في هذا الحوار مع سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، مع "تيل كيل عربي"، كان لابد من مناقشة القضايا التي يطرحها "أساتذة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين"، والذين عرفوا بـ"الأساتذة المتعاقدين"، قبل القرار الحكومي الأخير بإنهاء التعاقد والتشبث من طرف الحكومة بخيار التوظيف الجهوي.
ويتوقف سعيد أمزازي، في هذا الحوار، عند "الخلط بين المفاهيم"، و"الأخبار الكاذبة" و"التضليل"، الذي يعتبر أنها شابت الظرفية الحالية المطبوعة بالتوتر بين الحكومة والأساتذة المضربين، ليقدم التوضيحات الضرورية، والحلول الممكنة، في حال استمرار انقطاع الدراسة، سواء في حق المضربين أو بالنسبة إلى فتح أقسامهم.
مازال بعض الغموض يلف قرار إنهاء "التعاقد".. فهل القرار نهائي، بعد أن كانت الحكومة تعتبر أنه لارجعة فيه وأنه قرار استراتيجي ينهي التوظيف بالطريقة التقليدية؟
فعلا، للأسف هناك جهات تتعمد الخلط بين المفاهيم، ولإزالة هذا اللبس نؤكد على أن التوظيف الجهوي تعتبره الحكومة خيارا استراتيجيا يندرج في إطار تنزيل مشروع الجهوية الموسعة، طبقا لمقتضيات الدستور، الذي صوت عليه المغاربة سنة2011 وميثاق اللامركزية واللاتمركز. وبذلك فالوزارة تحرص على تقوية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين باعتبارها مؤسسات عمومية تتمتع باستقلالها الإداري والمالي وتتحكم في مواردها البشرية، وتمكينها من تلبية حاجياتها من الكفاءات اللازمة للنهوض بالشأن التربوي وتحسين أداء المدرسة المغربية. وهذا التوجه من شأنه أن يمكن من تجاوز الإكراهات المرتبطة بعدم كفاية المناصب المالية المحدثة لفائدة الوزارة بموجب قوانين المالية، كما سيساهم في التقليص من الاكتظاظ وفي تجاوز مشكل الخصاص في الأطر التربوية بمختلف الأسلاك التعليمية والذي يعد مشكلا حقيقيا يؤثر بشكل جد سلبي على جودة التعليم ببلادنا.
أما في ما يخص مفهوم التعاقد، فقد التزمت الحكومة بالتخلي عن هذا الآلية بشكل نهائي والحفاظ على التوظيف الجهوي. وبالفعل تم يوم الأربعاء 13 مارس 2019، انعقاد المجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بجميع جهات المملكة في دورة استثنائية للمصادقة على التعديلات المقترح إدخالها على النظام الأساسي لأطر هذه الأكاديميات وتم حذف جميع المقتضيات التي تشير إلى التعاقد. وبالتالي لم يعد هناك مجال للحديث عنه، اللهم بهدف التضليل.
لم يعد هناك مجال للحديث عن التعاقد، اللهم بهدف التضليل
بماذا تجيبون الرافضين من أساتذة الأكاديميات، رغم التنازلات التي قدمتها الحكومة، وعلى رأسها إنهاء التعاقد، حينما يطرحون مشاكل أخرى، من قبيل عدم الاستقرار الوظيفي (عدم الانتماء إلى الوظيفة العمومية)، والتمويل في ارتباطه باستقرار الأجور، وغير ذلك؟
أولا، يجب التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بـ"تنازلات"، فمنذ البداية عبرت الحكومة عن عزمها تجويد النظام الأساسي الخاص بهؤلاء الأطر، وذلك من أجل ضمان استقرارهم النفسي والمهني والاجتماعي. الآن على هؤلاء الأساتذة أن يتحملوا مسؤوليتهم ويبرهنوا على حرصهم على مصلحة التلاميذ وعدم الانسياق وراء المغالطات والأخبار الزائفة.
إن الوزارة تؤكد مرة أخرى وعيها وحرصها على ضمان حقوق جميع الأساتذة وخاصة أطر الأكاديميات وأولها الاستقرار المهني والنفسي وحمايتهم من أي تعسف محتمل. ولهذا تمت مراجعة الأنظمة الأساسية لأطر الأكاديميات وتم التنصيص على جميع الضمانات خاصة تلك المتعلقة بالترسيم مع الاحتفاظ بالأقدمية المكتسبة بالأكاديمية، وتمتيع أطر الأكاديميات بالحق في الترقية في الرتبة والدرجة على مدى حياتهم المهنية والتقاعد بعد الإصابة بمرض خطير، وذلك بتمتيع أطر الأكاديميات بنفس الحقوق المكفولة لباقي الموظفين وحالة العجز الصحي من خلال تطبيق نفس المقتضيات القانونية التي تسري على جميع موظفي الإدارات العمومية على أطر الأكاديميات إضافة إلى ضمان الحركة الانتقالية.
هذه الأنظمة الأساسية تخول أيضا لأطر الأكاديميات الحق في اجتياز مختلف المباريات المتعلقة بالقطاع كمباراة المفتشين وأطر التوجيه والتخطيط والتبريز والإدارة التربوية، وكذا تقلد مناصب المسؤولية.
