مع تراجع قوة وحدة الجماعات المقاتلة في سوريا والعراق، يتخوف الجميع من عودة المقاتلين والمتشددين إلى أوطانهم الأم، بما فيهم المغرب وأوروبا. لكن بإزاء هذا التخوف، هل كل متطرف في الفكر هو شخص ممارس للعنف؟ وكيف تحدد الدول الأوروبية الأشخاص المتطرفين وتتعامل معهم ؟
يرى عالم الاجتماع نور الدين الزاهي، أن "هناك فرقا شاسعا بين الفكر المتطرف والفعل المتطرف العنيف". فالحكم على شخص ما بأنه عنيف لمجرد تبنيه فكرا ومرجعية تاريخية متطرفة، هو نوع من الخلط لدى الباحثين العرب، حسب الزاهي. هذا الأخير يعتبر الخلط الحاصل رؤية "استشراقية معكوسة"، على خطى المستشرقين الغربيين كـ"أوليفير روا" و"اوليفييه كاريه"، الذين ربطوا الفكر الراديكالي بفعل "الجهاد".
وحسب المتخصص في السوسيولوجيا، "فليس كل من مر من فكر ابن تيمة ومحمد بن عبد الوهاب، ليس بالضرورة أن يكون فعله متطرفا وعنيفا". وبالتالي، يضيف الباحث، كل المحاولات التي تروم البحث عن جذور العنف في النصوص والتراث، "ترسخ نوعا من الخوف من الأفكار والمظاهر الدينية، وترسخ الاعتقاد الساذج بكون حمل الفكرة أو ممارسة الخطاب، كاف لفعل العنف المتطرف".
وفي معرض مداخلته بندوة حول "فهم التطرف الديني"، التي نظمتها مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" يومي 25 و26 نونبر الجاري، بمقرها بالرباط، يعلل الزاهي فكرته بأن "جماعة العدل والإحسان تحمل تطرفا على مستوى الكتابة، لكن لم يسبق لها أن قامت بأعمال عنف جماعي متطرف". مضيفا أن تحديد الشخص المتطرف لا ينبني على أساس اعتقاده أو تأثره بفكر معين.
وتكمن خطورة الربط بين حامل الفكر المتطرف والفعل العنيف، في نظر الزاهي، في كونها "تمنح الشرعية لتدخل المقاربة الأمنية الاستباقية التي تتم فيها حالات الاعتقال، كما يحصل بالمغرب".
"المتطرف" في أوروبا
هناك تعريفان أو طريقتان لتحديد المتطرف في أوروبا؛ الأولى حسب الزاهي، في فرنسا وبلجيكا وألمانيا، حيث تعرف المتطرف إما من خلال مظهره أو قوله أو اعتقاده، ويكفي أن يصرح الشخص بضرورة قتال الكفار، ليتم التحقيق معه واستجوابه من طرف السلطات الأمنية. "هكذا يعتبر الاعتقاد في إيديولوجية دينية متطرفة (راديكالية)، في هذه الدول خطوة داخل فعل العنف"، وفق تعبير الزاهي.
الطريقة الثانية لتحديد المتطرف في أوروبا، يردف عالم الاجتماع، هي المقاربة الأنجلوساكسونية، والتي "تركز على الفعل والعمل، وليس على الاعتقاد، وذلك باسم الحرية الفردية، التي لا تشكل فيها الايديولوجيا مهما كانت شدة تطرفها، مشكلا ولا خطرا، ما دامت لا تخرق القانون".
وغير بعيد عن المملكة البريطانية، تعتمد الدانمارك عدة برامج للتعامل مع المتطرفين من مختلفة الجنسيات والأشكال، أشهرهم برنامج "آرهوس". وحسب الأستاذ صلاح الدين بوجلال، فإن الدانمارك تعتمد مقاربتين؛ إحداهما أمنية: تتمثل في مواجهة الأفعال الإجرامية، ومقاربة أخرى "إدماجية": تتمثل في تخصيص برامج اجتماعية للمتطرف، وعبر القيام بعمليات تحسيسية داخل المؤسسات التعليمية والمرافق العمومية، حيث تراعى فيها خصوصية كل مدينة وكل جنسية".
الدانمارك، يضيف بوجلال في نفس الندوة، لا تجرم السفر إلى القتال في بؤر التوتر، ولا تطبق عقوبة الحبس في حق العائدين من سوريا أو العراق. بل تعتبر ذلك "عودة شباب إلى وطنهم الأم، وليس حالة عود إجرامي يستحق السجن" وفق تعبير الباحث. وإذ من الصعب إثبات الجرم على الأشخاص المقاتلين في سوريا، يقول بوجلال "فإن الدانمارك تخول كل عائد إليها الاستفادة من تلك البرامج الإدماجية".
الباحث نوه بما تقوم به المملكة المغربية، بإعادة تأهيل السجناء عبر برامجها وطريقة التعامل مع المتطرفين داخل سجونها. لكنه أشار في المقابل إلى غياب برامج إدماجية ناجعة، لإعادة تأهيل حالات التطرف داخل المجتمعات في الدول العربية، حيث "لا توجد برامج تأهيلية للتعامل مع حالات التطرف وإدماج العائدين من بؤر الجهاد، بل يكتفى بالتعامل معها في إطار عام هو مكافحة الإرهاب ومراقبة العائدين"، يقول الباحث الجزائري.