يعد أن أعلن "الاستقلال" قبل أسابيع التزامه بالبقاء في المعارضة، يعرض نزار بركة، الأمين العام لحزب الميزان، رؤية لوضع البلاد ورأيه في الأزمة التي تمر متها ويبسط مقترحاته للخروج من العنق الزجاجة.
حاورة / المهذي مشبال
كل الأمور تسير بشكل سيء بالبيت المغربي: حركات اجتماعية، مقاطعة اقتصادية، تآكل القوة الشرائية، تنامي البطالة، فقدان الثقة في السياسة... كيف يبدو لكم الوضع بالبلاد؟
إننا في أزمة. أزمة اجتماعية واقتصادية. وهذا يبدو جليا من خلال مختلف التوترات التي انطلقت باحتجاجات الحسيمة، وجرادة، واليوم نعيش غضبا للطبقات الوسطى يتمثل في حركة المقاطعة. كما أن نسبة النمو تتراجع، فنحن نعود إلى مستوى 3% في السنة، وهذا غير كاف بالمرة لتحقيق تطلعات الشعب المغربي، بل إن هذه النسبة المتدنية يتم إفراغها من محتواها التشغيلي (أي لا تنتج ما يكفي من مناصب الشغل). وهذا بالطبع مقلق بالنسبة إلى مستقبل شبابنا.
من جهة ثانية، هناك أزمة ثقة في المؤسسات المنتخبة، وفي قدرة الحكومة على التصدي لكل هذه التوترات المختلفة.
بعد "الحراكات" الاجتماعية، أطلق المغاربة، من الإنترنيت، حركة مقاطعة واسعة لبعض المنتوجات. كيف تنظرون إلى هذه الظاهرة الجديدة؟
هذه الظاهرة، تبين لنا أننا انتقلنا من مرحلة المطالبة، حيث ننتظر من الحكومة التصرف، الإقدام على إجراء ما- كما هو الشأن في احتجاجات الحسيمة أو جرادة- إلى مرحلة العمل، حيث يتحرك الناس بأنفسهم بهدف خفض الأسعار ومواجهة غلاء المعيشة. إن المجتمع صار واعيا بقوته وبقدرته على التحرك.
المفارق حقا والمقلق هو رد فعل الحكومة، فبدل التحرك فضلت مطالبة الشعب بوقف المقاطعة. هذا الوضع يكشف عدم قدرة هذه الحكومة على القيام بأي إجراء، وعجزها الكامل، وفي هذا أخطار جمة على البلاد.
كيف تفسر عجز الجهاز التنفيذي هذا؟
هناك عدة عناصر يمكنها مساعدتنا لتفسير هذا الوضع. أولا هناك متلازمة "العام زين" و"كل شيء تحت السيطرة". لقد أخطأت الحكومة بالإفراط في الثقة، معتبرة أن الأمر يتعلق بمجرد حركة افتراضية، وبالتالي عابرة.
ثانيا، أظهرت هذه الحكومة الكثير من الغرور، فقد انتظرت ثلاثة أسابيع قبل أن تأتي على ذكر المقاطعة في المجلس الحكومي. ورغم أن الظاهرة تتواصل منذ أكثر من ستة أسابيع الآن، فإن الحكومة لم تتخذ أي قرار ولا أي إجراء، ما عدا مطالبة الناس بوقف احتجاجهم هذا.
ثالثا، نلاحظ غياب الانسجام بين أعضاء الفريق الحكومي. فالصراعات الداخلية تتواصل بين مكونات الحكومة، فهي مريضة ومرضها هو أغلبيتها. وهذا يعمق أكثر الأزمة التي تتخبط فيها البلاد.
آخيرا، هذه الحكومة تعاني من عجز آخر يتمثل في عدم القدرة على اتخاذ إجراءات حساسة، على الإبداع، على اقتراح الحل، باختصار، تعاني من العجز عن اقتراح حزمة من القرارات القادرة على التصدي لأصل الداء.
لهذا ارتأينا في "الاستقلال" أنه من واجبنا، كحزب مسؤول، اقتراح عدد من الحلول حتى وإن كنا في المعارضة.
