نزهة من تنزانيا.. لا تجلوني لكن افتحوا الحدود

عبد الرحيم سموكني

رغم قساوة التجربة، وطول المقام الذي لم يكن مخططا له، والذي بدأ برحلة عمل، ضمن برنامج عالمي للتبادل الطلابي، وانتهى بعطالة وتقطع بها السبل بعدما حلت الجائحة، فإن التجربة تستحق أن تعاش لأنها استثنائية وإنسانية قبل كل شيء، حسب شابة عشرينية مغربية عالقة في "دار السلام" في تنزانيا.

وصلت نزهة لامين ذات الخامسة والعشرين من عمرها إلى دار السلام في شهر نونبر من العام المنصرم، بعدما نجحت في الحصول على منحة من منظمة عالمية غير حكومية كبيرة، متخصصة في برنامج التبادل الطلابي، تخول لها العمل كمتدربة بأجر، بإحدى المقاولات التنزانية، على أن تعود في شهر مارس إلى المغرب.

تحكي لامين أن الفترة الأولى لما قبل الجائحة كانت مثالية: تجربة مهنية جيدة في مجال التسويق والتواصل، وشعب محترم ومحب للغير، وطبيعة خلابة وطقس مناسب طوال الوقت، لكن بعد كورونا ينقلب الوضع  رأسا على عقب.

 

فبعدما كانت ابنة مدينة سلا تقيم رفقة صديقاتها الأجنبيات ضمن برنامج التبادل الدولي للطلاب والمتدربين لمنظمة "أيزيك" (AIESEC)، وبتكفل من الأخيرة، سيعود كل الأجانب إلى بلدانهم، وستجبر نزهة على إخلاء الشقة، بعدما تخلت عنها المنظمة.

ستضطر الشابة العشرينية إلى البحث عن سكن آخر، بعد الإغلاق، وانتهاء عقد تدريبها، خاصة بعد إعلان تنزانيا إغلاق جميع المرافق، ستدخل لامين تجربة جديدة في إقامتها القسرية في هذا البلد الواقع في الشرق الإفريقي.

تقول نزهة لامين، التي تقيم اليوم لشهرها الثامن، في غرفة  تكتريها بـ200 دولار، إنه بعد تخلي المنظمة العالمية عنه سواء المركزية أو فرع المغرب، ستجد أصدقاء تنزانيين كسند قوي، وتضيف "كان صعبا قضاء شهر رمضان لوحدك، ولحسن الحظ، استقبلتني عائلة تنزانية مسيحية، وأكرمتني، أوتني، لقد كانوا يؤخرون موعد أكلهم حتى آذان المغرب، ليؤنسوني في الفطور، إن تعامل الناس وتضامنهم معي ومع مغربيين اثنين آخرين عالقين هنا، يثلج الصدر، ويمنحك قوة للمواصلة".

لا تتوقف نزهة عن الإشادة بتعامل الشعب التنزاني مع الغريب أو الأجنبي، ورغم أنها تحمل بعضا من خيبة أمل تجسدت بمرارة في تخلي المغرب عن مواطنيه العالقين بالخارج في عز انتشار الوباء، فإنها لا تطالب بطائرة لإجلائها، وكل أمانيها في إعادة فتح الحدود، وهي على استعداد لأداء تذكرة طائرة العودة إلى أسرتها.

على عكس مغاربة آخرين في دول أخرى، لم تستفد نزهة من أي دعم من السفارة المغربية في دار السلام، وتقول "إن مصالح السفارة أخبروها في أكثر من مرة، أنهم لا يتوفرون على ميزانية خاصة بالمغاربة العالقين، حتى لو كان عددهم 3".

 

وتكشف نزهة أنها في إحدى المرات ألحت في الاتصال بالسفارة لطلب المساعدة، خاصة عندما طال مقامها كضيفة عند الأسرة التنزانية، واضطرت إلى البحث عن كراء غرفة صغيرة، تلقت مساعدة مالية قدرها 150 دولار من موظف في السفارة، قال لها إنه من ماله الخاص".

تنقلت نزهة بين العديد من مأوي الشباب، والذي يبتدأ فيها سعر المبيت من 10 دولار لليلة، وتضيف "لحسن الحظ كنت أدخر بعض المال خلال عملي هنا، قبل العثور على غرفة مستقلة بسعر جيد، في قلب العاصمة دار السلام، والتي تعتبر أغلى المدن في تنزانيا".

رغم إقامتها الجبرية، التي لا تحمل عن تاريخ نهايتها أي فكرة، خاصة مع استمرار الإغلاق في المغرب، على عكس تنزانيا التي رفعت الإغلاق الكلي، تستغل نزهة وقتها في المزيد من العمل التطوعي، إذ تدرس الإنجليزية في بعض دور الأيتام في تنزانيا، وتقول "إنه نوع من رد الجميل لهذا البلد، إنه شعب اجتماعي ويحب الآخر، ولم أحس يوما بعدم الأمان هنا، فأهم ما كسبته من هذه التجربة القاسية، هو اكتشاف إفريقيا وتنزانيا، أدركت اليوم، أننا نحمل أفكار مغلوطة كثيرة عن إفريقيا جنوب الصحراء، وهي جديرة بالزيارة والاكتشاف".

تختم نزهة بنبرة مازحة أن أكثر ما يخفيها من العودة إلى المغرب، هو إقدام أسرتها على سحب جواز سفرها، بعد أن طال سفرها شهورا.