أكدت رحمة بورقية، رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، على "أهمية إصدار قانون جديد يؤطر منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار".
وأوضحت أن هذا القانون يجب أن "يحدد دوره ومهامه لمسايرة المستجدات، سواء تلك التي تفرضها التحولات المجتمعية الوطنية الداعية لضرورة إعادة النظر في القانون الجاري به العمل حاليا، وأعني به القانون 01.00، الذي مر على سريان مفعوله زهاء ربع قرن من الزمن، أو تلك المستجدات التي تقتضيها التطورات التي تعرفها الجامعات، ونظم التعليم العالي عبر العالم".
جاء ذلك في كلمتها الافتتاحية لأشغال الجمعية العامة للمجلس، صباح اليوم، حيث أضافت أن "المقصد الأساس لتجديد الإطار التشريعي للتعليم العالي والبحث العلمي، هو تحقيق التكييف المطلوب لهذه المنظومة مع التحولات التي تشهدها بلادنا، وتلك التي تعرفها نظم التعليم العالي قصد إرساء وتوطيد المعالم الجديدة لهذه المنظومة".
وشدّدت على أن مهام التعليم العالي تتضمن ما هو ثابت يجب تقويته، وما هو مستجد يتطلب إيجاد موقع مناسب له في النصوص القانونية وآليات تنفيذها، ليواكب التحولات بشكل فعلي ودائم.
عالم متغير
وأوضحت بورقية أن "مؤسسات التعليم العالي بشكل عام، والجامعة بشكل خاص، تعتبر فضاءات لاحتضان الباحثين، ومؤسسات للإنتاج العلمي والتكنولوجي".
وأكدت أنها مطالبة "بتتبع الحركة المتسارعة لما هو مستجد في مجالات التكوين، والإنتاج العلمي والتكنولوجي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي؛ ما يفرض، بالضرورة، تجديد مضامين التكوين، وآليات مواكبة تطور العلوم والتكنولوجيا والمساهمة في إنتاج المعارف".
وشددت على المهمة الأساسية للتعليم العالي المتمثلة في "تكوين وتأهيل الجيل الحالي، الذي يتسلم المعارف والعبر من الجيل القديم، والذي عليه، بدوره، أن ينميها ويطورها لإيصالها للجيل اللاحق"، معتبرة أن "تعاقب الأجيال هو الذي يضمن استمرار إنتاج المعارف وتجديدها في المجتمع"، وبالتالي، فإن "كل تغيير للقانون، هو بالنتيجة تغيير إيجابي لمؤسسات التعليم العالي التي تحفظ استمرارية المعارف وتجديدها وتحيينها، مع حلول كل جيل جديد".
وأشارت إلى أن التعليم العالي يستقبل شريحة واسعة من الشباب الذين سيصبحون عناصر فاعلة في مستقبل البلاد، مما "يفرض حاجة البلاد الدائمة إلى الكفاءات العليا المؤهلة، وأن يعمل التعليم العالي بقطاعيه العام والخاص، وبالفعالية المطلوبة، على الرفع الملموس من قدرات الشباب، بما يكفل تحقيق ارتقائهم الذاتي، وتأهيلهم للمساهمة في تنمية البلاد".
مواجهة التحديات
أبرزت رئيسة المجلس أن "مهام ووظائف التعليم العالي عرفت تغييرا عميقا وتوسعا واضحا، وذلك نتيجة التحول الكبير للحاجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، والتقدم المتسارع للتكنولوجيا".
واعتبرت هذا "أكبر باعث على إحداث تغييرات عميقة على التشريع الناظم للتعليم العالي، لكن برؤية وفلسفة جديدتين، وبنموذج بيداغوجي مبتكر، وبآليات للحكامة الناجعة والفعالة، في نطاق استقلالية النظم الجامعية".
وأفادت أن التعليم العالي، وخصوصا الجامعات العمومية، يواجه تحديات تمويلية كبيرة، حيث إن "تمويل الدولة غالبا ما لا يوازي الحاجيات المتزايدة نتيجة النمو الديمغرافي للطلبة، وتزايد أعداد الوافدين على مؤسسات التعليم العالي".
وأوضحت أن الجامعات العمومية مطالبة بتطوير خدماتها عبر الخبرة والبحث العلمي والتكوين المستمر، مع ضرورة إحاطة هذه الخدمات "بالمهنية وبالقيم وبالأخلاقيات اللازمة التي تحفظ للجامعة سمعتها ومكانتها كمنارة للتعليم والبحث".