تقترح المذكرة التي بعثتم إلى رئيس الحكومة مجموعة من الإجراءات التي تروم الرفع من القدرة الشرائية. ولكن هذه الإجراءات تخص شريحة صغيرة فقط من السكان، أي الموظفين والأجراء. هل تعتقدون حقا أن مخططكم كفيل بإخراجنا من الأزمة التي بسطتم للتو؟
إن اقتراحاتنا تروم أولا وقبل كل شيء تدشين مسلسل للعمل. وقد جئنا بثلاث أصناف كبرى من الإجراءات: إجراءات تهدف إلى تحسين المداخيل، وأخرى تروم التحكم في التضخم من خلال تحديد سقف لهوامش ربح أرباب شركات المحروقات، وثالثة تنشد إصلاح أسواق الجملة.
لقد قمنا بدق ناقوس الخطر من خلال اقتراح اللجوء إلى قانون مالية معدل، يمكن المصادقة عليه في ظرف 15 يوما. وبالتالي يمكننا في ظرف أسبوعين خلق دينامية إيجابية والرفع من المداخيل بـ300 إلى 600 درهم شهريا. هذا مهم جدا، إذا علمنا أن الطبقة الوسطى فقدت 20% من قدرتها الشرائية خلال السنوات الست الأخيرة.
ستشري بين الناس إحساس بالخوف على أنفسهم وعلى الأجيال المقبلة
ولكن نسبة التضخم لم تتجاوز 2% طيلة هذه المدة...
هذا لأن جل الأسعار التي تعتمد في حساب نسبة التضخم تتشكل من أثمنة المواد الغذائية التي لم ترتفع كثيرا. ولكن إذا ما سألت أسرة من الطبقة الوسطى تملك سيارة، ولها أطفال يدرسون في التعليم الخاص، ولها تكاليف صحية، وتحملت ارتفاعا في سومة الكراء، فستلاحظ أن قدرتها الشرائية تآكلت كثيرا. هذا التآكل يترواح حسب تقديراتنا بين 15 و20%.
وما يشغلنا أن هذا التراجع يصاحبه أمران: أولا هناك قلق متزايد على المستقبل، لأن الناس لا يعرفون إن كانت قدرتهم الشرائية ستتحسن مستقبلا. وثانيا، نلاحظ استفحال بطالة الشباب، بل إنها بلغت 50 % بين الشباب القاطنين بالحواضر. هذا دون الحديث عن بطالة أصحاب الشواهد.
إذن يستشري بين الناس إحساس بالخوف على أنفسهم وعلى الأجيال المقبلة(...)
كيف كان رد فعل رئيس الحكومة اتجاه مذكرتكم؟
مازلنا ننتظر جوابه. الرد الوحيد الذي توصلنا به لحد الساعة جاء من حزب، وما زلنا ننتظر رد الحكومة. وهذا يؤكد الارتباك الحاصل بين الحكومة والحزب الذي يقودها.
نعم، وصلنا رد فعل من المتحدث باسم الحكومة، ولكنه بدل أن يتناول صلب الموضوع، حاول جرنا إلى نقاش إجرائي. وهذا فعلا أمر مقلق.
غياب جواب من الحكومة ربما يعبر عن خوف. فالقبول باقتراحات الاستقلال يعني إقرارا منها بالفشل، كما أنه سيدعم الإشاعات التي تتحدث عن إمكانية دفعكم إلى رئاسة الحكومة. ما رأيكم؟
هذا التحليل غير موضوعي لعدة أسباب. فلكي يجري تغيير الحكومة، يجب أن يفقد الفريق الحكومي القائم الأغلبية. وهذه ليست حالة البلاد حاليا. كما أن اختيار رئيس الحكومة من اختصاص الملك، والدستور واضح بهذا الشأن.
