وجّه مدافعون عن حقوق الإنسان قلقون إزاء الوضع غير المسبوق في مخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية، نداء عاجلا إلى أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وفيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وفولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، من أجل "رفع الحصار والسماح بالوصول إلى مخيمات تندوف بالجنوب الغربي للجزائر".
ودعا الموقعون على النداء، الأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير فورية وملموسة لضمان تحمل البلد المضيف، الجزائر، مسؤولياته بالكامل تجاه سكان هذه المخيمات وضمان وصول اللجان التقنية والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى هذه الأراضي.
لجان حقائق
في هذا الصدد، قالت عائشة الدويهي، رئيسة مرصد جنيف الدولي للسلام والديموقراطية وحقوق الإنسان، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، إن "الأمر يتعلق برسالة مبعوثة إلى الأمم المتحدة، وذلك بعد أن لاحظنا مؤخرا حصارا مفروضا على المخيمات، وحتى الإجراءات الخاصة أيضا ممنوعة، ورأينا أن الأمر ملح، وضروري من أجل طلب مساعدة تقنية من المفوضية السامية لحقوق الإنسان في إطار البند الثاني من أجل إيفاد لجان حقائق للوقوف على أوضاع حقوق الإنسان، خصوصا بعد الإنفلات الأمني الأخير، وعودة "البوليساريو" إلى حمل السلاح".
وسجل النداء الذي يتوفر "تيلكيل عربي" على نُسخة منه، أن "قيادة جبهة البوليساريو المخيمات بدلا من البلد المضيف، الجزائر، في انتهاك سافر لقواعد القانون الدولي وبمنأى عن الرقابة الدولية، حيث تبقى عمليات المراقبة القليلة في أحسن الأحوال متقطعة أو جزئية، وبعيدة كل البعد عن كشف النمط الممنهج للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة ضد سكان المخيمات".
وأورد النداء الذي احتضنه مرصد جنيف الدولي للسلام والديموقراطية وحقوق الإنسان "IOPDHR-GENEVA-NGO"، أن "قرابة خمسة عقود، يعيش سكان هذه المخيمات في ظروف محفوفة بالمخاطر للغاية، معتمدين بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بعيدين عن الأعين الراصدة للآليات الإقليمية والقارية والدولية والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وهو الوضع الذي كرسه الحصار الذي تفرضه الدولة الجزائرية على المنطقة التي تأوي المخيمات".
وذكر النداء أن "الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة القليلة التي تزور البلد المضيف، دولة الجزائر، تحرم من الوصول إلى مخيمات تندوف، مما يعيق تلبية الاحتياجات الملحة للاجئين، ويثبط شرعية وفعالية الجهود الدولية لحماية حقوق الإنسان".
رصد الظروف المعيشية
ونبه المصدر ذاته إلى أن "هذه الوضعية الشاذة لمخيمات تندوف التي تستضيفها الجزائر، تتطلب على وجه الاستعجال فتح هذه المخيمات أمام الرقابة الدولية، وإزاء هذا الوضع القائم أصبح مطلب المساعدة التقنية ضرورة حتمية من خلال إيفاد لجان تقصي حقائق إلى مخيمات تندوف، وفي المقابل، على دولة الجزائر، بصفتها البلد المضيف، أن تتخذ خطوات فورية للسماح للجان تقصي الحقائق بالوصول إلى مخيمات اللاجئين، حيث تؤدي هذه الآليات دورا حاسما في حماية حقوق الإنسان ورصد الظروف المعيشية للاجئين، فضلا عن المساهمة في صون السلام والأمن، كما يمكنها أن تكفل قدرا أكبر من الشفافية، وتزيد الوعي الدولي باحتياجات هذه الساكنة، وتكفل احترام حقوق الإنسان لها".
وحث النداء، الأمم المتحدة على "إرسال لجان تقنية إلى مخيمات تندوف في جنوب غرب الجزائر لمراقبة الانتهاكات والتجاوزات الخطيرة التي تحدث هناك، وحالة تجدد العنف وانعدام الأمن المروع، ولا سيما بعد إعلان جبهة البوليساريو العودة إلى حمل السلاح".
وطالب النداء الجزائر بـ"تحمل مسؤولياتها الدولية كبلد مضيف، من خلال ضمان ظروف معيشية لائقة وآمنة للاجئين في مخيمات تندوف والإقرار بصفة لاجئ لهم مع ضمان جميع الحقوق المتربة عن ذلك".
ودعا إلى "ضمان وصول الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى مخيمات تندوف لتقييم الوضع الإنساني واحتياجات اللاجئين بشكل مستقل وشفاف، وتعزيز مراقبة وشفافية العمليات الإنسانية في مخيمات تندوف، وضمان وصول المساعدات بشكل فعال إلى اللاجئين دون تحويل أو تمييز، وتعزيز الحلول والمبادرات الدائمة لإعادة التوطين أو العودة الطوعية أو الاندماج المحلي، لضمان الكرامة للاجئين والمستقبل المستقر، وتشجيع التعاون الدولي لتقاسم المسؤولية عن استقبال اللاجئين وحمايتهم، ودعم جهود المفوضية والوكالات الإنسانية على أرض الواقع".
