وقف دورات مجالس الجماعات.. هل خرقت وزارة الداخلية القانون؟

الشرقي الحرش

أصدرت وزارة الداخلية، في 22 أبريل 2020، دورية تدعو فيها ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات إلى إحاطة رؤساء المجالس الجماعية وأعضائها علما بتعذر انعقاد دورة شهر ماي في ظل التدابير المتخذة من لدن السلطات العمومية لمواجهة انتشار فيروس "كورونا" المستجد. فهل من حقها ذلك؟

دعت دورية وزارة الداخلية المجالس الجماعية إلى إرجاء دراسة القضايا المستعجلة إلى دورات استثنائية يمكن عقدها عند الاقتضاء بعد الإعلان عن رفع حالة الطوارئ الصحية.

وقد استندت وزارة الداخلية في دوريتها، على المادة 3 من المرسوم بقانون، المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.

وتنص المادة 3 من المرسوم بقانون المذكور على أنه "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم"، لكن هذه التدابير المتخذة، بحسب نفس المادة ،لا تحول دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين.

كما أصدرت وزارة الداخلية دورية أخرى في 26 من ماي تؤكد فيها تعذر انعقاد الدورة العادية لشهر يونيو لمجالس العمالات والأقاليم ومجالس المقاطعات للسبب نفسه.

وإذا كانت وزارة الداخلية قد استندت على المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، فإن عددا من رؤساء الجماعات والسياسيين رأوا في دوريتها تجاوزا للدستور وللقانون التنظيمي 113.14، المتعلق بالجماعات الذي نص في المادة 33 منه على أن "المجلس الجماعي يعقد دوراته العادية وجوبا في الأسبوع الأول من أشهر فبراير وماي وأكتوبر".

تعطيل للديمقراطية المحلية أم حماية للأمن العام؟

محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، اعتبر،  في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن قرار وزارة الداخلية ليس في محله، فهو يزيد من تبخيس العمل السياسي، ويعطل الديمقراطية المحلية.

وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية "كان يمكن أن تعقد دوراتها، سواء عن بعد، أو عبر الاقتصار على حضور عدد قليل من المستشارين، مشيرا في هذا الصدد إلى أن باقي المؤسسات الدستورية كالبرلمان لم توقف عملها.

ويرى بنعبد الله أن قرار وزارة الداخلية يأتي في سياق عدم الإشراك الرسمي للمجالس الجماعية وإبراز عملها في عملية مواجهة جائحة "كورونا"، وهذا الأمر يعطي، حسبه، صورة مغلوطة مفادها أنه ليس هناك عمل للسياسيين وللمنتخبات والمنتخبين، رغم   أن عددا منهم يقومون بعمل هائل لدعم المواطنات والمواطنين خلال هذه الجائحة، ويخصصون جزءا كبيرا من ميزانيات الجماعات لتقديم الدعم للأسر في مختلف أنحاء المغرب".

مقابل ذلك، يرى عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن وزارة الداخلية فعلت صلاحياتها باعتبارها "القطاع الوصي" على الجماعات الترابية، معتبرا أن من مسؤوليتها حفظ الأمن والنظام العام.

ويرى وهبي أن القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات لا يمنحها إمكانية عقد دوراتها عن بعد، مما يستدعي تعديل القانون ليتلاءم مع حالة الطوارئ الصحية.

هل تم خرق الدستور؟

 من جهته، يرى عبد الله بوانو، عمدة مدينة مكناس، والنائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، أن "دورية وزارة الداخلية تخرق القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، استنادا إلى قانون عادي. الشيء لا يستقيم، إذ أن القانون التنظيمي هو مكمل للدستور، ولا يمكن لقانون عادي أن يوقفه، كما أن الدستور في الفصل 136 نص على مبدأ التدبير الحر".

ويرى بوانو أن هناك صيغا أخرى يمكن اللجوء إليها، من قبيل إيقاف انعقاد مجالس الجماعات بدورية لوزارة الداخلية، إذ يمكن أن تنعقد عن بعد، أو يتم تأجيلها من طرف أعضاء المجلس.

