اجتمع ثلة من الباحثين والمتخصصين بمراكش على مدى يومين، للتدارس حول مستقبل تنظيم "داعش" ومرحلة ما بعد "زواله". وحاول المؤتمرون سبر غور التنظيمات الجهادية، من خلال التركيز على البيئة التي يتربى فيها التطرف والإرهاب.
ركزت بعض مداخلات المؤتمر الذي نظمته مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" يومي 6-7 أبريل الجاري بمراكش، على مقاربة ظروف ونشأة الإرهاب داخل السجون العربية، وكيف ساهمت هذه الأخيرة في إذكاء العنف الديني. فضلا عن التركيز على دور المراجعات الفكرية، إما بدافع فردي أو جماعي (رسمي)، في الخروج من حالة التطرف والتشدد.
أحد قيادات الجماعة الإسلامية المقاتلة بمصر، محمد نصر كروم، قال خلال مداخلته إن تجربته في السجن (11 عاما) في عهد حسني مبارك، خولته من معرفة تقلبات الفكر الجهادي أكثر، وذلك برصد: إما تقلبات المتشددين وعودتهم إلى الصواب، على غرار ما قامت به الجماعة الاسلامية وتنظيم الجهاد بمصر من داخل السجون، أو التشدد بشكل أكثر تطرفا.
ويضيف القيادي أنه خلف السجون ولدت أكثر الجماعات عنفا وتطرفا، ويضرب مثالا يؤيد به أطروحته، بأن "فكرة التكفير ولدت داخل السجن، كما حصل مع جماعة التكفير والهجرة في الستينيات، فأفراد هذه الاخيرة اعتقلوا كأعضاء من الاخوان المسلمين، لكن داخل السجن ونظرا للتعذيب أفتوا بكفر الضباط والأمنيين والدولة، فتولدت الجماعة جراء تلك الظروف"، يقول كروم.
في ذات السياق زاد المعتقل السابق، بأن السجون تشكل تربة خصبة تتكون عليها تنظيمات إرهابية مهيكلة، تستطيع استقطاب عناصر جديدة لم تكن لها علاقة بأي تنظيم من قبل. "في مصر تكونت تنظيمات إرهابية داخل السجن، عندما أصبح لكل زنزانة أمير، ولكل عنبر أمير، مما سمح لهذه التنظيمات أن تتوسع وتدبر عمليات إرهابية من داخل الزنازين"، يضيف المتحدث.
يعزز الباحث محمد كروم، قوله بأن المتهمين الآن في أحداث تفجيرات سيناء، "لم يكونوا في الاصل إرهابيين، بل سجناء مدنيين تم اعتقالهم في زنازين تضم متطرفين تكفيرين". ويستذكر المتحدث أنه في سنوات اعتقاله سمع "أحد القادة المعتقلين، يأمر أفراد عائلته، أثناء زيارته، بتنفيذ عمليات إرهابية ضد السياح في مصر".
فرض مراجعات
بعيدا عن مصر، عرف المغرب سياقا مشابها لعمليات إرهابية حدثت في العقدين الأخيرين، وسجن على إثرها آلاف المعتقلين. وداخل السجون تلاقحت الأفكار بين المتشددين والإرهابيين وكذلك المعتدلين. وازداد التخوف بشكل أكبر، بعد تنامي ظاهرة التحاق المفرج عنهم من هؤلاء إلى سوريا والعراق بعد ظهور ما سمي بتنظيم "داعش".
مع هذا التخوف وإلى جانب اليقظة الأمنية والعقوبات القانونية في حق المتطرفين، كان لزاما على الدولة المغربية، البحث عن حلول موازية لمكافحة الإرهاب والتطرف. ولهذا الغرض تنبهت الدولة كذلك إلى خطر تنامي الظاهرة داخل السجون.
اقرأ أيضاً: ماذا بعد داعش؟
بلغة الارقام، يقول مصطفى الرزرازي الخبير الاستراتيجي في قضايا الإرهاب، وأحد المشرفين على برنامج "مصالحة" داخل السجون المغربية، إن حوالي 13.5 بالمائة من المقاتلين المغاربة المتواجدين بسوريا والعراق، كانوا معتقلين في السجون المغربية في قضايا تتعلق بالإرهاب.