وسجلت الوثيقة المرفقة بالنداء العاجل "عدم وجود عمليات رصد في مخيمات تندوف، الواقعة في جنوب غرب الجزائر، طامحا إلى أن تولوا اهتماما خاصا لانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي المتعلق باللاجئين في مخيمات تندوف، الذي تتحمل فيه الجزائر المسؤولية القانونية والأخلاقية لاحترام وحماية حقوق الإنسان، ومن الجدير بالذكر أن غالبية التقارير حول الحقوق والحريات في الجزائر لا تذكر أوضاع الأهالي الذين يعيشون في مخيمات تندوف، حيث تنعدم شروط الحياة الكريمة".
حالة شاذة
وأبرزت الوثيقة أن "مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر تعيش منذ نحو خمسة عقود حالة من الفوضى القانونية غير مسبوقة في تاريخ "مخيمات اللجوء" حيث يعيش آلاف الصحراويين في ظروف غير إنسانية في خيام أو بيوت طينية، معتمدين بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية الدولية للحصول على الضروريات الأساسية. وتدير البوليساريو المخيمات بدلا من البلد المضيف، الجزائر، خلافا لقواعد القانون الدولي وبعيدا عن أعين الرقابة الدولية. والواقع أن عمليات الرصد الدولية هي في أحسن الأحوال متفرقة أو جزئية ولا يمكن أن تكشف بشكل كامل عن الطبيعة المنهجية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة ضد سكان المخيمات".
صعوبة تصنيف مخيمات تندوف كمخيمات للاجئين
وأبرز المصدر ذاته أن " تصنيف مخيمات تندوف كمخيمات للاجئين أمر صعب من جوانب كثيرة ولا تحل المسألة بمرور الوقت، ولم تخضع المخيمات أبدا لإحصاء سكاني، على الرغم من أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قدمت طلبها مرارا وتكرارا إلى البلد المضيف، على الرغم من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وتكرار طلب تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف، والتشديد على أهمية الجهود المبذولة في هذا الصدد في قرار مجلس الأمن الأخير 2654 (2022) وعلى الرغم من صياغة هذا الطلب من قبل الاتحاد الأوروبي.
وتابع "في الوقت الذي تروج فيه الدولة المضيفة لخطاب اللاجئين الصحراويين على الصعيد الدولي، لا تزال الدولة الجزائرية ترفض الإقرار بصفة لاجئ لساكنة مخيمات تندوف وتطبيق الحقوق المنبثقة عنها، وفقا للاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول المتعلق بوضع اللاجئين - وكلاهما صادقت عليه دولة الجزائر".
وبالإضافة إلى ذلك، "لا تستطيع المفوضية السامية لغوث اللاجئين التواصل بساكنة المخيمات بشكل فردي إلا بحضور ممثل عن قيادة جبهة البوليساريو، كما أن المنظمات الإنسانية الموجودة في المخيمات والمفوضية لا تملكان سيطرة مباشرة على سلاسل توزيع المساعدات الإنسانية".
ليبقى الأمر متعلقا بلاجئين بدون بطاقة لاجئ، لا تشملهم تقارير الحماية، يسكنون داخل مخيمات ذات طابع عسكري، خلافا لاتفاقية جنيف لعام 1951 بشأن اللاجئين، التي تنص على ضرورة الحفاظ على الطابع المدني للمخيمات.
إن حرمان أولئك الذين يعيشون في المخيمات منذ أكثر من أربعة عقود من صفة لاجئ هو حرمان من التمتع بكل حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
إدارة استثنائية للمخيمات
وأوضحت الوثيقة أن "مخيمات تندوف بالجنوب الغربي للجزائر تعرف وضعا شاذا، يتسم بالكثير من الفوضى القانونية حيث أن الجزائر كدولة مضيفة، وبالتالي المسؤولة بموجب القانون الدولي عن حماية حقوق جميع الأشخاص داخل نطاقها الترابي، منحت الإدارة الفعلية لقيادة جبهة البوليساريو منذ إقامة هذه المخيمات سنة 1975، عن طريق تفويض كامل لكل اختصاصاتها لصالح قياديي الجبهة معللة الأمر، في خطابها الرسمي، بما أسمته "كرم الضيافة"، ليخضع بذلك سكان المخيمات للدستور والقوانين التي أعدتها جبهة البوليساريو لهم والتي تدير أيضا المؤسسات التي أنشأتها من محاكم وسجون وشرطة، جاعلة من نفسها السلطة الوحيدة التي يتواصل معها سكان المخيمات بشكل حصري، مكرسة بذلك عزلة حقيقية للساكنة التي تنفذ في حقها عديد السياسات والقرارات، مما يعد، في غياب المراقبة المنتظمة الميدانية لحقوق الإنسان، انتهاكا مباشرا ومستمرا لحقوق الساكنة".
