حاوره: بشرى الردادي وأيمن جوهر
يوصف بأنه "رجل تواصل وانفتاح على تكنولوجيا العصر"، ويجمع في تكوينه بين العلوم البحتة والدراسات الإسلامية. هو الوجه الجديد والرقم "واحد" حاليا على رأس حركة "التوحيد والإصلاح"، "الجناح الدعوي" لحزب "العدالة والتنمية"، بعد أن تم انتخابه منذ أقل من شهر، لقيادتها في المرحلة 2022-2026.
وبهذه المناسبة، حاور موقع "تيلكيل عربي" أوس الرمال، رابع رئيس لـ"التوحيد والإصلاح"، منذ تأسيسها سنة 1996، حول عدة مواضيع مهمة، تنتظر أجوبة منذ فترة طويلة؛ كالمشاكل التي أرخت بظلالها على الحركة في السنوات الأخيرة، ومعاناتها من إشكالية "الانحسار الدعوي"، وتخليها عن حزب "العدالة والتنمية" في محطة 8 شتنبر، ونزاهة الانتخابات، وصحة الملك، وكواليس توقيع العثماني على قرار التطبيع مع إسرائيل، وحقيقة تراجع جماعة "العدل والإحسان" عن مشروع الخلافة الإسلامية، وعودة أحمد الريسوني إلى رئاسة الحركة، والفضيحة الجنسية لعمر بنحماد وفاطمة النجار، بالإضافة إلى رأيه في صدور فتوى دينية تخص اعتماد فحص الخبرة الدينية الجينية في إثبات النسب، وتبسيط مسطرة الإجهاض، وتقنين استعمال القنب الهندي في المجال الطبي، إلى غير ذلك من الأمور الساخنة.
في مؤتمر 2018، أعلنت الحركة أنها ستركز على الجانب الدعوي، فيما فُهم منه آنذاك أنه "طلاق مع السياسة".. هل الطلاق كان مع حزب العدالة والتنمية، بما أن ارتباطكم بالسياسة يكون من خلاله؟
سأوضح لكم المؤشر الذي جعل الأمر مفهوما بهذه الطريقة، وهو العضوية المشتركة لأشخاص بين الأمانة العامة للحزب والمكاتب التنفيذية السابقة للحركة، قبل عام 2018؛ أمثال المرحوم عبد الله باها، ومحمد يتيم، ومصطفى الخلفي، ومحمد الحمداوي. هذا كان يقع. فإذا سبقْنا الحزب بالانتخاب وعينّاهم، يتم تعيينهم حتى في أمانته العامة، وإذا سبقَنا الحزب بالانتخاب وعينهم، نعينهم نحن أيضا بدورنا، لأننا نرى أنهم أبناء الحركة ولا يمكن أن نُحرم منهم.
وفي عام 2018، كانت لدى عبد الرحيم شيخي رؤية لرفع اللبس الحاصل؛ إذ كان هناك من يخاطب أبناء الحركة على أنهم هم الذين يمثّلون العدالة والتنمية؛ ما يضطرهم، في كلّ مرّة، للتوضيح: لا، نحن في التوحيد والإصلاح، والعكس صحيح، أو يستعمل بعضهم عبارتي "الجناح الدعوي" و"الجناح السياسي"، أو يتم اتهام البعض منا بأنهم "أصحاب وجهين".
ولأن الأمر كان مشوشا، كان قرار رفع اللبس حاسما؛ وهو أن تخلوَ قيادة الحركة من أي عضو في الحزب، وانتهى الكلام. مشينا في هذا الاتجاه، وتبين لنا فيما بعد، أنه كان خيارا صائبا. لكن هذا لا يعني أنه بحضور أبناء العدالة والتنمية بيننا في المكتب التنفيذي للحركة، كانوا يمثلون الأمانة العامة أو اختياراتها، بل كنا نحتاجهم في تنويرينا لإنضاج مجموعة من القرارات، فيما لا نحتك فيه مباشرة، وهو المجال السياسي الحزبي، ليس أكثر؛ بمعنى أنهم لم يحضروا معنا في يوم من الأيّام بنية التأثير في خياراتنا أو قراراتنا.