لنتحدث قليلا عن المحروقات. إن تضخم هوامش أرباح الفاعلين كان معروفا منذ سنة على الأقل. فلماذا لم تتحرك الحكومة في رأيكم؟ هل رغبة منها في عدم إغضاب أخنوش وبالتالي الحفاظ على الأغلبية؟
لست أدري. فلا علمي لي بأسباب غياب أي تحرك من طرفها. ما أعرفه هو أنهم (مكونات الحكومة) لم يتفقوا إلى يومنا هذا على الإجراءات التي يجب اتخاذها. ولهذا قلت لك سلفا إن الحكومة تعاني كثيرا مع أغلبيتها. نعم، هم يتوفرون على أغلبية عددية، ولكنهم يشكون من غياب الانسجام والفعالية.
يعد نواب حزب الأصالة والمعاصرة (البام) مشروع ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة، هل أنتم منخرطون في هذا المشروع؟
سمعنا بهذا. من جانبنا قررنا اعتماد منطق بناء. فنحن نعتبر أن هذا الحكومة تعاني من "عدم الاستقرار المزمن"، فهي لا تخرج من أزمة إلا لتسقط في أخرى. وعدم الاستقرار هذا له تكلفة باهظة جدا وتضر بالمواطنين وصورة البلد. والأرقام تؤكد هذا، فقد لاحظنا مع نهاية أبريل 2018 انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 18%، كما وقفنا على تراجع لمساهمة الطلب الداخلي في نسبة النمو التي انكمشت إلى 3.3%، وهذا يمثل تراجعا بنقطتين مقارنة مع 2016. باختصار، هناك استهلاك أقل واستثمار أقل، إلى أين يقودنا هذا المسار؟
هل يمكن الاستمرار مع هذا الفريق الحكومي؟
على أي حال، هناك حاجة ماسة إلى استفاقة حقيقية، إلى استعادة زمام الأمور سياسيا.
في إطار الدستور؟
نعم، دائما. الدستور موجود لكي يحترم.
هناك سيناريوهان في هذا الدستور: إما أن يصادق البرلمان على ملتمس رقابة، وإما أن يقوم الملك بحل غرفتي البرلمان. ما هو في نظركم السيناريو الأكثر احتمالا؟
هناك أيضا خيار التعديل الحكومي. ويمكن كذلك للحكومة أن تتحرك وتنهض بمهامها بكل بساطة، وهذا ما نطالب به. على المستوى الحزبي، قدمنا مذكرة وننتظر جواب الحكومة. نحن لا نحب المزايدات، ونفضل اعتماد مقاربة بناءة من أجل مصلحة البلاد. هذا ما يحركنا، ونحن مستعدون لتقديم الدعم الضروري لإخراج البلاد من هذه الأزمة.
هل يمكن لميزانية البلاد تحمل أعباء الحلول التي تقترحون؟
لقد أنجزنا حساباتنا بخصوص تأثير إجراءاتنا. ونعتبر أن للحكومة هامش صغير للمناورة بفضل نسبة النمو التي تبين أنها أفضل مما كان متوقعا، والتي سيكون لها أثر على الاستهلاك، وبالتالي على عائدات الضريبة على القيمة المضافة (TVA). كما أن ارتفاع أسعار النفط يساهم كذلك في الرفع من عائدات هذه الضريبة، وعائدات رسوم الجمارك. كذلك عرفت نفقات المعدات والنفقات المختلفة ارتفاعا ملحوظا هذا العام، ويمكن إيجاد وسيلة لعقلنتها.
ولا يجب أن نغفل أن الرفع من المداخيل الذي نقترحه (وأشرت إليه أعلاه)سيكون له بدوره أثر إيجابي على العائدات الضريبية (الـTVA والضريبة على الدخل)...
فضلا عن تحديد سقف لهوامش الربح لدى شركات النفط، تقترحون كذلك وضع سقف لهوامش ربح المدارس الخاصة. ألا تخشون أن يخلق هذا التدخل، الذي تدافعون عنه، مخاوف لدى رجال الأعمال؟
أتفهم هذا الانشغال. ومع ذلك دعني أوضح أمرا. يجب أن نفهم جيدا أنه فيما يخص شركات النفط لم يحدث تحرير حقيقي للقطاع، ما حدث هو إلغاء الدعم، تحرير للأسعار، مع ارتفاع كبير لهوامش ربح الفاعلين، دون وجود منافسة حقيقية. كما أن الحواجز التي تحول دون الدخول إلى هذا القطاع مازالت قائمة.
