أعلنت جمعية "فيستفيال تيفاوين" لفنون القرية بتافراوت، اليوم (الخميس)، وفاة رجل الأعمال حسن أمزيل، مالك مجموعة "أطلس" للصباغة، ومحتضن "مبادرة الزواج الجماعي"، التي تنظمها الجمعية. الراحل هو مؤسس العلامة الشهيرة، وكان مع والده، الذي كان مجرد حداد ومعالج للكسور (جبار) بالشام والحجاز، من عصاميي سوس، الذين بدؤوا بدكان، وأسسوا معامل، ارتقت بهم إلى قائمة "مليارديرات" المغرب.
الحسين الإحسايني، رئيس جمعية "فستفيال تيفاوين"، وصف الراحل بـ"مبدع ومدعم العديد من المبادرات التضامنية والاجتماعية والثقافية والرياضية والاقتصادية والتربوية بمنطقة تافراوت وإقليم تزنيت عامة"، كاشفا أن صلاة الجنازة عليه، ستتم بمسجد الحمد بحي كاليفورنيا بمدينة الدار البيضاء، عصر اليوم (الخميس)، قبل دفنه في مقبرة الغفران.
الراحل، رفقة والده علي أمزيل، وابنه عبد الرحيم أمزيل، الرئيس المدير العام الحالي لـ"أطلس" صباغة، كانوا ضمن مجموعة من أثرياء سوس الذين بنوا ثرواتهم في الدار البيضاء انطلاقا من لا شيء، والتي خصص عمر أمارير، الأستاذ الجامعي الباحث في الثقافة الأمازيغية، ومعد ومقدم برنامج "كنوز" الشهير في القناة الأولى، كتابا عن قصص نجاحهم، والظروف الصعبة التي مروا منها، قبل الوصول إلى عرش عالم المال والأعمال بالمغرب، فعنونه بـ"العصاميون السوسيون بالدار البيضاء". فماذا جاء فيه عن آل أمزيل؟
تسلم المشعل من والده
يشير عمر أمرير، أن تجربة أسرة أمزيل، التي تنتج مجموعتها "بن حادج إخوان"، 5000 طن من الصباغة سنويا عبر فرع "أطلس للصباغة"، تأسست على يد علي أمزيل، المعروف بـ"أطلس"، الذي ولد في حوالي 1880 وتوفي في 1928، وعلى غرار جيله الأول من أبناء مداشر سوس، غادر مسيد قرية "أداي" بتافراوت، بعدما تعلم فيه القراءة والكتابة، مقررا صقل موهبته في الحرف اليدوية، بامتهان الحدادة، التي كانت تمنح لممارسيها في ذلك الزمن الغابر، سطوة ومكانة في المجتمع، الذي شرع في التخلي عن الآلات الخشبية لتعويضها بالمعاول والمطارق الحديدية.
علي أمزيل وضع اللبنة الأولى لثراء ابنه، بأن افتتح دكانا في الدار البيضاء لبيع الصباغة، وبعد وفاته في 1928، ورثه حسن أمزيل، الذي رأى النور في 30 يونيو 1919، فلم يغير كثيرا من مجال اشتغال والده، بل عصرنه ووسعه أكثر، بأن أسس شركة "بن الحادج إخوان" في 1947، لتكون سنة 1969، تاريخ أكبر نقلة نوعية في تجربة الأسرة، بإطلاق وحدتهم العصرية لإنتاج الصباغات.
واصل الراحل حسن أمزيل، على مر السنوات، تطوير مصانعه وتزويدها بآخر التكنولوجيات الحديثة، حتى صارت تنتج 5000 طن من الصباغة سنويا، فحدث أن وشحه الملك الراحل الحسن الثاني، بوسام ملكي باعتباره "من أعمدة الصناعة الوطنية"، ثم توجت أعماله بشهادات الجودة "إزو"، والميدالية الذهبية لأحسن رقم معاملات في التصدير، تلقتها الشركة من المجلس الوطني للتجارة الخارجية، في وقت يبلغ الرأسمال الاجتماعي للشركة حاليا، حسب نسخة من سجلها التجاري، 80 مليونا و900 ألف درهم.