 واستغرب بوانو الاقتصار على إيقاف دورات الجماعات الترابية، فيما تواصل جميع المؤسسات الأخرى عملها.

وأشار بوانو إلى أن تعامل المغرب لأول مرة مع حالة الطوارئ الصحية غير المنصوص عليها في الدستور، كما هو الشأن بالنسبة لحالة الحصار وحالة الاستثناء، تسبب في بعض الارتباك في البداية، إلا أن هذا الارتباك يجب أن يعالج من خلال تعديل عدد من القوانين كي تتلاءم مع الظروف والأوضاع الاستثنائية، بما في ذلك القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات والنظام الداخلي لمجلس النواب.

من جهته، يرى محمد حجيرة، نائب برلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس جماعة قروية بإقليم تاونات، أن "وزارة الداخلية اتخذت قرارها بناء على المعطيات المتوفرة لديها حول الحالة الوبائية ووضعية الجماعات الترابية، معتبرا أنه من غير الممكن عقد الدورات عن بعد بالنسبة للجماعات القروية، كما أن تنقل عدد من المستشارين من منطقة إلى أخرى من أجل حضور دورات مجالس الجماعات كان سيطرح مشكلا".

 ولا يخفي حجيرة وجود إشكال قانوني بخصوص دورية وزارة الداخلية، لكنه يعتبر أن هذا الأمر متروك لفقهاء القانون وأساتذة القانون الدستوري.

وأضاف "كنا سنشهد تمرينا ديمقراطيا وقانونيا، لو أن بعض رؤساء الجماعات طعنوا في قرار وزارة الداخلية، لكن هذا لم يتم".

ويربط حجيرة اكتفاء بعض رؤساء الجماعات بانتقاد قرار وزارة الداخلية دون التوجه للقضاء بالثقافة السائدة في صفوفهم، إذ أنهم  يعتبرون أن وزارة الداخلية لا تزال وصية عليهم، ولم ننتقل لمبدأ التدبير الحر بعد.

من جانبه، أشار عزيز إيدامين، الباحث في العلوم السياسية، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن النظام القانوني المغرب يرتكز على نظرية هانس كلسن المتعارف عليها عالميا، والتي مفادها أن الدساتير تسمو على جميع القوانين، وأن القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية، ثم القوانين العادية والمراسيم التطبيقية.

ويؤكد إيدامين أن القوانين التنظيمية جزء من الكتلة الدستورية التي لا يمكن سن أي قانون يتعارض معها، معتبرا أن مذكرة وزارة الداخلية  تخالف  الدستور، لأن هذا الأخير هو الذي أحال على تنظيم عمل الجماعات من خلال قانون تنظيمي.

ويشدد ايدامين على أن القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات نص على وجوب عقد المجالس الجماعية لدوراتها العادية ثلاث مرات في السنة، وحدد توقيتها وجوبا.

وأكد المتحدث أن المرسوم بقانون لا يصل إطلاقا إلى درجة القانون التنظيمي الذي يسمو على القوانين العادية، مما يجعل مذكرة وزير الداخلية مخالفة للدستور والقانون التنظيمي.

واعتبر إيدامين أن "وزارة الداخلية كان بإمكانها إعداد مشروع قانون تنظيمي جديد للجماعات من أجل ملاءمة القانون التنظيمي الحالي مع وضعية حالة الطوارئ الصحية، لكن يبدو أن مسطرته المعقدة، سواء من حيث المصادقة عليه داخل المجلس الوزاري، أو عرضه وجوبا على المحكمة الدستورية، دفع وزارة الداخلية إلى عدم سلك هذا الطريق، إلا أن ذلك لا يبرر، بأي حال من الأحوال، تعطيل قانون تنظيمي استنادا إلى قانون عادي".

منطق "الوصاية"

 في هذا الصدد، يؤكد حفيظ اليونسي، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، أن طبيعة التنظيم الإداري في المغرب هي لامركزية إدارية وليست سياسية وهو ما يعني بالضرورة حضور سلطة رقابة الدولة من خلال السلطة الحكومية وهي رقابة متعددة موضوعاتيا وزمنيا.

