والي الدار البيضاء.. سنة من التحديات والإنجازات نحو تطوير العاصمة الاقتصادية

خديجة قدوري

عندما تطأ قدماك شوارع الدار البيضاء، يختلط الأوكسجين بجزيئات الذكريات، لتندفع مشاعر الحنين وتتجدد الحياة من أول خطوة في زحامها النابض. سيمفونية المدينة تعزفها أصوات السيارات والناس، فيما تحمل أنفاسها طاقة متجددة تنبض بتاريخ من النضال والطموح. كل زاوية تنطق بحكايات الكازاويين وتروي فصولا من الماضي والمستقبل، لتجسد الفوضى الخلاقة التي تجعل الدار البيضاء حالة استثنائية تتنفس الأمل والطموح.

يتطلع سكان الدار البيضاء إلى تحقيق نقلة نوعية في مدينتهم؛ حيث يأملون في أن تصبح أكثر تنظيما وإشراقا، وتعكس عراقتها بروح حديثة، عبر مشاريع مدروسة تضيف قيمة حقيقية لحياتهم اليومية. إنهم ينتظرون تسارع وتيرة التحديث، ليس فقط من خلال تطوير الواجهات، بل عبر خلق بيئة تدعم الإبداع والتنمية المستدامة، ليجعلوا من مدينتهم نموذجا للتطور والتميز على كافة المستويات.

مشاريع تنموية تحاكي تطلعات الساكنة

في هذا السياق، أفادت نبيلة الرميلي، رئيسة المجلس البلدي، خلال افتتاح الجلسة الأولى للدورة العادية للمجلس الجماعي لشهر أكتوبر، بأن جميع المشاريع الجارية أو المبرمجة تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل مقاطعة ومستوى الاحتياجات الخاصة بها.

وكشفت الرميلي عن زيادة الاعتمادات المخصصة للمقاطعات من 330 مليون درهم إلى 380 مليون درهم، مشيرة إلى أن المجلس تمكن من رفع مداخيله الذاتية المرتبطة بالجبايات المحلية بنسبة 41 في المائة.

وأضافت أن الجماعة حققت إيرادات مهمة بلغت حوالي 4.2 مليار درهم، خلال سنة 2023، فيما نجح المجلس، إلى حدود الساعة، في تحقيق مداخيل تصل إلى 4 مليارات درهم لهذه السنة، موضحة أن الساكنة يلاحظون التحسن الذي شهدته المدينة، سواء على مستوى الحدائق والمساحات الخضراء أو البنية التحتية الثقافية.

ولاية امهيدية.. خطوة نحو تسريع المشاريع

وجاء تعيين محمد امهيدية واليا على جهة الدار البيضاء-سطات ليبعث الأمل في تسريع وتيرة المشاريع المتعثرة. امهيدية، المعروف بنهجه الحازم ووضوحه، انخرط منذ تعيينه في عقد اجتماعات مكثفة مع الشركات المعنية، متعهدا بمتابعة التزاماتها وتوفير فرق العمل اللازمة لإنجاز المشاريع في وقتها المحدد؛ مما يعزز التفاؤل بمستقبل يليق بمكانة الدار البيضاء.

وفي هذا السياق، قال مولاي أحمد أفيلال، نائب رئيسة مجلس الدارالبيضاء: "كانت هناك أمور لم تكن تُؤدى عنها سابقا؛ مثل الجبايات والضرائب، والجماعة تبذل جهدا كبيرا لتقديم خدمات للساكنة، وبالتالي، يجب أن تُؤدى عنها".

وفيما يتعلق بالمشاريع، تحدث أفيلال عن المطرح الذي تم تخصيص ميزانية كبيرة له بلغت مليار ونصف درهم، مضيفا: "على الأقل، داخل الأحياء الشعبية، يجب توفير هذه الخدمات. فلا ينبغي على المواطن أن يضطر إلى الذهاب إلى وسط مدينة الدار البيضاء لقضاء وقت مع أبنائه".