أحيانا، يكون الأستاذ عبد الرحيم شيخي مُصِرّا على بعض الأمور؛ لأنه يرى أنها باتت ضرورة ملحة، لدرجة أنه لا يقبل أي نقاش حولها. فلما قام بإنهاء فكرة العضوية المشتركة بين الحركة والحزب، بشكل نهائي، وهو القرار الذي جاء استجابة، نوعا ما، لعديد من أعضاء الحركة عبر الوطن، اعتبرها الإعلام "طلاقا مع العدالة والتنمية"، وأن الملف السياسي لن يكون حاضرا في جدول أعمال قيادة حركة التوحيد والإصلاح.
لكن، سأقولها لكم، الحركة كانت ومازالت وستظل دائما تمارس نصيبها الطبيعي من السياسة. فممّن تتكوّن الحركة؟ وممن تتكون قيادتها؟ إنهم أيضا مغاربة، ومن حقهم التعبير عن مواقفهم. ثم ما هو الحد الفاصل بين ما هو سياسي وبين ما هو ليس بسياسي؟ مثلا، إذا أصدرنا تصريحا حول التطبيع مع الكيان الصهيوني، هل هذا أمر سياسي أم دعوي؟ بالنسبة لي هذا موقف حركة دعوية إسلامية، مرجعنا فيه حُرمة المسجد الأقصى كأولى القبلتين وثالث الحرمين، ومركزية القدس والقضية الفلسطينية.
أضيفوا إلى ذلك، أننا نمارس السياسة كلما احتجنا إلى ذلك، كأن نقدم مذكرات سياسية للبرلمان، ولا نتشاور فيها مع حزب العدالة والتنمية.
ألم تتخوفوا من سوء تأويل قراركم والاعتقاد بأن الحركة سحبت دعمها للحزب، في وقت حساس، ونقصد هنا ما سمي بـ"البلوكاج الحكومي"؟
أي قرار نتخذه، نأخذ في الحسبان، أنه ستكون هناك تأويلات له. نحن نؤمن بأن عملنا كله فيه تدبير إلاهي. لذلك، نقول إنّه لا أحد يستطيع أن يؤذينا، إلا إذا أراد الله ابتلاءنا بشيء. ما يهمنا دائما هو اتّخاذ قراراتنا بالشكل المطلوب. الشورى أمر فرضه الله عز وجل، حتى لو أفضت إلى قرار خاطئ أحيانا. لكن هناك إشكال واحد يقع، وهو حين يُنَصَّب على هيئة ما رئيس قوي ولديه وضع اعتباري خاص، فيبدأ بالاستفراد باتخاذ القرارات، ولا يستطيع من معه مواجهته.
هل سبق وتم تنصيب رئيس من هذا النوع على رأس الحركة؟
لا لم يحصل ذلك من قبل داخل الحركة، بل كم مرة، وقع العكس، خصوصا مع رئيس الحركة السابق، أحمد الريسوني؛ حيث يأتي غير ما مرة، بفكرة معينة، ولما يحين وقت التصويت، يصوت هو نفسه ضدها، مثلنا، بعد تبين أمور معينة، إثر المناقشة والتداول.
بمعنى أنه لا وجود لتيارات داخل الحركة؟
لا، اللهم لك الحمد. إذا كانت هناك تيارات لا علم لي بها في الحركة، ما نكذبش عليك.
يبدو أن حال الحركة عكس حال حزب العدالة والتنمية، الذي وصل لدرجة نبذ بعض أبنائه، كمصطفى الخلفي، ومصطفى الرميد، وعزيز الرباح الذي وصل به الأمر إلى تواريه عن العمل السياسي؟
بصدق، هذه التفاصيل لا ندخل فيها كحركة وكأشخاص.
سؤالنا ليس من باب تدخل الحركة أو عدمه في شؤون الحزب، بل طلب لرأيكم فيما يحصل داخله..
إلى حد انتخابي رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، وأنا عضو في المجلس الوطني للحزب، ولم أقدم استقالتي منه إلا لما انتخبت. وهنا ستعرفون لماذا لا نستطيع أن نكون جناحا للحزب، أو يكون هو جناحا لنا. حينما احتجنا إلى ذلك، أرسينا قاعدة أسميناها "التمايز بين ما هو سياسي حزبي وبين ما هو حركي دعوي". اضطررنا إجرائيا، إلى وضع مادة في النظام الداخلي، اسمها مسطرة "التنافي بين المسؤولية الحزبية والمسؤولية الدعوية"، وهو ما يضمن لنا رفع اللبس.