أمام هذا الوضع يرى الخبير، أن تجربة المغرب بإحداث برنامج "مصالحة" الذي خصص لسجناء الإرهاب والتطرف، يشمل تكوينا للنزلاء في عدة جوانب، منها فكرية، سيكولوجية، حقوقية واجتماعية. بالإضافة إلى تتويج النزلاء بشهادات تخولهم الإندماج في المجتمع بعد خروجهم.
البرنامج بحسب الرزرازي، يروم تشجيع السجناء على القيام بمراجعات فكرية، للتصالح مع ذاتهم، وكذلك تحصينهم من "عدوى التطرف" أثناء الاعتقال وبعده.
لكن ورغم ذلك، أحصى الخبير الاستراتيجي أن هذا البرنامج تعترضه صعوبات تقف حجر عثرة أمام المستفيدين منه، وهي ذات طبيعة قانونية ومجتمعية بالإضافة إلى اقتصادية (تعيشها أغلب الحالات).
هل تكفي المراجعات ؟
اختيار سبيل التراجع عن الأفكار المتطرفة، أو ما سمي بالمراجعات، ليس من السهل على النزلاء القيام به. فإلى جانب الصعوبات التي سطرها وعرضها الرزرازي في مداخلته، تبقى "الحصانة الفكرية" هاجسا أمام الدولة والمجتمع.
هذا التخوف حدث في ليبيا؛ مع عبد الوهاب القايد أحد قياديي الجماعة الليبية المقاتلة، الذي "ادعى القيام بمراجعات فكرية"؛ إذ مع ظهور "الدولة الإسلامية" بالعراق والشام، أفل إلى سابق عهده والتحق باالتنظيمات المسلحة هناك بغرض "الجهاد".
حالة ليبيا هاته، يستشهد بها محمد عبد الوهاب رفيقي (المعروف بأبو حفص)، الذي خبر تجربة السجن والاعتقال، للتأكيد على أن أغلب الجماعات الجهادية التي قامت بمراجعات، انتقلت من خطاب الفكر السلفي إلى الفكر الإخواني، "كأقصى درجات التحول"، وهو ما يشكل مشكلا، بحسب رفيقي.
المتحدث اعتبر أن تجربة الانتقال من الاسلام السلفي إلى الاسلام السياسي "مشكلا"، لأنه يفقد المراجعات مصداقيتها، والتي قد تكون نوعا من تمويه استراتيجي، كما في حالة القايد بليبيا، حيث يتم تنبى الاسلام السياسي مع الحفاظ على قابلية العودة إلى الفكر الجهادي.
اقرأ أيضاً: "البسيج": المغرب فكك 53 خلية منذ 2015.. 48 منها لها ارتباط بداعش
رفيقي شدد في مداخلته خلال المؤتمر، على أن تجربة المغرب تختلف عن باقي الجماعات في العالم، إذ إنه لم يشهد تنظيمات وتيارا مهيكلا للجماعات الجهادية، "بل كان تحركها (كما حصل في 16 ماي 2003) على شكل مجموعات، غير موحدة وتعيش حالة فوضوية على مستوى الفكر والتنظيم"، يضيف الباحث.
بحسب رفيقي، الحديث عن المراجعات في المغرب لا يقتصر على حالات جماعية، لأنها تمت على شكل حالات فردية. لكن ورغم ضرورتها، يردف المتحدث، فالمراجعات الفردية لم تتبن في غالبها خيار الاعتدال والفكر الوسطي؛ إذ "لا يزال ممن أفرج عنهم يتبنون الفكر المتطرف ولم يتراجعوا عما اعتقدوه من قبل"، حسب قوله.
شدد محمد عبد الوهاب رفيقي في مداخلته بالمؤتمر، على أن المراجعات داخل السجون، "تحتاج إلى جهد واقتناع ذاتي"، وذلك بـ"الانفتاح والاطلاع على المعارف والتسلح بالعلوم الإنسانية بالخصوص".