وتابع المتحدث نفسه: "يجب أن تتوفر المنتزهات التي تشمل أماكن لألعاب الأطفال، فضلا عن مساحات مخصصة للشباب وملاعب قريبة. وقد ركزنا، بشكل خاص، على الجانب البيئي، لاسيما المساحات الخضراء والمنتزهات. أما فيما يتعلق بالري، فإننا نأخذ بعين الاعتبار أزمة المياه الحالية".

وأوضح أفيلال أن "تدخل الوالي أسهم، بشكل كبير، في تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المتعثرة"، مشيرا إلى أنه "عقد اجتماعات مع الشركات المعنية، بحضور رئيسة المجلس ونوابها؛ حيث اتسمت هذه الاجتماعات بالحزم والوضوح بشأن الجداول الزمنية المحددة لإنجاز المشاريع. كما حرص الوالي على متابعة التزام الشركات بتخصيص فرق العمل اللازمة للعمل على مدار الساعة، لضمان إتمام المشاريع في الآجال المحددة".

أفضل وال عربي

وعين الملك محمد السادس محمد امهيدية واليا على جهة الدار البيضاء-سطات وعاملا على عمالة الدار البيضاء، في 19 أكتوبر 2023. وشغل امهيدية، سابقا، منصب والي جهة الرباط-سلا-القنيطرة، وعامل عمالة الرباط، عام 2017، ووالي الجهة الشرقية، وعامل عمالة وجدة-أنجاد، عام 2012.

كما تولى منصب والي جهة مراكش-تانسيفت-الحوز، وعامل عمالة مراكش، عام 2010، ووالي جهة تازة-الحسيمة-تاونات، وعامل إقليم الحسيمة، عام 2007.

وتم تكريم محمد امهيدية بجائزة "أفضل وال عربي" في النسخة الثالثة من جوائز التميز الحكومي العربي، وذلك خلال حفل توزيع الجوائز الذي أقيم في العاصمة المصرية القاهرة، عام 2024.

تسريع تنفيذ المشاريع

ووسط التحديات التي تواجه مدينة الدار البيضاء في تحقيق نقلة نوعية بمشاريعها التنموية، يبرز دور التنسيق والتكامل بين مختلف الأطراف كركيزة أساسية للدفع بعجلة الإنجاز. فالمدينة، بحجمها وأهميتها الاقتصادية، تتطلب مقاربة شمولية تضمن انسجاما في الرؤى وتناغما في التنفيذ، وهو ما بدأ يتجلى، بشكل ملحوظ، مع تعزيز العمل المشترك بين الجهات المعنية.

بدوره، أكد عبد الرحيم الوطاس، النائب السابق لرئيسة مجلس الدارالبيضاء، والبرلماني بمنطقة سيدي البرنوصي، ورئيس جماعة سيدي بليوط، أن "الميزة البارزة التي قدمها الوالي تكمن في تبني فكرة الانسجام والاستماع المستمر والتتبع مع جميع الشركاء، وهو نهج كان من المفترض أن يتبع في كافة المدن".

 كما أشار إلى أن "طريقة العمل التشاركية لامهيدية واستشاراته تمتد لتشمل حتى رؤساء المقاطعات؛ مما يشكل إضافة إيجابية وكبيرة، ويعكس التزامه بالعمل المشترك مع جميع الأطراف المعنية".

وأضاف الوطاس أن "تسريع تنفيذ المشاريع يعود إلى التفاهم بين الأطراف المعنية بتنفيذ الأعمال. وبالطبع، عندما انخرط الوالي في العمل، كان من الطبيعي أن يتحقق التنسيق مع رئيس الجهة، ورئيس الجماعة، ورئيس العمالة. والسبب الرئيسي في ذلك هو الانسجام التام بين جميع المكونات المعنية".

ملامح جديدة للسياحة والثقافة

وخلال الدورة الاستثنائية لمجلس جماعة الدار البيضاء، صادق المجلس، برئاسة نبيلة الرميلي، على سلسلة من اتفاقيات الشراكة لتعزيز القطاع السياحي والثقافي بالمدينة.

