لم ينته النقاش والحسم بعد في قضية منابع التطرف الديني في العصر الراهن. ولا يزال الباحثون يطرحون سؤال العنف الديني ومشروعيته من التراث الاسلامي. لهذا الغرض التقى اليوم باحثون في ندوة علمية، وتتبعوا منابع التطرف من خلال بعض الشخصيات التي ساهمت في "شرعنة" العنف في الاسلام.
بالرجوع إلى التاريخ الاسلامي يجد الباحثون أن فقهاء الإسلام وعلماءه الكبار ساهموا في "شرعنة" العنف، بطرق مختلفة؛ وذلك بالتأصيل له بالاحاديث النبوية أو بالتأويلات القرآنية للآيات والأحكام. أحمد الطريبق أستاذ التعليم العالي، يرى أن أحمد ابن حنبل فتح الباب لشرعنة العنف عندما "أعطى أولوية للحديث الضعيف على الرأي"، مما "اتاح للمسلمين الاعتماد على أحاديث تبيح القتل ولو كانت ضعيفة أو آحادا (أي رواها شخص واحد وظنية الثبوت)".
وأضاف الطريبق في معرض حديثه في ندوة نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود"، حول "فهم التطرف الديني" اليوم السبت، أن ابن تيمية سار على هذا النهج وشرعن للتطرف الديني، عندما أجاز قتل المبتدع والمنافق وتارك الصلاة والمخالف للدين.
الأستاذ لم تفته الإشارة إلى أن سياق ابن تيمية كان محكوما بإطار ظرفي وبفترة زمنية معينة، لكن طريقة إصدار الفتوى والأحكام في تلك الفترة، "كانت مسوغا لاستغلال الدين سياسيا، وذلك بإباحة قتل المخالفين للحاكم" يضيف الطريبق.
وبإزاء كتابات ابن تيمية عرج الأستاذ على بعض الشخصيات المؤسسة الأخرى للعنف، كعبد الله بن مودود الموصلي في القرن 13، وصولا إلى الفترة المعاصرة مع سيد قطب وأبو إسحاق الحويني، الذين انبثقت عنهم جماعات جهادية وإرهابية، على حد تعبير الطريبق.
من جهته قال إسماعيل النقاز المحاضر بجامعة وهران، إن شخصية محمد بن عبد الوهاب، تنضاف إلى الشخصيات المشرعنة للعنف في الإسلام، وذلك ضمن مداخلته حول "حفريات الخطاب الوهابي". النقاز المتخصص في الفقه، تتبع النشأة الأولى للوهابية وكيفية استغلالها للظرفية البدوية والسياسية بالجزيرة العربية في القرن 18، التي كان يحكمها محمد بن سعود.
وحول سؤال: ما الذي فعله محمد بن عبد الوهاب بالإسلام؟ يجيب النقاز في مداخلته أن مؤسس الوهابية رأى مجتمعه البدوي والقبلي مشابها لمجتمع النبوة، وبالتالي ارتأى محاربة أي شيء لم يكن في زمن النبوة. النقاز أشار إلى أن محمد بن مسعود ساعد بن عبد الوهاب، للقيام بأكثر من 300 غزوة على القبائل الأخرى المجاورة، حيث سقط الالاف من الضحايا المسلمين، "بدعوى أنهم مشركون (متصوفة ومخالفين للعقيدة)، تجب مقاتلتهم لتنقية الإسلام من البدع"، يضيف الباحث.
ورجح الباحث الجزائري أن "قطع الرؤوس" في الجزيرة العربية كان رائجا وأمرا متدوالا في السير والأخبار. وهو ما أثر في المنظومة الفقهية التي نبعت من "بيئة عربية دموية". وهو الأمر الذي استمده أيضا الحكام والسياسيون لقتل المخالفين بمصوغات دينية وفقهية، وفق النقاز.
من جهة أخرى، شكلت شخصية والي الكوفة في العهد الأموي، خالد القسري خير دليل على "استباحة" القتل والذبح في التاريخ الدموي للاسلام، في مداخلة الدكتور محمد أمعارش. هذا الأخير ركز على ما قام به االوالي الأموي، عندما ذبح الجعد بن درهم على طريقة الأضحيات.
وتقول الروايات "إن خالد القسري عندما أصبح واليا، قال في خطبة عيد الأضحى: أيها الناس ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر".
وحسب الباحث المغربي أمعارش، فإن الكتابات المرجعية في الإسلام تزكي ما قام به خالد القسري وتعتبره "ذبيحة شرعية وقربانا شرعيا للإله"، حيث استبدلت التضحية بالحيوان وتمت التضحية بالإنسان "المخالف للشرع". ولم يبارك هذه الواقعة علماء الاسلام الغابرون فقط، وفق الباحث، بل زكتها مرجعيات دينية بارزة في الفترة الراهنة، كعبد الرحمن بن يحيى المعلمي وابن عثيمين، وغيرهم.
بل والأكثر من ذلك، يضيف الباحث في الخطاب الديني، أن "بعض الدعاة السلفية المعاصرين، كممدوح الحربي، دعت إلى نحر كل سائر في طريق "الجعدية"؛ كالجابري ومحمد أركون وناصر حامد أبو زيد، وعدنان إبراهيم، وكل صاحب تفكير حداثي أو تنويري. وهو ما تقوم به داعش وتعتبره تقربا من الله"، وفق تعبير أمعارش.