قدم وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، يوم أمس الثلاثاء، "شاو سياسيا وقضائيا"، أكثر منه ترافعا، لأجل ملف يحمل بين تفاصيله، التي يختبئ فيها الشيطان، الخطأ والصواب معا.
لا يمكن أبدا تجاهل أن جزءا من كلام الوزير يحمل الصواب. وما جاء على لسانه تحت قبة مجلس النواب، يحمل الخطأ أيضا.
كيف؟
خلال مناقشة مشروع القانون 03.23 المتعلق بمشروع قانون المسطرة الجنائية، والمصادقة عليه بتصويت 130 نائبا لصالحه، مقابل 40 صوتا ضده..
وقف وهبي بحماس كبير لإقناع الرأي العام، وليس نواب الأمة، لأني أكاد أجزم أن سوادهم الأعظم يوافقه الرأي، سرا وعلانية، بأن جمعيات وهيئات حماية المال العام لا يحق لها الاستمرار في حيازة شبه سلطة تحريك المتابعات القضائية والتحقيقات ضد ناهبي المال العالم ومحترفي الفساد وأسياد استغلال السلطة والنفوذ ومدمني الريع بكل منابعه وتفرعاته.
يمكن الاتفاق مع وزير العدل في الشق الذي يفضح من يلبس غطاء فضح الفساد للاستفادة منه، خاصة من حولوا إحدى وسائل الرقابة المدنية والمجتمعية إلى سلاح سياسي ضد البعض ومع البعض الآخر.
اقتراف جريمة الانتقائية، بعدم وضع جميع من يمارسون مسؤوليات ومهام داخل الدولة وما يدور في فلكها من مؤسسات، أمام مرمى شكايات وتقارير مجتمع "حماة المال العام".
حين قال عبد اللطيف وهبي إن "البعض أصبح يرسم الخارطة السياسية بسبب شكايات جمعيات وهيئات حماية المال العام"، تظهر نبرته أنه ينطق بيقين لا يمكن مجادلته فيه. الرجل صرح بأنه متسلح بحقائق ووثائق، تفرض عليه بدوره فضحها إن كانت نيته صافية بشكل تام لأجل الوطن.
لكنه أخطأ أيضا، أين؟
أخطأ وهو يدفع بمنع تام لسلطة رقابة المجتمع على أموال الشعب. نعم هي كذلك.
لا يمكن للمواطن، أمام تسونامي أخبار الفساد، أن يصدق أنه لم يعد في حاجة إطلاقا لطرف مدني يملك على الأقل هامش الدفع بتحريك مساطر التحقيق والمتابعة القضائية ضد من ينهبون ثروات الوطن. أن يسلموا رقابهم لمن لا ترتجف أصابعهم وهم يمدون أياديهم داخل جيوب كل مغربي لسرقته بالملايير.
كم هي كلفة الفساد في المغرب؟
الرئيس السابق للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، محمد بشير الراشدي، قدرها، حسب تقرير المؤسسة الصادر شهر أكتوبر من العام 2024، بأكثر من 50 مليار درهم سنويا.
كم تقدمنا من نقطة في تقارير "مؤشر إدراك الفساد"؟
الجواب: نقطة واحدة يتيمة خلال عشرين سنة مضت!
ما الهدف الذي سطره المغرب بخصوص المؤشر؟
التقدم نحو 23 نقطة. لا شيء تحقق، بل إن المملكة تتجه نحو الأسفل عاما بعد آخر.
هناك رقم آخر مخيف، وهو أن 68 في المائة من المقاولات المغربية تعتبر أن الفساد شائع جدا وواسع الانتشار بالمغرب.
وحين يقتنع رأس المال بما سبق، فإنه يلجأ إليه ويجتهد مع الفاسدين في استقطاب فيالق جديدة تلتحق بهذا الركب. لأن المقاول يكره إضاعة الوقت من أجل الكسب، ولكي لا يضيعه يختصر الزمن والمسافات على حساب الشفافية والنزاهة.
أود هنا أن أسأل وزير العدل عبد اللطيف وهبي: أليست الغاية من كل تشريع تنظيم مختلف مناحي حياة مجتمع وحمايته؟
أكيد سوف يجيب الوزير بنعم.
وأضيف فوق السؤال: ألا ترى أنك عوض تعزيز قناعتك تقوضها في حضرة الواقع والرأي العام؟
عبد اللطيف وهبي... خطابك يوم أمس حمل الخطأ فوق الصواب، وليس العكس. ولأنك تربيت وسط ما كان يوصف بالحركة الاتحادية الأصيلة، أعتقد أنك حفظت جيدا، بل عن ظهر قلب، خلال مراحل التكوين ضمن حلقيات العاطفين، كلمة الشهيد عمر بن جلون وهي أن "التضليل أشد أنواع القمع".
وأعتقد أن سياقات معينة تفرض عليك هذا النوع منه اليوم، ضدا في "باكيدج" الجرأة الذي تتميز به. لأن المغرب في حاجة إلى ضميره المجتمعي الحي وفق قانون يؤطره وليس مواد تقطع رقبته.
لأجل كل ما سبق وما سوف يلحق، فإن مرافعاتك يوم أمس في حضرة الرأي العام وليس البرلمانيين، صواب يتلبسه الخطأ.