وهج "مؤمنون بلا حدود"

إدريس التزارني

الوهج دعامة مفهومية أقصد بها الإشعاع، ومؤمنون بلا حدود مؤسسة فكرية ملأت الدنيا وشغلت الناس مُذْ زمانٍ غير يسيرِ.

شكلت مؤسسة مؤمنون بلا حدود طيلة سنوات، مجالا للسجال الفكري والنقاش العلمي والفلسفي، ومحطة فارقة في الجدل وتمارين الخلاف والاختلاف.. لقد كانت حاضنة لشتات الجامعات والفكر والمفكرين وآل الفلسفة من الناس.

لست هنا لتقييم المؤسسة صوابا وخطأً ولا من أجل إصدار أحكام قيمة، وإنما الغاية دق زناد المعرفة والتوسيع من أفق النظر فيها، وإعادة سؤال الفراغ الثقافي وغياب صالونات الجدل والنقاش الفلسفي التي عمرت ردحًا من الزمان.

لقد أغلقت المؤسسة السالفة الذكر أبوابها، وظل الفراغ يملأ شوارع الرباط ثقافيا، من يختلف معها لم يستطع تقديم نموذج يحشد به وحوله الناس، ومن يتفق معها لم يجد بديلا يلائم مساحات -الحرية- والنقاش.

لم أعد أرى حمو النقاري يحدث الناس عن جهوده المنطقية في الفلسفة، ولا محمد الهاشمي يغرف من محبرة جون راولز وعدالته الاجتماعية، ولا محمد مزوز يخطب في الناس عن موت الرسول وانقطاع الوحي وصمت الإله، بل حتى الطيب بوعزة لم نعد نتابع قراءته المتأنية لمنجز طه عبد الرحمان..

لقد غاب وغيب حكي محمد أيت حمو عن المعتزلة، وإدريس بن سعيد عن الدين والتدين، وأحمد الشراك حول المثقف والدين والسلطة، وجمال فزة ونقاش المنهجية الأنثروبولوجية بين إدوارد فسترمارك وإفانس بريتشارد، وغيرهم كثير من أسهموا في رفع منسوب النقاش الثقافي والفكري.

حتى أن الرباط لم تعد تستقبل الفيلسوف التونسي محمد محجوب، ولا حمادي بن جاب الله، ولم تربط الوصل والوصال مع أم الزين بنشيخة وحديثها عن الدين والفن ومنجز كانط الكبير، ولا فتحي المسكيني المتفرد في قراءة المتن الفلسفي..

إن الغاية من استحضار تجربة مؤمنون بلا حدود، هي حالة الفراغ التي أضحت عنوانا بارزا لما يعتمل داخل الحقل الفكري والثقافي، وهو ما يدعونا إلى التأمل في الهوة بين المثقف والجمهور في ظل انسداد كامل يلوح في الأفق.

تأبطنا جميعا مجلات مؤمنون التي تصدر بعناوين: "يتفكرون" و"ذوات" و"ألباب" و"تأويليات"، دون أن نشغل أنفسنا بتأويل أي شيء، لأن الأمر في نهاية المطاف موجه لنخبة الناس ثقافيا، بل حتى إمكانية التأثير أو توجيه الناس سيكون في غاية الصعوبة..

لقد وجدت "الغوغاء" فضاء رحبا للتوسع والانتشار حين غاب المثقف أو بالأحرى غيب عن النقاش العمومي، وهو ما يدعو المثقف المغربي إلى استعادة المبادرة بدل مخاض مشاهدتها بألم، وفتح نقاش علمي أكاديمي حول أسباب غيابه عن الفضاء العمومي أولا، وكيف ستكون العودة في مرحلة ثانية..

أسيل مداد كثير حول "جماعة مؤمنون"، دون تقديم بدائل تذكر، لقد كانت الفلسفة والتفلسف على الدوام دون حدود، ولا تحكمها ضوابط وقيود، بل كانت جوهر التفاعل والسجال وكذلك بدأت تفاصيلها من ساحات اليونان..

مواضيع ذات صلة