قالت آمنة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إن "مدونة الأسرة ذاتها، وان كرست في العديد من مقتضياتها مبدأ المساواة بين الجنسين وأكدت مبدأ الرعاية المشتركة للزوجين على الأسرة، إلا أن ذلك لم ينعكس على مقتضيات الكتاب السادس منها والمتعلق بالميراث، والذي بقي حاملا للعديد من مظاهر التمييز وعدم المساواة، ومن صورها نظام التعصيب وأثر اختلاف الدين على الحق في الميراث، وميراث ذوي الأرحام، فضلا عن القيود المفروضة على الوصية، وهو ما يساهم بشكل قوي في الحد من ولوج الفتيات والنساء الى الأرض والثروات وفي جعلهن أكثر عرضة للفقر والهشاشة".
وأضافت في كلمة لها أثناء "ورشة عمل لتقديم نتائج بحث ميداني حول "نظام الارث في المغرب ما هي آراء المغاربة؟"، أمس الثلاثاء، أن "عدم المساواة في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حقيقة لا يمكن نكرانها أو تجاهلها، بل تعتبر القاسم المشترك في غالبية مناطق العالم، حيث تنتشر ظاهرة تأنيث الفقر؛ كنتاج للتمييز ضد المرأة ووضعها الأدنى في المجتمعات لأسباب ثقافية تتعلق بالأساس بالعادات والتقاليد، وأسباب قانونية ترجع بالأساس الى التشريعات، وأسباب أخرى بنيوية".
وتابعت أن "الكثير من الأسر، خاصة تلك التي لم ترزق بذكور- أصبحت تلجأ بشكل متزايد الى القيام بإجراءات قانونية وصورية كبديل عن القواعد الحالية لنظام الميراث، من قبيل البيع أو الصدقة أو الهبة، وذلك بهدف حماية بناتهن من قاعدة التعصيب وما قد يواجهن من حرمان من سكنهن بعد وفاة الاب أو بهدف حماية أحد الزوجين المتبقي على الحياة أو من أجل تحقيق المساواة بين الاناث والذكور من أبنائهن".
وأكدت أن "هذه الإجراءات، رغم ذلك، لا يمكنها أن تكون حلا لكافة الأسر المغربية بالنظر للمخاطر التي قد تطرحها والنزاعات التي قد تثيرها، وكذا لمحدودية وصول كافة الأسر الى امكانية اجرائها سواء نتيجة التكاليف المادية المرتبطة بها أو الظروف الاجتماعية للأسرة، وبالتالي فلا يمكنها أن تكون بديلا عن منظومة قانونية عادلة ومنصفة وكفيلة بتوفير حلول ملائمة، تأخذ بعين الاعتبار الوضعيات والتحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي".
وشددت على أن "القاعدة القانونية، مهما كان مصدرها، تبقى قاعدة اجتماعية، تنشأ لكي تنظم روابط وعلاقات اجتماعية، ولا يمكن لذلك عزلها عن تطور المجتمع وتطلعاته واحتياجاته. ومعلوم أن المجتمع المغربي شهد على غرار مختلف دول العالم تحولات بنيوية عميقة، من قبيل الانتقال من الأسر الممتدة الى الأسر النووية وما استتبعه من نزوع الى الفردانية وتراجع للتضامن العائلي الذي كانت تتيحه الأسرة الموسعة".
وأشارت إلى أن "خروج المرأة إلى العمل ومشاركتها في اقتصاد الاسرة حولها بشكل متصاعد من كائن مٌعال الى كائن عائل تعتمد العديد من الأسر على مساهمتها المادية واللامادية، وهو ما تؤكده احصائيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2020، والتي تفيد أن نسبة الأسر التي تعيلها النساء قد بلغت 16.7 % من مجموع الأسر المغربية".
وأفادت: "أخيرا، أود أن اقتبس من المفكر عبد الله العروي، الذي أوضح في إحدى تدخلاته منذ اكثر من سنتين "بأن الإرث، مشكلة اجتماعية اقتصادية، يمكن تناولها، من وجهة نظر المنفعة والمصلحة". و"يجب على الدولة أن تتناول هذه المسألة من وجهة نظر موضوعية ومن زاوية حقوق الإنسان". إن نتائج الدراسة التي اعتمدت على 1200 مغربي ومغربية والتي خلصت أن 44% منهم ضد مراجعة قواعد الإرث وأن 34% هم مع المراجعة وأن 22% بدون رأي".