إن أردنا حقا التحرير، فيجب اعتماده بكل قواعده. وبما أنه لا وجود الآن للعناصر الضامنة للمنافسة الحقيقية، وبما أن مجلس المنافسة ليس قائما، فمن الضروري التدخل.
نفس الأمر يسري على المدارس الخاصة. فلو كانت المدارس تخلق مناصب شغل مهمة وقارة ودائمة – وهنا لا أضع كل المدارس في نفس السلة- ولو لم تكن ترفع أثمنتها بشكل منتظم، لما كنا ربما مضطرين للتدخل. يجب الإقرار بأن هناك رائحة الشطط، ويجب أن تتوقف هذه التجاوزات.
وعلى كل حال، فما نقترحه إجراءات مؤقتة للتعامل مع وضع معين.
تعكفون حاليا على وضع اللمسات الأخيرة على مشروع النموذج التنموي الجديد. وبدون الدخول في التفاصيل، إن أردنا الحديث عن أولوية بالنسبة إلى المستقبل، أولوية واحدة لا غير، ما هي؟
الرأس المال البشري. إصلاح التعليم والتكوين، ولكن كذلك – وهذا أساسي- إدماج 2.7 مليون شاب لا يتوفرون على أي تكوين. هناك حاجة ملحة حقا لتقوية كفاءات شبابنا(...)
إن عجز الحكومة يعيد إلى الواجهة النقاش الأزلي حول النموذج السياسي اللائق بالبلاد. يقول البعض إن الديمقراطية لها كلفة، والبلاد تؤدي ثمنا باهظا. ما رأيكم؟
هناك ميل للعودة إلى النقاشات القديمة، لأن الأمر سهل. المشكل لا يكمن في طبيعة النموذج السياسي أو الدستور، بل في التطبيق. نعاني من بطء الإيقاع، ومن غياب الفعالية. هذا هو التحدي الحقيقي الذي على المغرب رفعه. طبعا، قد تكون هناك حاجة غدا إلى إحداث تعديلات على الدستور، ولكن هذا ليس أولوية اليوم. الأساسي هو سلوكنا، تأويلنا للنص، طريقة ممارستنا للسياسة لاستعادة الثقة.
التكنوفراط ليسوا بالضرورة أصحاب قرار سياسي جيدين. كما أن رجال السياسة ليسوا بالضرورة تكنوقراط سيئين
لنكن صريحين. أمام فشل السياسات الحالية، يلوح الكثيرون بورقة التكنوقراط كحل وحيد وفريد للخروج من الأزمة....
إن المغرب بمثابة تاريخ لذلك العود الأبدي. يجب علينا تجاوزهذا المنطق. فالتكنوفراط ليسوا بالضرورة أصحاب قرار سياسي جيدين. كما أن رجال السياسة ليسوا بالضرورة تكنوقراط سيئين. اليوم ما تطلبون هو إنكار الديمقراطية، ولكن من سيقدم الحساب غدا؟ إذا اتبع التكنوقراطي سياسة لا تعجبكم، فما هي الوسيلة التي بين يديكم لمحاسبته؟ إذا لم تكن الحكومة في المستوى، فهذا لا يعني أنه يجب التفكير في التخلي عن الديقمراطية. هذا تفكير غير عقلاني.
لنفترض أن هذا الفريق الحكومي سيكمل ولايته، فما هو هدفكم في تشريعيات 2021؟ هل تنشدون المرتبة الأولى؟
بكل صراحة، نحن واعون جيدا بوضع الحزب. لقد فقدنا 30% من أصواتنا. والمهم بالنسبة إلينا هو استعادة ما فقدنا، علينا تجديد أنفسنا حتى يتسنى لنا السير قدما. علينا كذلك العمل على توسيع قاعدة المتعاطفين معنا. يجب علينا تجاوز المنطق المناوي التبسيطي، وتجاوز تلك الحدود الصورية بين الأحزاب والمجتمع المدني والتكنوقراط(...)
عن "تيل كيل" بتصرف