هل أدار البرلمان ظهره لمذكرة بوعياش؟

الشرقي الحرش

 بعد تأجيلات متتالية لموعد وضع التعديلات على مشروع القانون الجنائي، قررت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب تحديد يوم 13 دجنبر المقبل كآخر أجل لوضع التعديلات على مشروع القانون.

 ويأتي تحديد موعد جديد من  أجل وضع التعديلات على مشروع القانون الجنائي، تزامنا مع الجدل الواسع الذي أثارته مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن هذا القانون، خاصة في ما يتعلق بدعوتها لرفع التجريم عن العلاقات الجنسية بين الراشدين غير المتزوجين، وتوسيع إباحة الاجهاض، أو الإسقاط الإرادي للحمل، كما تسميه مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

 ويبدو أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لا تستهوي أغلب الفرق البرلمانية بمجلس النواب.

 في هذا الصدد، وجه "تيلكيل عربي" سؤالا إلى عدد من ممثلي الفرق البرلمانية بمجلس النواب، حول ما إذا كانوا سيستحضرون مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حين وضع تعديلاتهم على مشروع القانون، فتبين أن مواقف الفرق تتوزع بين الرفض المطلق، وبين التفاعل الجزئي، فيما لم يبلور آخرون موقفا نهائيا بعد، أو يتهيبون من المغامرة في ميدان محفوف بالمخاطر.

 محور الرفض

الجزء الكبير من مقتضيات مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان تلقى الرفض المطلق من قبل إسلاميي العدالة والتنمية، حيث اعتبرها نوابه داخل لجنة العدل والتشريع مخالفة للقانو، إذ لم تحترم المساطر والمسلكيات المؤطرة لعلاقة البرلمان مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤكدين أنها لا تندرج ضمن الإحالة الذاتية أو طلب الرأي، خاصة أن المجلس سبق له، في وقت سابق،  أن أدلى برأيه في موضوع مشروع القانون الجنائي.

وكشفت  بثينة قروري، عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب عن حزب العدالة والتنمية،  في اتصال مع "تيلكيل عربي"،  أن فريق العدالة والتنمية أعد تعديلاته بمنأى عن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي قدمت توصيات من أجل تعديل مواد غير مدرجة في المشروع، الذي عرض على اللجنة، وتمت مناقشته تفصيليا.

 وتضيف قروري أن فريقها بمجلس النواب عمل على الأخذ بعدد من توصيات المذكرة الأولى للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي احترمت الشكليات والمساطر القانونية التي تؤطر علاقة البرلمان بالمجلس.

وأكدت النائبة أن فريق العدالة والتنمية اعتمد عددا من توصيات المذكرة السابقة في تعديلاته، خاصة ما يتعلق بمحاربة التعذيب. وأوضحت أن فريق "البيجيدي" سيناقش التعديلات التي أعدها مع حلفائه في الأغلبية من أجل تقديم تعديلات مشتركة.

ويبدو أن الفريق الاستقلالي بدوره ينحو منحى حزب العدالة والتنمية، ففي اتصال مع "تيلكيل عربي"، أكد نور الدين مضيان، رئيس الفريق النيابي للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن تعديلات الفريق ستكون انطلاقا من هوية الشعب المغربي وثوابت الدولة المغربية.

وأشار مضيان أن حزب الاستقلال سينظم يوما دراسيا من أجل بلورة تصور نهائي بشأن التعديلات التي سيتقدم بها، مراعيا في ذلك هوية وثوابت الشعب المغربي.

وتأتي تصريحات مضيان، بعدما اعتبرت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، المقربة من حزب الاستقلال،  أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لم تحترم المقتضيات القانونية لعمل المجلس، حيث صدرت عن مكتب المجلس دون المصادقة عليها من طرف الجمعية العمومية، كما انتقدت الجمعية ما اعتبرته محاولة من المجلس لصنع قطبية مزيفة بين المحافظين والحداثيين.

