"تيلكيل عربي" يكشف كواليس تصنيع أجهزة تنفس مغربية لمواجهة تفشي "كورونا"

أحمد مدياني

أسئلة كثيرة طرحت حول أجهزة  التنفس الاصطناعي التي بدأ المغرب في تصنيعها، والتي يشرف عليها فريق مكون من 20 كفاءة مغربية في مختلف التخصصات ، تحت إشراف مباشر من وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي ووزارة الصحة.

أسئلة من بينها، موعد دخول هذه الأجهزة حيز الخدمة وتجريبها في المستشفيات؟ وهل هي نسخة مغربية خالصة كما تم الحديث عن ذلك؟ وكيف تم ابتكارها بسرعة؟ ما هي خصائصها؟ كيف تعمل؟ هل يمكن أن تكون بديلاً للأجهزة التي تسوق؟ ومتى ستكون النسخة المطورة منها جاهزة؟

أسئلة يجيب عنها  من شاركوا في الإشراف على تصنيع هذه الأجهزة.

صنع في المغرب!

يوم الاثنين الماضي، قدم وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي حفيظ العالمي، أول نسخة مغربية الصنع من أجهزة التنفس الاصطناعي، والتي جاء الإعلان عنها أشبه برسالة طمأنة، بعد تصريحات رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بخصوص أسرة الإنعاش التي يتوفر عليها المغرب، وما جرت هذه التصريحات من مخاوف لدى المواطنين في ظل استمرار تفشي فيروس "كورونا"، ووصول نسبة الإصابات المحلية به إلى 90 في المائة مقارنة بالإصابات الوافدة من الخارج.

رسالة الطمأنة حملت معها أسئلة كثيرة، توجه بها "تيلكيل عربي" لديوان وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي، والذي أوضح أحد مستشاريه أنه بعد "جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس، شهر مارس المنصرم، حول تدبير تفشي جائحة الفيروس بالبلاد، والتوجيهات التي أعطاها من أجل تعبئة كل الإمكانيات لتوفير المعدات الطبيبة ومستلزمات الوقاية، قامت الوزارة بتوحيد جهود مجوعة من الكفاءات المغربية لتصميم وإنتاج أجهزة للتنفس الاصطناعي مغربية الصنع، وتم تحديد الكفاءات العملية وتعبئة كافة الإمكانيات من أجل التصنيع والإنتاج".

وأوضح ديوان الوزير حفيظ العلمي أن الكفاءات التي تشتغل على الأجهزة تضم باحثين من المعهد الوطني للبريد والاتصالات، والوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات، والمركز المغربي للعلوم والابتكار والبحوث، وكفاءات من وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي وقطب الابتكار الإلكتروني، وتجمع الصناعات المغربية في الطيران والفضاء، وجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التنقية، ومهندسين وتقنيين من تجمع شركات  (Aviarail-PILLIOTY-SERMP). هذا الفريق وحسب المصدر ذاته، يشتغل تحت إشراف أطر وزارة الصحة، في الإنعاش والمستعجلات والصيدلة.

وتابع ديوان الوزير، أن شركتي "Aviarail" و"PILLIOTY" تكلفتا بتصميم الجهاز، في ما أسندت مهمة تصنيع الأجزاء المعدنية الدقيقة لشركة "SERMP"، وتكلفت شركة "valtronic" المتخصصة في تصنيع المكونات الإلكترونية والكهروميكانيكية والطبية بصنع الشرائح الإلكترونية الذكية للجهاز، أما شركتي "Halmes" و"EFOA" فكانت مهمتهما تصنيع معالجة الأجزاء المصنعة كيميائيا ضد البكتيريا.

ويضم الفريق أيضاً، كل من البروفيسور فاردوي مامون، رئيس مصلحة المستعجلات الجراحية/رئيس مصلحة الإنعاش "كوفد 19" مستشفى ابن سينا الرباط، والدكتور في علم الأحياء بادير، والدكتور في الطب والصيدلة والتحليلات فكاك، والدكتور في الإنعاش ميلود.

