ماذا لو دعونا شخصا ليكون رئيس تحرير لعدد واحد؟ هكذا بزغت الفكرة في اجتماع هيئة تحرير "تيل كيل"... وكان نور الدين الصايل هو الاسم الذي وقع علي الاختيار.
أخذ الرجل مهمته محمل الجد، وعلق على مقترحات الصحافيين، رفض بعضها واستحسن بعضها الأخر وحث على توخي الدقة في اختيار زوايا المعالجة. وفي خضم كل هذا كان يبدي أراءه في مختلف القضايا التي تشغل الرأي العام. هذه بعض منها.
مقتل السائحتين بإمليل:
ماذا عساي أقول؟ ما قيمة الكلمات أمام هذا الوضع؟... أي وضع؟ هذا الوضع الذي لا يسمى. ما العمل إذن؟ إذا كان الكلام بمثابة الفعل.. فلنتكلم إذن... ولكن نقول ماذا؟... ولمن؟... أنا خائف... وجدتني مثل "Hal9000" في فيلم "أوديسا الفضاء". هذا الحاسوب المركزي الذي يقود المركبة الفضائية المتوجهة إلى كوكب زحل، والذي كان على وشك السيطرة على أفراد الطاقم.. وعلى البشر بشكل عام... ولما احس هذا "المخلوق" بأيدي الإنسان أنه انهزم أمام إصرار الناجي الوحيد، انهار وغمره أقوى إحساس بشري، وقال "أنا خائف" في اللحظة التي تم فصله عن التيار.
ماذا عساي أقول أيضا؟ الإدانة؟ طبعا، أكيد أدين ما جرى ! الصراخ، الاحتجاج، التظاهر...؟ نعم، وألف مرة !... وماذا أيضا؟... الصمت الإجرامي الذي يلف هذا الحمق اللانهائي يخيفني، كما قال باسكال في موضوع آخر. نعم، باسكال ! نحن هنا وسنظل. !!
الطلبة المغاربة بفرنسا
... كم هو مخيب للآمال هذا الخطاب المزدوج لفرنسا حول الفرانكوفونية. فهي تملأ الدنيا صراخا في كل مكان بأن الفرانكوفونية هي "البيت المشترك" لكل الذين يتقاسمون الحديث بالفرنسية، وتبذل كل ما في جهدها حتى يظل كل واحد في بيته بعيدا عن الآخر.. وفي أفضل الحالات، تعمل على أن يرتاد الناس المعاهد الفرنسية القريبة لمشاهدة بعض الأفلام الفرنسية. فحتى "الامبريالية الثقافية" الفرنسية، التي كانت توصف في الماضي بالعدو الذي يجب محاربته، أصحبت "امبريالية" فقيرة... نعم فقيرة وشريرة".
أحمد التوفيق
سأقول إنه رجل نزيه. في معجم القرن السابع عشر، عشية عصر الأنوار، هذا اللفظ كان يطلق على أولئك الذين كانوا يسلكون سبيل الاعتدال للجميع بين الإيمان، العقل، ثقافة عصر النهضة، ومشاغل الحياة اليومية. يمكن وضع أحمد التوفيق في زمرة هؤلاء الرجال. إذ ظل صامدا في وجه التيار الوهابي الذي شق لنفسه باطراد وهدوء مكانا لدينا، فهو صوفي الهوى والعقل، ودون أن يثير الكثير من الهرج يواصل كتابة الروايات ونشرها. وهذا طبعا يقطع مع تلك الصرامة والتقشف المصطنعين لدى جل علمائنا. لا أعرف لماذا، ولكن كنت دائما أتخيل أحمد التوفيق منخرطا، بكل تواضع، في نقاش مع ابن رشد في مسجد صغير بمراكش. وأتخيلهما معا وهما يحاولان رسم ملامح مركزية سياسية هنية للإيمان. ولم استغرب عندما علمت أن الرواية المقبلة للرجل ستتمحور حول "سفر صوفي".
وزير البحر
إن فكرة خلق منصب "وزير البحر" منذ القرن التاسع عشر تعكس الأهمية التي أولاها المغرب للبحرين اللذين يحيطان به.. البحر بوابة للخروج والدخول.. للانفتاح والانغلاق في الآن ذاته... فهذا البحر الذي حمل طارق بن زياد إلى أوروبا هو نفسه الذي جلب، في فجر القرن العشرين، أوروبا التاجرة إلى المغرب، إلى أن اقترحت فرنسا على البلاد "الحماية"، بعد أن تراكمت عليها الديون.
أيت يدر
أحتفظ من مقتطفات مذكراته بصورتين للزعيم السياسي محمد بنسعيد أيت يدير. الأولى يمكن أن نسميها "تنوعات على تقبيل اليد". فهي شهية من فرط ما تضمنته من دقة وتفاصيل حول أجواء البلاط.. كأنك نقلت "سان سيمون" إلى المغرب.
الصورة الثانية كانت مؤثرة لأنها تتحدث عن الفترة التي أصيب فيها بالكآبة، والتي جعلت القائد السياسي يبدو إنسانا عاديا قريبا منا. فنادرا ما يقبل رجل السياسية أن يقدم نفسه بنفسه ويتحدث عن ظروفه الإنسانية.