انفتاح محتشم

 من جهته، لم يستبعد إمام شقران، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، استعانة فريقه بمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإدماج بعض توصياتها في التعديلات التي سيقدمها، لكن في حدود المواد المطروحة للتعديل،  كما هو الشأن بالنسبة للإجهاض، أما ما يتعلق برفع التجريم عن العلاقات الرضائية، فهذا غير مدرج ضمن المشروع الحالي، مشيرا إلى أن الفريق الاشتراكي قد يفتح هذا الباب من خلال مقترحات قوانين جديدة.

 من جهتها، تؤكد فاطمة الزهراء برصات أن مجموعة التقدم والاشتراكية ستتقدم بتعديلات بشأن المقتضيات المتعلقة بالإجهاض، خاصة ما يتعلق بمنح القاصرات الحق في الإجهاض، مضيفة أن التقدم والاشتراكية يؤيد ما جاءت به مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

 وبخصوص توصيات مذكرة المجلس بشأن رفع التجريم عن العلاقات الرضائية، قالت برصات "إن فريق التقدم والاشتراكية سيتدارس هذا الأمر، ويبحث عن الصيغة المناسبة للتعامل معه".

من جهته، لم يعلن فريق الأصالة والمعاصرة عن موقفه من مشروع القانون الجنائي بعد. وقال عبد اللطيف وهبي، النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة،  "إن فريق الأصالة والمعاصرة سيعلن عن موقفه، بعد لقاء وزير العدل الجديد ومعرفة وجهة نظره حول قضايا الإجهاض والحريات الفردية"، مشيرا إلى أنهم طلبوا عقد لقاء مع وزير العدل محمد بن عبد القادر.

 تأييد مطلق دون تأثير

لحد الساعة لم يعلن أي برلماني تأييده المطلق لما جاء في مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان إلا نائبا فدرالية اليسار عمر بلافريج ومصطفى الشناوي، لكنهما ليسا عضوين في لجنة العدل والتشريع، الشيء الذي سيحرمهما من التصويت على التعديلات التي سيقدمانها.

وكان بلافريج قد أعلن أنه سيتقدم بتعديلات على مشروع القانون الجنائي من أجل رفع التجريم عن الإجهاض والعلاقات الرضائية والمثلية والخيانة الزوجية.

مطبات مركبة

 يبدو أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان لن تحظى بدعم الفرق البرلمانية كما كانت تأمل رئيسة المجلس أمينة بوعياش، التي أكدت، في حوار سابق مع "تيلكيل عربي"، أنها تنتظر تفاعل البرلمان مع توصياتها.

والملاحظ أن التوصيات التي قدمتها بوعياش، بخصوص الإجهاض، يعلن حزب العدالة والتنمية رفضها لها استنادا إلى وجود تحكيم ملكي سابق في الموضوع.

 أما التوصية المتعلقة برفع التجريم عن العلاقات الرضائية، فإن المادة 490 من القانون الجنائي التي تجرمها  غير مدرجة ضمن مشروع القانون، ولا يشملها أي تعديل.

 ويرى الخبير الحقوقي عزيز إيدامين أن الفرق البرلمانية لن تأخذ بمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالتوصيات التي قدمها بشأن مواد غير مدرجة ضمن مشروع القانون كما هو الشأن بالنسبة لرفع التجريم عن العلاقات الرضائية، مشيرا إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب لا يسمح بتعديل مواد قانون لم تعرض للمناقشة.

 ويضيف إيدامين أن جزء عريضا من الحركة الحقوقية يتفق تماما مع مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلا أنها معيبة من الناحية المسطرية والشكلية، إذ أن المجلس الوطني لا يقدم مذكرات تكميلية، بل يقدم مقترحات بشأن قوانين جارية، أو يقدم رأي استشاري بشأن مشاريع أو مقترحات القوانين المعروضة على البرلمان، إما بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان.