منذ مطلع السنة الماضية، تتواصل وتيرة الإضرابات في كندا، فبعد الموظفين الفدراليين، وعمال موانئ مقاطعة كولومبيا البريطانية، وموظفي القطاع العام في كيبيك، تستمر الاحتجاجات الاجتماعية هذا العام، خاصة في قطاعي السكك الحديدية والنقل الجوي.
فقد شهدت سنة 2023 أكبر عدد من أيام التوقف عن العمل في هذا البلد بأمريكا الشمالية، نتيجة الإضرابات العمالية، خلال العقد الماضي. كما تثير هذه الحركات الاحتجاجية الاجتماعية مخاوف بشأن تداعياتها على الصعيد الاقتصادي.
تختلف الآراء حول ما إذا كان الأمر يتعلق بدينامية نقابية سليمة، تعبيرا عن سخط اجتماعي عام، أو وسيلة ضغط على بعد عام واحد من الانتخابات الفدرالية، غير أن الخبراء يجمعون على أن الكنديين يشعرون بالإحباط بشكل متزايد، بسبب ارتفاع تكاليف المعيش اليومي.
النقل السككي
مؤخرا، قامت أكبر شركتين لتشغيل خطوط السكك الحديدية في البلاد، وهما شركة "Canadien Pacifique Kansas City" وشركة "Canadien National" بإغلاق منشآتهما بسبب إضراب عمالهما البالغ عددهم 9300، بعد إشعار الإضراب الذي قامت نقابة النقل السككي "Teamsters Canada" بإيداعه.
هذا التوقف العمل جاء نتيجة تعثر المفاوضات بين النقابة السككية والشركتين في ما يتعلق بالسلامة ووقت الراحة وإعادة انتشار الموظفين.
لم يكن توقف الشحن السككي في جميع أنحاء البلاد يهدد بتعطيل سلاسل التوريد فحسب، بل بالتأثير كذلك على اقتصاد منطقة أمريكا الشمالية بأكملها، مما أجبر أوتاوا على التدخل من خلال فرض تحكيم قابل للتنفيذ، والأمر بمواصلة عمليات النقل السككي.
حظي قرار أوتاوا بدعم مجلس العلاقات الصناعية الكندي، الذي أمر الآلاف من موظفي قطاع السكك الحديدية بالعودة إلى العمل.
وفي مواجهة هذه المناورة، قدمت النقابة السككية رسميا طعونا بشأن هذا القرار أمام محكمة الاستئناف الفدرالية.
هذا التوقف عن العمل بشكل متزامن كان ينذر بتعطيل حركة نقل البضائع، التي تبلغ قيمتها حوالي مليار دولار كندي يوميا، وفقا لرابطة السكك الحديدية الكندية.
من جانبه، أشار أليكس مونرو، ممثل هيئة ميناء فانكوفر-فريزر، إلى أن الإضراب أو الإغلاق سيؤثر على أكثر من 115 ألف وظيفة في سلسلة التوريد.
بدوره، أكد كيث كوري، رئيس الاتحاد الكندي للزراعة، أن الخسائر المرتبطة بالقطاع الزراعي قد تصل إلى 50 مليون دولار كندي يوميا.
وحذر الاتحاد الكندي للأعمال المستقلة من أن تعطيل عمليات السكك الحديدية في كندا قد يكون له "تأثير مدمر" على الشركات الصغيرة والمتوسطة وموظفيها ومجتمعاتهم.
كما هدد تمديد توقف نقل البضائع في البلاد، بتوجيه ضربة قوية للتجارة مع الجارة الجنوبية، وتعطيل سلاسل التوريد عبر أمريكا الشمالية.
إذ تعبر بضائع تبلغ قيمتها 3.6 مليار دولار الحدود الأمريكية يوميا، ويعبر ما يقرب من ثلث البضائع المنقولة بواسطة شركتي "Canadien Pacifique Kansas City" و"Canadien National" الحدود الكندية الأمريكية. ومن شأن إغلاق السكك الحديدية أن يؤدي إلى تعطيل العمليات في عدد من الصناعات الأمريكية، بما في ذلك الزراعة والسيارات والبناء والطاقة، حسب طول فترة التوقف عن العمل.
"طيران كندا"
طال الاحتقان الاجتماعي أيضا ربابنة أكبر شركة طيران في البلاد، "إير كندا". فقد صوت طيارو الشركة بأغلبية ساحقة لصالح تفويض بخوض الإضراب.
وحسب مدير المرصد الدولي للطيران، مراح إبراهيمي، فقد تكون لهذا الإضراب تداعيات كارثية على الاقتصاد الكندي، مشددا على ضرورة التدخل لتفاديه.
تتعثر المفاوضات بين الرابطة الدولية لطياري الخطوط الجوية وشركة "طيران كندا"، بشأن التعويضات وتحسين امتيازات التقاعد، وتحسين نوعية الحياة.
على مستوى المقاطعات، تتضاعف الحركات الاجتماعية أيضا. ففي كيبيك، أعلن الاتحاد المهني للصحة أنه سيشجع أعضاءه على رفض العمل الإضافي اعتبارا من 19 شتنبر. ويتفاوض الاتحاد المهني مع حكومة المقاطعة منذ سنتين، بشأن اتفاقية جماعية جديدة بشأن ظروف العمل لفائدة حوالي 80 ألف موظف في شبكة الصحة العامة.
بدوره، يشهد قطاع الفنادق المعطى ذاته، إذ خاض حوالي 2600 عامل في كيبيك إضرابا مفاجئا يوم الجمعة، هو الثاني منذ بداية الشهر. وتوعدت نقابتهم، على الخصوص، بالتصعيد خلال فصل الخريف، في ظل فشل المفاوضات بشأن مطالب الرواتب.
التضخم وتكاليف المعيشة
يرى بعض المحللين أن هذه الحركات الاجتماعية تعكس قلقا عاما، في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم وتكاليف المعيشة وزيادة أسعار الفائدة.
إذ ارتفعت ديون المستهلك الكندي بنسبة 4.2 بالمائة، لتصل إلى 2.5 تريليون دولار كندي في الربع الثاني من سنة 2024، وفقا لتقرير "Market Pulse" الجديد الصادر عن "Equifax Canada".
ببرز تحليل وكالة التصنيف الائتماني أن أرصدة بطاقات الائتمان، لوحدها، ارتفعت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، عند 122 مليار دولار، في أعلى مستوى منذ عام 2007.
من جانب آخر، يظهر التقرير تحولا في أنماط عيش الأسر الكندية، إذ يختار عدد متزايد من الراشدين الإقامة بمنزل الوالدين.
إذ أن واحدة من كل ثلاث أسر تقريبا (29.2 بالمائة) تضم راشدين يقطنون مع الوالدين، مقارنة بـ 26.7 بالمائة قبل عشر سنوات.
ولخصت ريبيكا أوكس، نائبة رئيس التحليلات لدى "Equifax Canada"، بالقول إنه "مع تراجع فرص العمل، والارتفاع الصاروخي لأسعار الإيجارات وأسعار العقارات، وتزايد تكاليف المعيشة، يلجأ الشباب الكندي بشكل متزايد إلى دعم الوالدين".