غياب دور البلد المضيف "دولة الجزائر"
وذكرت الوثيقة أنه "في ضل غياب إطار تشريعي بشأن اللجوء وفقا للاتفاقيات الدولية، فوضع الصحراويين بمخيمات تندوف لم يعرف أي تقدم ولازالت المفوضية السامية للاجئين تتحمل كل المسؤولية بخصوص ساكنة مخيمات تندوف بدون انخراط البلد المضيف. هذا الوضع الذي كان من المفروض أن يكون مؤقتا، هو اليوم يشكل حالة شاذة وفقا للقانون الدولي الإنساني الذي تخضع له مخيمات تندوف، فالجزائر كدولة طرف في اتفاقية جنيف للاجئين لسنة 1951، تتحمل مسؤولية حماية ساكنة المخيمات التي توجد على نطاقها الترابي بخضوعها لقوانين البلد المضيف الجاري بها العمل ونفس المعاملة القانونية للدولة الطرف بما في ذلك حق التقاضي، لكن الجزائر لم تعمل قط على حماية هؤلاء الصحراويين وتركتهم عرضة لقيادة جبهة البوليساريو، دون إعمال حقوقهم".
وشددت على أن "الجزائر تتحمل أيضا مسؤولية جميع الأعمال والتصرفات غير المشروعة دوليا فوق ترابها التي تصدر عن جبهة البوليساريو بما فيها التنصل من الاتفاقية الأممية لوقف إطلاق النار لسنة 1991 وإعلانها العودة لحمل السلاح، ككيان لا يشكل جزءا من الدولة الجزائرية، ولكن هذه الأخيرة تسمح له وترخص له ممارسة تلك التصرفات فوق ترابها، كما أن مسؤوليتها ثابتة عن أي من الأفعال التي ترتكبها جبهة البوليساريو كمنظمة عسكرية قامت الجزائر باحتضانها، دعمها، تدريبها و تمويلها".
ولفتت الانتباه إلى أن "سكان المخيمات ظلوا يعتمدون على المعونة الإنسانية للحصول على الغذاء، حيث يقدم الاتحاد الأوروبي هذه المعونة منذ عام 1993 وفقا لبرنامج سنوي بالتنسيق مع مانحين دوليين آخرين. وتتولى جبهة البوليساريو بالتعاون مع السلطات الجزائرية مراقبة توزيع هذه المواد الغذائية، مما يجعلها متاحة للسكان وفقا لدرجة قربها من قيادة جبهة البوليساريو، والتي كانت على مر السنين موضوع عملية تحويل كبيرة من قبل هذه الجبهة. وقد أدى ذلك إلى نقص المواد الغذائية الأساسية، وأثر بشدة على صحة سكان المخيمات، مما تسبب في انتشار سوء التغذية".
وأوردت أن "ذلك يترافق مع صعوبة إدارة المياه، والتي تحاول المفوضية السامية لغوث اللاجئين تنظيمها مع بعض المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة من خلال العمل على تحسين مستوى الجودة وصيانة الخزانات وترشيد طريقة التوزيع، خلال جائحة كوفيد-19، وبسبب القيود المفروضة على الحركة الجوية خلال هذه الفترة الحرجة، تزايدت المخاوف بشأن عدم كفاية الحصص الغذائية المقدمة للصحراويين في مخيمات تندوف، وتدهور ظروف الرعاية الصحية وسوء التعليم المقدم للأطفال".
وأشارت إلى أن "هذا الوضع غير الطبيعي، الذي يفلت من المراقبين، دفع البوليساريو إلى الاستمرار في ارتكاب انتهاكات خطيرة ضد سكان المخيمات من خلال تعزيز قبضتها الأمنية على المنطقة، وإعفائها من أي التزام قانوني بحماية الأشخاص الموجودين في منطقة تندوف، والحصول على تفويض كامل من الحكومة الجزائرية منذ عام 1975 للقيام بذلك. وقد وضعت الدولة المضيفة، في كثير من الحالات، خدمات أجهزتها الأمنية في خدمة جبهة البوليساريو للتنكيل والتعذيب وإخضاع الأفراد للمعاملة المهينة في مراكز الاحتجاز الخارجة عن سيطرة القضاء الجزائري وإشراف الآليات والمنظمات الدولية".
وأكدت أن "هذه الانتهاكات التي ترتكبها جبهة البوليساريو ضد المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان في مخيمات تندوف تبقى بعيدة عن أي سيطرة للبلد المضيف، دولة الجزائر، والتي تتحمل المسؤولية الكاملة عن الانتهاكات المرتكبة على أراضيها وفقا لقواعد القانون الدولي، حيث تتلكأ آليات الانتصاف التابعة لها في معالجة أو فحص أي مزاعم انتهاكات ضد ساكنة مخيمات تندوف، بسبب استبعاد هذه الأخيرة من الولاية القضائية للدولة الجزائرية التي فوضت الإدارة الكاملة للمخيمات إلى جبهة البوليساريو".