لكن السؤال المطروح، بحسبه، ينصب على مستوى كيفية ممارسة هذه الرقابة. ويرى المتحدث أنه "منذ 2016 إلى اليوم، تعاملت مصالح وزارة الداخلية بمنطق الوصاية وليس الرقابة"، مضيفا أن "هذه الدورية هي فقط ما طفا على السطح وإلا فإن المتتبع للجماعات الترابية يدرك أن منطق الوصاية هو الأساس".

ويعتبر اليونسي أنه، من الناحية القانونية، هذه الدورية التي وقعها المدير العام للجماعات الترابية فيها عوار جوهري، لمسها بمبدأ دستوري هو مبدأ التراتبية. وأضاف "صحيح أن الدورية استندت على منطوق المادة الثالثة من مرسوم بقانون المتعلق بالطوارئ الصحية التي يفهم من صيغتها 'على الرغم من كل التشريعات والنصوص الجاري بها العمل...'، لكن عبارة 'بالرغم' وجب أن تحترم منطق القانون القائم على التراتبية أو الهرمية مادام أن القوانين التنظيمية المنظمة للجماعات الترابية جزء لا يتجزأ من الكتلة الدستورية فلا يمكن للقانون الأدنى أن يحد من نفاذ القانون الأعلى ولا يقيد متاحا. خصوصا وأن المادة 33 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات التراتبية تتحدث عن وجوب الانعقاد.

وتابع "كما أنه، من الناحية القانونية، أساس شرعية هذه الجماعات الترابية هو الاختيار القائم على الانتخاب وأيضا مبدأ التداول الذي من خلاله تكتسب القرارات مشروعية وشرعية، خصوصا ما تعلق بمساهمة الجماعات في الحساب الخصوصي الخاص بصندوق تدبير آثار 'كورونا' وأيضا الصفقات التي هي كلها الآن صفقات تفاوضية دون إشهار ودون منافسة"، مضيفا أن مرسوم الصفقات يسمح بذلك لكن لا يمكن إعدام حق المنتخب في ممارسة حقه الرقابي والتداولي في ما يتعلق بصرف المال العام.

ويخلص اليونسي، على هذا المستوى، إلى أن "هذه الدورية بكل وضوح يشوبها عوار جوهري فيه مساس بقاعدة دستورية ويحد من مبدأ الاختيار الذي هو تعبير عن سيادة الأمة".

وبخصوص الإمكانيات المتاحة أمام رؤساء الجماعات الترابية، اعتبر اليونسي أن هناك مستوى تدبيري وهو المتعلق بعقد هذه الدورات عن بعد، كما هو حال المجلس الحكومي والاقتصار على الحضور الفعلي على ممثل أو ممثلين عن كل حزب من الأغلبية والمعارضة وضمان مشاركة المجلس عن بعد بالوسائل الرقمية لتحقيق مبدأ التداول مع بث الدورة في موقع الجماعة الترابية المعنية لتحقيق مبدأ العمومية. مع حضور ممثل السلطة المراقبة الإدارية فعليا في الدورة.

أما قانونيا، بحسب اليونسي، "فليس هناك مانع من أن يعد مكتب المجلس جدولا لأعمال الدورة يرسله إلى العامل قبل انعقاد الدورة بـ20 يوما وللعامل حق الاعتراض على الانعقاد. وفي حالة تشبث المكتب بالانعقاد، فالعامل يلجأ إلى القضاء الإداري الاستعجالي لاستصدار حكم بمنع البت في  نقاط جدول الأعمال وسنكون أمام تمرين ديمقراطي حقيقي وإدماج للقضاء الإداري في دينامية اجتهادية مؤسِّسة".

لكن أستاذ القانون العام يستبعد هذا السيناريو بالقول: "لا أعتقد أن المجالس ستلجأ إلى هذا الطريق لأن طبيعة العلاقة بينها وبين سلطة المراقبة الإدارية غير متكافئة من حيث الواقع".