الراحل حسن أمزيل، يعد من أولئك الأثرياء السوسيين، وأغلبهم من تافراوت، المعروفين بانخراطهم في العمل الإحساني بمنطقتهم، غير أن اللافت للانتباه، هو تحديث صيغ القيام بذلك، حتى تكون الفائدة مستدامة ممثلة في مشاريع يشرف عليها المجتمع المدني بالمنطقة، وهو ما تؤشر عليه، حسب مراقبين، تجربة المهرجان السنوي لفنون القرية "تيفاوين"، الذي أسسه شباب تافراوت قبل حوالي 10 سنوات، ويعد بعد مهرجان "تيميتار" بأكادير، ثاني أهم موعد فني وثقافي صيفي بجهة سوس ماسة.
ومن بين ما تقوم عليه فكرة المهرجان، اعتماد صيغة الاحتضان أو "السبونسورينغ"، بدل "العمل الإحساني"، في التعامل مع أثرياء المنطقة، فاختاروا مثلا، شركة "أطلس" صباغات، محتضنا اجتماعيا لفقرة الزواج الجماعي، من المهرجان، فيقام سنويا حفل لتزويج الشباب المعوزين، والاحتفال بهم، بتمويل من الراحل حسن أمزيل.
والده تعلم الحرفة في الشام
وسبق للراحل حسن أمزيل، أن حكى لمؤلف كتاب "العصاميون السوسيون بالدار البيضاء"، قصة مثيرة عن كيف تحول والده من حداد ومعالج للكسور، إلى بائع للصباغة، فقال إن البدايات تعود إلى 1901، إذ بمجرد مرور فترة قصيرة على عقد والده علي أمزيل، قرانه على شابة من الدوار، غادر منطقته، فجرا، دون أن يخبر أحدا بوجهته، تاركا الناس في حيرة التفسيرات، قبل أن تأتيهم أخبار على لسان بعض المسافرين، تشير إلى أن "النعمة" ظهرت عليه، وتجاوزت شهرة مهارته في صنع الآلات الحديدية، حدود منطقة سوس، لتصل إلى الحوز ومراكش، زيادة على "بركته" في معالجة الكسور، قبل أن تنقطع أخباره من جديد.
ويحكي الكتاب ذاته، نقلا عن الراحل حسن أمزيل، أن أخبار والده علي أمزيل، ستأتي من جديد في 1912، حينما التقاه مسافرون من سوس لأداء مناسك الحج، بالحجاز، حيث استضافهم، وأخبروه بوفاة زوجته، وألحوا عليه ليعود معهم إلى المغرب، وفي طريق العودة، حكى لهم عن تجربته لدى أهل الشام والحجاز وفلسطين ولبنان، في الحدادة ومعالجة الكسور وتعليم سكانها أساليب السوسيين في فلاحة وغرس الواحات، بينما تعلم منهم صنع الصباغات وتلوين الصوف.
وبعودته في 1913 إلى بلدته، سيتزوج من جديد، وبفضل مهاراته المتنوعة، كان له زبناء من النجارين والفلاحين والفقهاء ونساخي الكتب والمصابين بكسور، تمكن بالتعامل معهم من جمع رأس مال، سافر به إلى البيضاء، واقتنى فيها دكانا، بدأ فيه تجارته، التي أقبل عليها الناس، تزامنا مع طفرة عمرانية كانت تشهدها المدينة.
عبد الرحيم أمزيل، حفيد الحداد ومعالج الكسور الذي يتولى اليوم مهام المدير العام للمجموعة، حكى بعض الشيء عن تجربة مقاولة الأسرة،في الموقع الالكتروني للمجموعة، فقال إن مكانتها ضمن رواد قطاع إنتاج الصباغات، "ليست نتاج صدفة، بقدر ماهي نتيجة نصف قرن من العمل والتنمية المرتكزة على العنصر البشري"، مضيفا، في أن ذلك العنصر البشري، يتمثل في 300 إطار من الرجال والنساء.