الاختلافات بالحزب أمر موجود، كما هو موجود داخل الحركة. بالتأكيد، كانت أقوى داخل الحزب مما هي عليه داخل الحركة أو داخل التنظيمات الأخرى، بحكم طبيعة العمل السياسي. نحن لم ندّعِ يوما أننا ملائكة، نحن بشر، وبطبيعة الحال، من يرى أنه كان قاب قوسين من أن يصبح وزيرا أو برلمانيا أو...، بمنحة "فيها شحال من مليون"، أكيد سيحز الأمر في نفسه إذا لم يتمّ تعيينه.
لكن كما لا يخفى عليكم، عرف المؤتمر الذي اختير على إثره سعد الدين العثماني أمينا عاما للحزب، بروز تيارين، تيار ضد ولاية ثالثة لعبد الإله ابن كيران وتيار آخر معه..
بكل صدق، إذا كانت هناك خلافات للدّاودي والرباح والرميد وغيرهم مع ابن كيران؛ فإنّي لا أعرف تفاصيلها، ولا أريد أن أعرفها ما لم يُطلب منّي التّدخّل فيها، خصوصا منها ما يكون في النفوس لا يعلمه إلاّ الله. هناك في الحزب إخواننا يسمّون الحركة بـ"المِّيمة" أو "الوالدة". وبالفعل، حينما يكون هناك إشكال، ويصعب التفاهم حوله، يقصدوننا. يتصالحون عندنا، ويتعانقون، ويبدؤون صفحة جديدة. ما يبوحون به، نعرف كيف نتصرف فيه، لكن ما في النفوس، لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. أهي تيارات؟ ومتى ظهرت؟ سأقول إن قوة الخلافات داخل الحزب تكون بنفس درجة قوة أحداث المعترك السياسي. حينما وقع ما سمي بـ"البلوكاج الحكومي"، وأعفى صاحب الجلالة ابن كيران ورأس مكانه الرجل الثاني في القيادة الحزبية، قُرأت الأمور بطرق مختلفة.
بالنسبة لي، ابن كيران كان محظوظا لكونه أول رئيس حكومة يخرج منها برأس مرفوع، حين رفض أن تُفرض عليه اختيارات لوبية للمجموعات الحزبية الأخرى. بالمقابل، هناك من رأى أنه طُعن من الخلف، وإخوانه قبلوا بتلك الطعنة.
وقتها، كنت ضمن لجنة مكونة من 26 عضوا، كلفنا باختيار أسماء من سيكونون وزراء من الحزب. لذلك، كنت مطلعا على ما يجري. جميع الخطوات التي تمت بعد إعفاء ابن كيران كان يحضرها هو بنفسه، بصفته أمينا عامّا، كما أنها اتخذت بالمنطق الشوري المعتاد.
قضية الولاية الثالثة لابن كيران ليست متعلقة بوجود تيارين، بل هي مقترح طارئ على نظام داخلي أصلي وأصيل في الحزب، منذ تأسس. لم يكن هناك تياران لهما نفس القوة التدافعية. ولذلك، لم يحتج المؤتمر وقتا طويلا لإلغاء إدراج فكرة الولاية الثالثة على جدول أعماله. هي لم تُدرج من أساسه، لأنها كانت مقترحا ضعيفا جاء من بعض الناس، وقد يكون هناك عدد أكبر يساند الفكرة، لكنهم لم يفصحوا عما في نفوسهم.
إذا تكلمنا في إطار التفاعلات السياسية، يمكن الحديث عن وجود تيارات، لكن بالنسبة لي، هذه اختلافات قائمة داخل الحزب، لها من المسببات الكثير، بعضها نعلمه ويبلغنا، وبعضها لا نعلمه ولا يبلغنا. والذي بلغني أن هناك الآن، بعض التقاربات بين من يسمونهم "تيارات" و"صقور"، كما هناك نوايا ومحاولات للصّلح.
الحركة دائما ما كانت متعاطفة مع العدالة والتنمية، ومؤازرة له في المحطات الانتخابية السابقة، عكس انتخابات 8 شتنبر. كيف قرأتم خسارة الحزب؟
ترسيم العلاقة بيننا وبين حزب العدالة والتنمية هو أنها علاقة شراكة استراتيجية، والتي معناها أن الحركة في وقت سابق، ناقشت في مجلس شوراها، أن وقت مشاركتنا في الانتخابات حان، خاصة بعد أن قررنا ألا نبقى مجرد متفرجين. حينها تساءلنا: مع من سنشارك؟ بصراحة، كانت الاحتمالات في البداية مفتوحة على أي حزب كان؛ حيث قلنا: أي حزب تبيّن لنا أنّه صالح، سنصوّت لصالحه. بل كان منا من هم أعضاء في عدة أحزاب؛ كالاستقلال والاتحاد الاشتراكي. فلما تناقشنا، تساءلنا: نحن بالطبع لسنا من سيذهب إلى البرلمان والحكومة، بل الحزب الذي سنختاره. لذلك، يجب أن يكون أقرب ما يكون إلى تصورنا وعملنا، وبصدق، لم نجد.
حزب العدالة والتنمية يشاركنا في المرجعية الإسلامية. هو ليس حزبا بمرجعية إسلامية وحسب، سأقولها بوضوح، هذا حزب نحن من أسسناه، أسسته الحركة الإسلامية، ومن لم يعجبه كلامي، فليجابهني.
وللتوضيح، الحركة أسست حزبا اسمه التجديد الوطني. تقدمنا به للسلطات، فتم رفضه في أقل من 48 ساعة، رغم أنه عادة ما ترد بعد شهرين أو ثلاثة أشهر على مثل هذه الطلبات. ونحن بطبيعتنا، "ما كنجبدوش القنبة، لا مع النظام ولا مع غيره"، بل نقول إن له تقديراته، فإذا قال إنه لا يمكن، فأكيد لديه مبررات لهذا الرفض. نسينا أمر تأسيس حزب وقتها، لكن ظل السؤال المطروح: "أين يمكن للحركة ممارسة السياسة؟".
قصدنا شخصيات سياسية كثيرة؛ مثل بوستّة رحمه الله، وغيره، لكنهم رفضوا لقاءنا؛ حيث قيل لنا: "ما كرهناش، ولكن لا نستطيع"، باستثناء عبد الكريم الخطيب الذي قبل استقبال إخواننا المحاورين والجلوس معهم، وقبل منهم الفكرة، وقال لهم في البداية كما قال رؤساء الأحزاب الأخرى: "أودي، ما كرهناش، ولكن لا نستطيع"، ففهمنا بأنه تم تنبيه جميع الأحزاب من إدخال الإسلاميين إلى أحزابهم. لكن من الأمور التي أذكر أنه قالها رحمه الله: "بالنسبة لي إذا كانت فيها الموت، أنا هاد الموت هي لي كنحلم بيها.. نموت بين هاد الإخوان الصالحين".
وهذا ما كان، دخلنا حزب الخطيب. وجدنا به قلة قليلة، مقابل عددنا الكبير جدا. بعدها، كان واضحا؛ حيث طلب منا في أحد الجموع اختيار اسم جديد للحزب، بدلا من الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية. وقتها، رأسنا سعد الدين العثماني، وسمينا الحزب بـ"العدالة والتنمية". إذن، ما ندرقوش الشمس بالغربال.
شخصيا، أعتبر أن أداء العدالة والتنمية كان أداء موفقا في عمومه، وفق ما نؤمن به، والتصور الذي أردناه. بعدها، جاءت مجموعة من المتغيرات؛ كإشكالية اللغة العربية، التي أحسسنا فيها بالامتهان والاحتقار. لما تفرض علينا لغة من اللغات تكون هي اللغة الرسمية لتدريس المواد العلمية بالخصوص، فهذا يتم في إطار القهر، بطرق أو بأخرى، بمقايضات أو بقروض. هذا أمر يُفرض على الدولة والحكومة، والحكومة بدورها تبحث عن كيفية لتصريفه.
هذا المشكل أغضب أعضاء الحركة، ثم بعده جاء مشكل القنب الهندي، فالتطبيع "قاصمة الظهر". وقدرا، شاء الله عز وجل، أن يكون رئيس الحكومة الذي يوقع عليه من العدالة والتنمية ومن مؤسسي حركة التوحيد والإصلاح، إضافة إلى أمور أخرى تلاحقت فيما بعد.
هل عدم رضا الحركة عما وقع كان السبب في عدم دعم الحزب انتخابيا في محطة 8 شتنبر؟
قرار التطبيع كان يوم الخميس، واجتماعنا في قيادة الحركة، بشكل استثنائي، تمّ يوم الجمعة؛ حيث لم ننتظر اجتماع المكتب التنفيذي العادي، الذي يكون يوم السبت. تناقشنا حول الموضوع، وقلنا إننا لن نكتفي بإصدار بلاغ فقط، بل سنقرأه في مقطع فيديو. كان بلاغا قويا، شرحنا فيه أن قرار التطبيع خطأ كبير، بغض النظر عمن اتخذه، وبأنه لن يجر المغرب إلا للمصائب.
كل ما حصل وقتها جعل إخواننا البعيدين الذين لم يفهموا ملابسات وحيثيات توقيع العثماني على قرار التطبيع، ينقمون على الحزب، وعلى العثماني شخصيا. ولما حان وقت الانتخابات، سأقولها بكل صدق، لم نقم بأي توجهات غير تلك المعتادة سابقا. أولا، أننا سنشارك في الانتخابات ولن نقاطعها. ثانيا، مشاركتنا هي من خلال حزب العدالة والتنمية، إلى حدود الساعة. لكن ونحن نتتبع، ظهر لنا أنهم لم يستجيبوا، يعني لم يصوتوا من أساسه.
ألم تكن لقيادة الحركة نظرة استباقية لما سيحدث، في ظل سخط أبنائها على الحزب؟
ماشي ما حسيناش، بل لم نعط لأنفسنا الحق بفرض التصويت لصالح العدالة والتنمية على الناس. وأبعد من ذلك، هناك أعضاء في المكاتب الإقليمية للحزب، ولم يصوتوا له، لأنهم كانوا يرفضون الاختيارات التي قام بها.
ألا ترون أن الناس في الشارع كانوا أقل قسوة على الحزب منكم؟
ليست هناك جهة في المغرب، حزبية ولا غيرها، كانت أكثر تفهما لما وقع في الحزب، من حركة التوحيد والإصلاح. لذلك، سأجيب على سؤال ربما ستطرحونه فيما بعد: ما الذي حل بالشراكة الاستراتيجية؟ وهل طلقتم العدالة والتنمية؟
نحن جلسنا مع العثماني، وسمعنا منه مباشرة تفاصيل ما حدث، وأحسسنا بألمه الشديد؛ حيث أكد لنا أن الاختيار كان اختيار الدولة. كما قال إنه فوجئ في تلك اللحظة، ولم يكن أمامه سوى خيارين: إما يوقع، وإما يتخلى عن رئاسة الحكومة. ولو كان اختار الثانية، لقامت الدنيا في الحزب ولم تقعد.
وقتها، قال طيب، هذا اختيار الدولة، وجلالة الملك ومستشاروه والمعنيون بهذا الأمر حاضرون، فوقع وخرج إلى حال سبيله. هناك أمور لا أستطيع قولها، لكن العثماني لم ينم ليلتها، خاصة أنه مواقفه معروفة من قضية فلسطين، ليأتي يوم يوقع فيه على قرار لا يد له فيه، "ونضربولوا كلشي فالزيرو، ونردوه مطبع وخائن للقضية". بالمناسبة، العثماني لم يقرأ البروتوكول الذي وقع عليه. يكفي أن ترى أين وكيف تمّ توقيع التطبيع. "واش العثماني مشى لإسرائيل؟".
لماذا يقال دائما: الحركة هي من تطلق الحزب، وليس الحزب من يطلق الحركة؟
الشراكة الاستراتيجية قرار نحن من اتخذناه وليس الحزب، ولم نتشاور معه فيه. بالطبع، رحب بالفكرة فيما بعد. ولذلك، يقال نحن من نطلقه. بالتالي، القرار لا يمكن اتخاذه من جديد إلا من طرف مجلس شورى التوحيد والإصلاح.
طيلة هذا الحوار، تقولون إن للدولة تقديراتها. لماذا لم تستحضروا أن لها تقديرات أيضا في أمر التطبيع مع إسرائيل؟
راعينا هذا الأمر، لكن ترجح لدينا بأن معارضة الدولة في بعض الأمور، فيه مصلحة لها قبل أن يكون فيه مصلحة لنا. وكمثال على ذلك، ما يقع اليوم بين المغرب وفرنسا. ما هو حاصل بينهما هو ما يطلق عليه "Le bras de fer". هذه أمور حركة التوحيد والإصلاح كانت تتوقعها. لم يكن بإمكان الدولة شد الحبل مع فرنسا من قبل، لكن الآن، أحست أنها تستطيع، وأنه بإمكانها الحرص على أن يتم التعامل معها بالندية وليس بأوامر التبعية والاستعلاء. هذه القضية قدرناها من قبل. وأستحضر هنا قصة حكتها بعض الجهات، حين كلف جلالة الملك الراحل، الحسن الثاني، رئيس الحكومة السابق، عبد اللطيف الفيلالي، بحضور مؤتمر للفرنكفونية، وكان رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك، فرانسوا ميتران. وقتها، قال ميتران في المداخلة الأولى، بطريقة أو بأخرى، إنه على أي دولة إفريقية لا تنخرط في إشعاع الفرنكوفونية، أن تستعد لتُحرم من مجموعة من الامتيازات والقروض من النظام الفرنسي. فما كان من الفيلالي إلا أن اتصل بالملك الذي أوصاه بأن يتكلم باللغة العربية خلال مداخلته، ويقول بما معناه: "المغرب عمرو يموت بالجوع، ولكن ممكن يموت من الذل"، وفعلا، هذا ما كان.
وقتها، كنت أتابع ما حصل، لكنني لم أفهم أسباب ما فعله وما قاله الفيلالي. ما رأيته هو أن ميتران تفاجأ بأن هناك مداخلة باللغة العربية، ويبحث مستعجلا عن سماعات الترجمة الفورية.
لذلك، بالنسبة لنا، هذه قضية سيادة دولة، وليست قضية لغة فقط كما يختزلها البعض. أن نختار نحن لغة، هذا شيء، وأن تُفرض علينا بهذه الهيمنة، شيء آخر. هذا أمر لا يُعقل ولا يُقبل. وحتى إذا فُرضت واحتضناها، يجب أن تكون في حدود.
كيف ترون مستقبل حزب العدالة والتنمية؟
نتائج 8 شتنبر كانت نتائج معبرة. لما رأيت الطريقة التي تمت بها الانتخابات والاختلالات التي رافقتها، وجميع أنواع تدخلات المال والسلطة والنفوذ والتضليل والتزوير، فهمت أن المغرب سائر في اتجاه أنه لا موقع للأحزاب الإسلامية في الحكومة. هذا توجُّه عالمي أكثر منه دولي؛ بمعنى أن الاختيار المغربي الرسمي لم يكن إقصاء حزب العدالة والتنمية، أو نفيه خارج الوطن، أو الزج به في السجون؛ مثل ما حدث في دول أخرى. كان واضحا أن المطلوب في المغرب بقاء الحزب حاضرا من خلال المعارضة. هذه تقديرات الدولة التي لا نعرف جميع مبرراتها، لكننا نتفهمها.
هل في نظركم كان هناك أيضا توجه سياسي عالمي بعد "ثورة الربيع العربي" يدعم وجود أحزاب إسلامية حاكمة؟
لا. المغاربة بطبعهم، إن فسحت لهم المجال وأعطيتهم حرية الاختيار، فسيختارون من يحترم قيمهم ومرجعيتهم الدينية. لو أن الانتخابات السابقة كانت شفافة، لفاز حزب العدالة والتنمية. راحنا شفنا كيفاش مالين الفلوس طلقوا الملايير، وحتى هادوك الملايير لا أؤمن بأنها كانت غير عندهم. داكشي بزاف. منين كيجي داكشي؟ بالتأكيد أن الدولة الراعية لها دخل فيما حصل. أنا متأكد من أن الانتخابات التي فاز بها الحزب كانت أقرب إلى النزاهة، ولدي يقين أن من كان الضامن لها هو صاحب الجلالة، لأن التجربة أبانت عن أنه لا يمكن أن يصدر سوء عن الإسلاميين، لا في حقه، ولا في حق بلدهم.
ما الذي جعل هذه النزاهة غير حاضرة في انتخابات 2021، حسب قولكم؟
هناك أمور تقال وأخرى لا تقال. هناك أحوال البلد والنظام، وصحة الملك. لذلك، نقول إن قوى التأثير في الانتخابات الأخيرة كانت متباينة.