ثم إن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين هي مؤسسات عمومية تقدم خدمات عمومية حيوية من أبرزها ضمان التربية والتعليم باعتباره حقا دستوريا وأولوية وطنية لا يمكن للدولة أن تتخلى عنها.
الأكاديميات مؤسسات عمومية تقدم خدمات عمومية حيوية ولا يمكن للدولة أن تتخلى عنها
وعليه، فإن الحكومة تضمن توفير الموارد المالية اللازمة لضمان الحق في التعليم واستمرار هذا المرفق العام الحيوي من خلال الاعتمادات السنوية التي تخصص لهذه المؤسسات العمومية. وفي هذا الإطار، نذكر أن ميزانية قطاع التربية الوطنية برسم 2019 بلغت ما يفوق خمسين مليار درهم، تم تحويلها تقريبا بالكامل إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
نذكر أيضا بأنه يوجد بالمغرب حوالي 210 مؤسسة عمومية تعمل بفضل أطرها ومواردها البشرية الخاضعة لأنظمتها الأساسية والتي تتمتع بجميع الضمانات والحقوق. وبالتالي، لن تكون الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين استثناء كما يروج البعض، بل إن التوظيف الجهوي يأتي انسجاما مع وضعية الأكاديميات كمؤسسات عمومية.
دخلت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في المسطرة التأديبية بالنسبة للأساتذة المضربين، ألا تخشون التصعيد في ظل الحديث عن سنة بيضاء؟
إن الوزارة حريصة كل الحرص على تحمل مسؤوليتها في ضمان حق ملايين التلاميذ المغاربة في التمدرس وضمان استمرارية المرفق العام. وهذه المبادئ لا يمكن إطلاقا التنازل عنها تحت أي مبرر. وهذا ما ندعو الأساتذة إلى استحضاره وإدراك أبعاده.
من هذا المنطلق، فإنه تم تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بالغياب الجماعي وترك الوظيفة. كما أن مسألة السنة البيضاء غير واردة بتاتا. بل إن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تقوم بكل ما في وسعها لتفادي الإضرار بحقوق التلاميذ، وذلك من خلال تعويض الحصص الدراسية الضائعة وضمان الزمن المدرسي المقرر.
تم تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بالغياب الجماعي وترك الوظيفة
ماهي الإجراءات الاحترازية التي اتخذتموها للحؤول دون استمرار توقف الدراسة؟ وما هي البدائل التي وضعتموها لسد الخصاص في حال طرد المضربين غير الملتحقين؟
أولا، لا يمكن الحديث عن الطرد. حيث إن النظام الأساسي لأطر الاكاديميات يوفر نفس الضمانات والمقتضيات المنصوص عليها في إطار القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية. وبالتالي، فالأمر يتعلق بتفعيل مسطرة الغياب الجماعي وترك الوظيفة، حيث إنه باستثناء حالات التغيب المبررة قانونا، فإن الموظف الذي يتعمد الانقطاع عن عمله، يعتبر في حالة ترك الوظيفة، ويوجه رئيس الإدارة إلى الموظف المؤاخذ بترك الوظيفة، إنذارا لمطالبته باستئناف عمله، يحيطه فيه علما بالإجراءات التي يتعرض لها في حالة رفضه استئناف عمله وذلك بواسطة رسالة مضمونة الوصول بإشعار بالتسلم.
وإذا انصرم أجل سبعة أيام عن تاريخ تسلم الإنذار ولم يستأنف المعني بالأمر عمله فلرئيس الإدارة صلاحية إصدار عقوبة العزل من غير توقيف الحق في المعاش أو العزل المصحوب بتوقيف حق المعاش، وذلك مباشرة وبدون سابق استشارة المجلس التأديبي.
هذه المسطرة القانونية حرصت الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على تفعيلها واحترام مقتضياتها بالنسبة لأي أستاذ أصر على عدم الالتحاق بمقر عمله.
بالموازاة مع ذلك تعمل الأكاديميات الجهوية على سد الخصاص من خلال عدة تدابير كالاستعانة بالأساتذة المتقاعدين والعرضيين وكذا تعبئة الأساتذة المرسمين، وهذه فرصة للإشادة بروح المسؤولية التي أبان عنها الأساتذة الذين وضعوا مصلحة التلاميذ فوق أي اعتبار وواصلوا تأدية واجبهم المهني.
تعمل الأكاديميات على سد الخصاص بالاستعانة بالأساتذة المتقاعدين والعرضيين وتعبئة الأساتذة المرسمين
بعد كل ما وقع أخيرا، ما هي آفاق التوظيف في إطار أساتذة الأكاديميات بالنسبة للسنوات المقبلة؟
كما سبق وأكدنا فالحكومة متشبثة بضمان استقلالية الأكاديميات الجهوية وتحكمها في مواردها البشرية. لهذا فالتوظيف الجهوي خيار لا رجعة فيه والتزام حكومي سنحرص على تنزيله.
التوظيف الجهوي خيار لا رجعة فيه والتزام حكومي سنحرص على تنزيله