وشملت هذه الاتفاقيات دعم سياحة المدن وتطوير السياحة الثقافية بالمواقع الأثرية بالجهة، إلى جانب شراكة مع وزارتي الداخلية والسياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وولاية الجهة، والمجلس الجهوي، ومؤسسة التعاون بين الجماعات "البيضاء"، لتوفير حافلات سياحية لفائدة المؤسسة.

كما أقر المجلس تعديل اتفاقية شراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بهدف تنسيق وتنظيم التظاهرات الثقافية وتعزيز الاهتمام بالثقافة والتراث المعماري التاريخي للجماعة.

وتأتي هذه الخطوات ضمن مساعي جماعة الدار البيضاء لتطوير السياحة الثقافية وتعزيز مكانة المدينة كوجهة سياحية مميزة.

تناغم بين الحاضر والمستقبل

يبرز القطاع السياحي كإحدى الركائز التي يمكنها الدفع بعجلة التحول، إذا ما حظي بالدعم والتنسيق اللازمين لتعزيز مكانة المدينة وجعلها رمزا للإبداع والتجديد.

وفي هذا السياق، أفاد الزوبير بوحوت، الخبير السياحي، بأن "مدينة الدار البيضاء تحتل مكانة متميزة على الصعيد العالمي؛ مما يستدعي أن تتميز ببصمة خاصة في المجال السياحي. كما أن جهة الدار البيضاء تسهم بأكثر من 32 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين يمثل القطاع السياحي ما بين 8 في المائة و9 في المائة فقط من النشاط السياحي على المستوى الوطني".

وأضاف بوحوت: "تتمتع الدار البيضاء بثلاثة أنشطة رئيسية في المجال السياحي؛ وهي سياحة المدن، وسياحة المؤتمرات، والسياحة الثقافية. ويعتبر أي مشروع يعزز هذه الأنشطة المتوافقة مع التطور الذي تشهده المدينة فرصة لإضافة قيمة مميزة تسهم في تعزيز النشاط السياحي، بشكل عام".

وتابع الخبير  السياحي أن "انخراط مجلس المدينة بهذه الطريقة يعد خطوة مهمة، خاصة في ظل التحديات التي تواجه المدن الكبرى. ومع ذلك، فإن مدينة بحجم وأهمية الدار البيضاء تحتاج إلى تكامل جهود مجلس المدينة مع مجلس العمالة ومجلس الجهة. ويتطلب الأمر تنسيقا مشتركا لدراسة البرامج التي أعدها مجلس الجهة لصالح الدار البيضاء، لما لها من إمكانات لتحقيق نهضة كبيرة وتعزيز مكانتها".

كما لفت إلى أن "الدار البيضاء تستعد لاستضافة تظاهرات كبرى؛ مما يتطلب التركيز على تعزيز مكانتها السياحية وتحسين بنيتها التحتية، لاسيما على مستوى الفنادق المتوفرة، التي لا تزال نسبتها ضعيفة، مقارنة بمدن أخرى"، مشددا على "ضرورة تطوير هذا القطاع، بشكل أكبر، إلى جانب تعزيز حجم الاستثمارات لدعم القطاع السياحي وتحقيق نمو مستدام".

وأوضح بوحوت أن "ما يميز السياحة في الدار البيضاء هو طابعها المرتبط بسياحة الأعمال؛ حيث تكون نسبة إشغال الغرف مرتفعة، خلال أيام الأسبوع، لكنها تشهد انخفاضا ملحوظا، في نهايات الأسبوع. لذلك، من الضروري التركيز على تنظيم المهرجانات والأنشطة الترفيهية لجذب الزوار وتعزيز الحركة السياحية على مدار الأسبوع".

وقال الخبير السياحي إن "إدارة القطاع السياحي لا تقتصر على وزارة السياحة والمهنيين فقط، بل تتطلب تكامل الجهود بين مجلس المدينة، ومجلس العمالة، والمجلس الجهوي، ووزارة السياحة، ووزارات أخرى"، مشيرا إلى "الإضافة المهمة التي تمثلت في توقيع اتفاقية، لأول مرة، من طرف وزارة الداخلية؛ مما يمنح الولاة دورا بارزا في تطوير القطاع وتعزيز التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية".