في هذا الحوار مع البروفيسور مولاي مصطفى الناجي، الاختصاصي في علوم الفيروسات، مدير مختبر علم الفيروسات لجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، يوضح لـ"تيلكيل عربي" خصوصية فيروس كورونا المستجد ضمن "فيروسات كورونا"، وطرق الوقاية منه والجدل حول دواء "الكلوروكين" الذي تبناه المغرب، ضمن مجموعة من الدول، ومساهمة مختبره في جهود مكافحة انتشار الفيروس...
خصوصية فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)؟
الفيروس معروف، ظهر أول مرة في 1960، ومنذ ذلك الوقت وإلى 2002، كانت لديه خصوصية بالنسبة للحيوانات وخصوصية بالنسبة للبشر، ومنذ 2002 لم تبق له تلك الخصوصية، وأصبح ينتقل من الحيوان إلى البشر، وهو ما حصل في2002 و2014 و2019؛ أي أنه لم يعد ينتقل من الحيوان إلى الحيوان، ومن البشر إلى البشر، بمعنى الانتقال داخل كل فصيلة، فصار ينتقل من الحيوان إلى البشر؛ أي الانتقال بين الفصائل (transmission inter-espèces).
فالفيروس الأول من كورونا وهو "السارس" (SARS) ظهر أول مرة لدى الخفافيش، ومنه انتقل إلى البشر، و"ميرس كورونا" انتقل من الخفاش إلى البشر، ولكن كان خزانه هو الجمل، ومنه إلى البشر. ومن بعده جاء "الكوفيد"، والذي يكون عند الخفافيش أيضا ولكنه انتقل إلى حيوان آخر وهو "البنغول (أو آكل النمل) (pangolin) ومنه إلى البشر... إذن الجديد في هذا الفيروس هو مروره من الانتقال بين البشر، إلى الانتقال من الحيوان إلى البشر. لهذا يجب أن ينتبه الناس أيضا إلى الحيوانات الأليفة التي تكون معهم في بيوتهم، ليسهروا على تنظيفها ويعرفوا من أين تأتي وإلى أين تذهب.. ولكن الحيوانات التي تحدثنا عنها بالنسبة لانتقال الفيروس لا توجدعموما بيننا، والمغاربة ليس عليهم أن يخشوا من هذا الجانب لأن الصينيين، الذي انتشر الفيروس بينهم، كانوا يتعايشون مع هذه الحيوانات وغيرها ويتناولونها، والناس هنا تخشاها ولا تقترب منها عموما...
لكن ألا تبقى خصوصية الفيروس الكبرى هي سرعة انتشاره؟
نعم، هو سريع الانتشار، وهو يسبب ثلاثة أنواع من الأمراض؛ هناك أولا أمراض الجهاز التنفسي، والذي يصيبه "كوفيد 19"، وهناك أصناف أخرى من فيروس "كورونا" تصيب الجهاز الهضمي، وهناك أصناف أخرى تصيب الجهاز العصبي. وهذه الأصناف الثلاثة كانت تصيب في البداية البشر فقط، وبعد 2002، صار الانتقال من الحيوانات إلى البشر، ولتصبح الخصوصية هي إصابة الجهاز التنفسي...
لكن ماذا عن استهداف كبار السن ومن يعانون من نقص المناعة؟
نعم، الفيروس يستهدف كل الأشخاص، من خلال الانتقال عبر الإفرازات، لأنه عندما يتحدث الإنسان المصاب تخرج من فمه إفرازات التي تتضمن الفيروس. والفيروس لا يكون في الهواء، ولا يستطيع العيش خارج الجسد، لأنه يتوجب عليه أن يحدث أوتوماتيكيا "تعفنا" (Infection)، حيث يدخل خلية، ومن تم يبدأ في الانتشار.
هذا الفيروس لديه غشاء سطحي، فيه مكونات "غليكوبروتينية" (بروتينات سكرية)، وهذه البروتينات هي التي تجعله يلتصق ببعض مكونات خلايا الإنسان التي توصف بـ"المستقبِلة". وعند لقاء تلك البروتينات مع المستقبِل (le récepteur) يشرع الفيروس في التكاثر.
صحيح أن الفيروس سريع الانتشار من خلال الإفرازات، ولكن يمكن تجنب ذلك من خلال الوقاية؛ أي من خلال ترك مسافة مع متحدث، التي من الأحسن أن تكون ثلاثة أمتار، وبالنسبة إلى الذي تظهر عليه أعراض نبتعد عنه تماما.
كما يجب تجنب لمس الأشياء، لأن الفيروس قد يعيش على البلاستيك حتى لتسعة أيام، وعلى الحديد يمكن أن يعيش لثلاث ساعات، وفوق الأيدي، يمكن أن يعيش ما بين ساعتين حتى ثلاث ساعات، لذلك لابد من الإكثار من غسل الأيدي بالماء والصابون الذي يمكّن من تذويب المكونات الذهنية للفيروس، وهناك مجموعة من الاحتياطات التي يعرفها المواطنون وقد تعرفوا عليها الآن، والتي يمكن اختصارها بالنظافة والنظافة...
ولعل أحسن نصيحة يمكن تقديمها هي البقاء في البيوت...
