أن العالم برمته ثبات، وأن الحركة مجرد وهم تقدمه لنا الحواس، والحق أن منطلق هذا القول يتجلى في تأكيد مبدأ السكون والوحدة الذي يتميز بهما الوجود، إذ أن الأخذ بمبدأ الحركة من شأنه أن ينفي صفة الثبات على عالمنا وهو الأمر الذي يضاد المنطق، ولكي يقنعنا زينون بقوله الذي ينفي الحركة فقد رأى أن ثبات الوجود سيخلصنا من العبث الذي من شأنه أن يسكن عالمنا، لأن القول بتعدد الوجود سيضعنا أمام وجود لا متناه في الصغر وفي الكبر، والحق إذا أخذنا بهذا القول سنصبح أمام وجود لا كم له مادام لا يقبل القسمة، وإذا لم يكن له كم فهذا يعني أنه غير موجود، من ثمة فإن عالمنا متناه وليس متعددا.
وإضافة لذلك يرى زينون أن وجودنا إذا كان متعددا فهذا يعني أنه لا متناه، وإذا كان لا متناهيا سيكون وجودا يتجاوز نفسه باستمرار، الأمر الذي ينفي عليه صفة الوجود، أما من جهة ثانية فإنه متناه لأن ما به من مقدار لا يمكن أن يتجاوز نفسه وإلا فهو ليس وجودا.
وفي نفس السياق فإذا اعتقدنا أن كل موجود فهو في مكان، فإن هذا المكان يجب بدوره ان يكون في مكان يحتويه وهكذا دواليك، وبما أن الأمر مستحيل فهذا يعني أن وجودنا ليس متعددا وإنما ثابت.
إذا تمكن زينون كما رأينا من نفي صفة الثبات على الوجود، فإن أهم قول ميزه، هو نفي صفة الحركة على أشياء العالم لأن هذا الأخير ثابت. ينطلق زينون من مثال أخيل الذي إذا أراد الوصول إلى نقطة النهاية في السباق، فإن عليه قطع نصف المسافة، وإذا أراد قطعها فعليه اول قطع ربعها، وإذا أراد قطع الربع فعليه قبلئذ قطع الثمن وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، ومنه فإن حركة أخيل مجرد وهم تقدمه لنا الحواس.
الحجة الثانية التي سار عليها زينون، تتعلق بالسباق بين أخيل والسلحفاة، شريطة ان نعطي لهذه الأخيرة مسافة متقدمة على أخيل، وعند نقطة البداية تتحرك السلحفاة ويتحرك أخيل نحو نقطة النهاية، إلا ان أخيل إذا أراد أن يسبق السلحفاة فإن عليه الوصول أولا إلى النقطة التي كانت فيها السلحفاة، وعندما سيصل سيجد انها تجاوزتها نحو نقطة أخرى، الأمر الذي سيجعل من أخيل مجبرا على بلوغ النقطة الجديدة للسلحفاة، والتي سبق وتجاوزتها هي الأخرى نحو نقطة أخرى. لذا سيكون من المستحيل أن يتجاوز أخيل السلحفاة.
الحجة الثالثة لنفي الحركة تتجلى في السهم الذي نطلقه من النقطة أ إلى النقطة ب، ستعطينا الحواس معلومة مفادها أن السهم يتحرك، إلا أنه في الأصل لا يتحرك لأنه ملزم أن يمر من نقط عديدة كي يصل للنقطة ب، فإذا أردنا أن نعرف أين وصل سنتوسل بالزمان الذي يقول لنا: الآن وصل السهم إلى النقطة المعلومة، ثم إذا سألنا مرة أخرى سنقول أن السهم وصل إلى النقطة كذا.. لأن الآن يضفي صفة الثبات على الأشياء التي نعتقد بخداع الحواس أنها تتحرك.
بل إن أرسطو نفسه لم يتمكن من دحض هذه الحجة في الفيزياء وإن عمل على دحض الحجج الأخرى. أخيرا يجب أن نعلم وحسب الرأي الذي ذهب إليه أرسطو أن زينون لم يفرق بين نوعين من الفيزياء، الأول واقعي لن يقبل في كل حال من الأحوال حجج زينون ضد الحركة، وقد سبق أن سخر ديوجين الكلبي من هذا القول حينما رسم نقطتين وهميتين ثم انطلق من الأولى نحو الثانية ومن الثانية عاد إلى الأولى كي يقول إن حجج زينون باطلة. بيد أن الأمر لا يؤخذ بمثل هذه السطحية، فثمة نوعان من الفيزياء، وهما فيزياء الحركة التي تحدث في المجال الحسي ثم الفيزياء النظرية التي تنبني عن طريق علاقات رياضية محضة دون أن تقع أمام ناظرينا، بل إن زينون لازال يسكننا لحد الساعة في عملية الطيران، لأن ربان الطائرة عندما نسأله ونقول له أين وصلت، سيجيبنا بإحداثيات رقمية تحدد موقعه الآني انطلاقا من مبدأ الثبات وليس الحركة.