نموذج بيداغوجي
أكدت بورقية أن التحولات العالمية المتسارعة تفرض على النموذج البيداغوجي للتعليم العالي "الاستيعاب الفعلي والأمثل لهذه التحولات".
وقالت إن هذا الواقع دفع إلى تركيز مهام التعليم العالي على "تعليم وتأطير الطلاب لاكتساب العلوم والمعارف الضرورية، والقدرة على فهم العالم الذي يعيشون فيه، لكي يساهموا في تقدم تلك المعارف، وفي حل المشاكل التي تعترض الإنسان والمجتمعات اليوم"، بالإضافة إلى إعدادهم "لاكتساب الوعي بالتحديات الجديدة، في عالم متغير، يتسارع فيه التطور التكنولوجي وإبداع الأفكار والحلول".
ونتيجة لذلك، "بات من اللازم إدخال تغييرات عميقة على القانون المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، من حيث حكامته، ونموذجه البيداغوجي، ومناهج التدريس والتكوين، وطريقة إشراك الطلبة"، وتهدف هذه التغييرات إلى الارتقاء بالمنظومة وتمكينها من "استيعاب الأزمات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، وتجديد التكوين، وإنتاج المعرفة، وتوسيع الوعي بتحديات الحاضر والمستقبل".
ومن مهام التعليم العالي، ذكرت، "تكوين المواطن القادر على التفكير العقلاني، وعلى المشاركة في الحياة العامة؛ على أن تكون الجامعة فضاء نموذجيا للقيم الأخلاقية".
وفي سياق العدالة المجالية، شددت على ضرورة "توسيع التعليم الرقمي عن بعد، لكي تتمكن شريحة من الطلاب في المناطق النائية من متابعة الدروس عن بعد، وذلك إعمالا لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص".
الذكاء الاصطناعي
تطرقت بورقية إلى التحول الذي يطال مهنة التدريس بسبب "الطفرة الرقمية الملحوظة، وتوظيف الذكاء الاصطناعي"، إذ أشارت إلى أن "دمقرطة الذكاء الاصطناعي التوليدي تثير قضايا مهنية وأخلاقية، تسائل الكيفية التي يمكن أن يتعامل بها الأساتذة والطلبة مع واقع جديد، والذي يتطلب تحديد منهجية توظيف المعارف التي يوفرها الذكاء الاصطناعي".
ودعت الجامعات إلى "الانكباب، بشكل مؤسساتي، على التفكير في هذه القضايا التي لها علاقة بالنموذج البيداغوجي".
وأكدت أن الذكاء الاصطناعي التوليدي "سيغير لا محالة، مفهوم التدريس وهندسة المضامين ونظم الامتحانات في التعليم العالي، وسيفرض بالضرورة، على جميع الفاعلين، التكيف مع هذا الواقع الجديد"، مما يقتضي استلهام التجارب الدولية الرائدة.
التحصين القيمي
اعتبرت بورقية أن مؤسسات التعليم العالي، كفضاءات للعلم والمعرفة، يجب أن "تحاط بالحصانة القيمية، وأن يتم العمل داخلها، وفق منظومة أخلاقية يساهم في بلورتها وإرسائها الجميع".
وشددت على أن المجهود التشريعي المستجد "يتعين أن يروم تحديد الدور الجديد الذي على التعليم العالي لعبه، تجاه الطلبة، وإزاء المجتمع على السواء"، فالتعليم العالي القادر على المرور "من الإصلاح إلى التحول، هو ذلك الذي يكون قد استوعب، حقا، التحديات الكبرى التي تواجه العالم المعاصر".
وخلصت إلى أن تحقيق أدوار التعليم العالي يتطلب "آليات كفيلة بتحرير الطاقات وتقوية القدرات، وتحفيز القرارات الخلاقة، وذلك بحكامة تجمع بين الديمقراطية التوافقية، والفعالية التي تسمح بتدبير سلس وناجع للجامعات"، فالحكامة الفعالة هي "الآلية الأساسية لتطوير التعليم العالي"، و"صلة الوصل بين الرؤية التي نرسمها في بنود القانون، وتفعيلها على أرض الواقع".
وأكدت أن القانون ونجاعة تفعيله يشكلان "المدخل الضروري للنقلة النوعية للتعليم العالي في بلد طموح".
وأشارت إلى أن المجلس الأعلى استعرض في اشتغاله على مشروع القانون المحال عليه، وظيفته ومراميه في حاضر ومستقبل التعليم العالي ودوره في التنمية الشاملة.