هذا هو النداء، وأقول لكل شخص إن الحل بين يديه ولديه المسؤولية تجاه الوطن وتجاه المغاربة وعموم البشرية. انتشار الفيروس في بؤرة معينة هي مسألة وقت فقط. هذا "العدو" كان في مدينة واحدة، هي ووهان، وبدأ يحالة واحدة، وها هو قد انتشر في العالم، لأن الناس قالوا، في البداية، إن العدوى توجد في الصين فقط... نعم، انتشار العدوى مسألة وقت لا غير، والفيروس لا يميز بين أمريكي وصيني، ولا رجل وامرأة أو طفل أو كبير، لأنه ينتقل حيث تمكّن من ذلك، ويضرب الشخص. الناس يجب أن يلتزموا بالإجراءات التي اتخذتها السلطات التي كانت استباقية وفي وقتها، وساهمت في الحد من الانتشار... الحجر له فعالية ولكن لابد من مساهمة المواطنين فيه، بالتزامهم بالبقاء في بيوتهم، وحتى في بيوتهم عليهم أن يقوموا باحتياطات من قبيل أن يشرب كل شخص في كأس خاص به، ويؤدي الصلاة على سجادة خاصة به... وهذه في الواقع احترازات يجب أن يقوم بها الإنسان دائما لأنها تتعلق بحفظ الصحة والنظافة. وفي زمن هذا الفيروس، هناك أشخاص يحملونه ولا تظهر عليهم أعراض (porteurs asymptomatiques) لذلك يجب القيام بهذه الاحتياطات الاحترازية...
وبالنسبة للدواء، ماذا عن الجدل حول "الكلوروكين" (نيفاكين) الذي تبنته وزارة الصحة المغربية؟
"الكلوروكين" جزيء (Molécule) كان معروفا من قبل، وهو مكون نشط حيويا (principe actif)، له مشتقات، ويعالج به الملاريا، وتبناه المغرب كما الصين والولايات المتحدة، أما الجدل فهو سابق لأوانه، لأنه، بعد إعطاء الدواء يكون هناك تقييم، لنعرف إن كان ناجعا، أو كانت له أعراض جانبية. ولا يمكن الخوض في هذا الجدل الآن، لأن الناس معرضون للخطر والعدوى تهدد حياتهم، فهل نبقى مكتوفي الأيدي؟ هل هناك بديل؟ والولايات المتحدة المعروف قدرها في البحث العلمي، لو كان لديها بديل، أكانت ستستعمل هذا الدواء؟ لابد من دراسات أخرى ولكن ليس لدينا وقت وعدونا المشترك هو الوقت، لأن المرض فتاك وسريع الانتشار.
وماذا عن مختبركم كيف يساهم في الجهود الحالية للتعريف بالفيروس والحد من انتشاره؟
أول مساهمة للمختبر، هي في التربية، لأننا نكون جيل المستقبل. وسأعطي مثالا، فقط في هذا الميدان الخاص بـ"كورونا"، حصل أكثر من أربعة طلبة على شهادة الدكتوراه.
وعموما تم تقديم حوالي 35 رسالة للدكتوراه، حول الفيروسات من هذا المختبر، ويمكن أن نقول إن هناك خلفا، وهذا هو الأهم بالنسبة إلينا، وهو توفير الخلف لبلدنا، الغالي لدينا جميعا.
وقد تخرج طلبة أكفاء من هذا المختبر، وفضلا عن ذلك يقوم طلبة الماستر بتداريب في المختبر، ونساهم في توعية المواطنين من خلال اللقاءات عبر وسائل الإعلام المختلفة والمقالات...
لكن ماذا عن جانب البحث العلمي؟
الجهود تكون متناسبة مع الإمكانيات الموجودة، وهناك مجموعة من الإكراهات وهي ليست خاصة بهذا الموضوع، لأنها مرتبطة بالبحث العلمي بصفة عامة، وهذا نقاش آخر، وهي معروفة.
والباحث في المختبر ينشر أبحاثه في المنشورات العلمية الدولية، والمختبر معتمد، وهناك جزء من الموارد تساهم به الدولة، من خلال مجلس الجامعة، وكل مختبر تصله موارد حسب إنتاجه العلمي، وطلبته الذين يؤطرهم...
ولكن المساهمة المالية تأتي فعلا من خلال بحث الطلبة عن مشاريع للتمويل، إما من الخارج أو من الداخل...
لا يمكن أن أقول إنه ليس هناك خصاص ولا يمكن أن أقول إنه لا نتوفر على شيء. يمكننا التطوير والدولة لديها إكراهات أخرى، ولكن الدول التي اعتمدت على البحث العلمي، مثل اليابان وكوريا، رأينا المستوى الذي وصلت إليه لأنها تستعمل 3 في المائة من ناتجا الداخلي الخام في البحث العلمي.
في الحقيقة، في اليوم الذي سنفهم فيه أن البحث العلمي يساهم في تنمية البلاد ويجب أن ندعمه ونشجع من يقومون به سيظهر ذلك على الواقع. من أين يأتي ذلك الدواء الذي يوصي مريضه بتناوله؟ لولا البحث العلمي والمختبرات لما وصل ذلك الدواء إلى المريض. البنية الأولى هي البحث العلمي، ولا يجب أن نبقى دولة تستورد من الخارج. يجب تطوير البنية التحتية للبحث العلمي...