سعيد بن حجو، مهندس متخصص في الذكاء الاصطناعي، وأحد الأطر المغربية التي ولدت وترعرعت في المهجر، قبل أن تقرر العودة إلى المغرب والاستقرار فيه، لخص في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، كيف جاءت فكرة تصنيع هذه الأجهزة بالقول: "نحن مجموعة من المهندسين قلنا هذه فرصة لتوظيف ما راكمناه من تجربة في الصناعة الإلكترونية والطيران وكل الصناعات الذكية، وبحثنا مع بعض، بدعم من الوزارة وإشراف مباشر منها، عن تصنيع جهاز مغربي للتنفس الاصطناعي بكفاءات مغربية وموارد محلية"، قبل أن يستطرد "تابعنا مع اشتداد أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، المشاكل التي وقعت، وكيف أن كل بلد يصنع التجهيزات والمعدات الطبية، قرر أن لا يصدر ولو جزء منها، لذلك كان التحدي هو تصنيع أجهزة مغربية بموارد مغربية، ووفقنا في ذلك".

"بريكولاج" أم جهاز متطور؟

يشدد البروفيسور فاردوي مامون، رئيس مصلحة المستعجلات الجراحية/رئيس مصلحة الإنعاش "كوفيد 19" مستشفى ابن سينا الرباط، أحد الذين أشرفوا على المشروع، في حديثه لـ"تيلكيل عربي" على أن أجهزة التنفس الاصطناعي التي تم تصنيعها  "إنتاج مغربي خالص، لكنها ليست اختراعاً".

وعن الغاية من تصنيعها؟ وهل يمكن أن تعوض الأجهزة المتوفرة حالياً؟ أوضح فاردوي مامون، أن "الأجهزة التي صنعت لن تعوض الأجهزة الموجودة في المستشفيات".

وأضاف: "هذه معدات مثل جنود الاحتياط، إذا ما وقع السيناريو الذي لا نرجوه، وكان هناك تفشي واسع لفيروس كورونا المستجد بالمغرب، لا نريد تسجيل وفيات بسبب عدم وجود أي معدات للتنفس الاصطناعي".

وبخصوص درجة فعاليتها وجودتها، أجاب المتحدث ذاته، أن دورها إن دخلت الخدمة الصحية، وكانت هناك حاجة مستعجلة لاستخدامها، هو "تعويض غياب التنفس الاصطناعي، لأنه لا أحد سوف يرحمك إذا فارق مريض الحياة وهو كان في حاجة للتنفس فقط".

ونبه البروفيسور فارودي إلى أن الجهاز الذي تم تصنيعه، يخضع لمعايير عملية وصحية دقيقة، ومعداته ليست متاحة للجميع، هذا التصريح، جاء رداً على استفسار طرحه "تيلكيل عربي" حول مبادرة مجموعة من المهندسين المغاربة، الذين نشروا بدورهم أجهزة قالوا أنهم ابتكروها، وتقوم بمهمة التنفس الأصطناعي، وأضاف البروفيسرو "هذه ليست معدات مبريكوليا في كراج".

وتابع المتحدث ذاته، "الأجهزة التي روج لها بعض المهندسين الذي يحسب لهم أجر الاجتهاد، تدفع الأوكسجين ولكن بدون حسابات دقيقة. حساب تدفق صبيب الأوكسجين مع قياس ضغط المريض، عملية معقدة جداً، وبما أن الأجهزة التي تم تصنيعها وفرت هذه الخاصية، إذن خرجت من نطاق البريكولاج، والسبب هو أن فريق من المهندسين معتاد على صناعة معدات الطائرات التي تتطلب درجة دقة عاليا جداً، هو من أشرف على تصنيعها، هنا لا مكان لهامش الخطأ".

نفس الرأي عبر عنه المهندس المتخصص في الذكاء الاصطناعي سعيد بن حجو، وقال في تصريحه لـ"تيلكيل عربي": "ليس بإمكان أي شخص  أن يصنع مثل هذا الجهاز، هناك مهدنسين يعرفون مثل هذه الأمور. الجهاز اشتغل عليه مهندسون لم يقتصروا على التكنولوجيا فقط، بل نفذوا مشروعهم تحت إشراف وزارة الصحة، مع التأكيد على أنه لن يتوقف عن العمل أو يمسه عطل أو يتسبب في اضطراب لعملية التنفس عند المريض".

كيف يعمل؟ وكم يستهلك؟

حسب المهندس المتخصص في الذكاء الاصطناعي سعيد بن حجو، فإن جهاز التنفس الاصطناعي الذي صنعه المغاربة، يعتمد في ضخ الأوكسجين "بالون أوكسجين موصول بنظام ميكانيكي يعطي للمريض حاجياته، وبعده هناك مستقبلات تقيس مدى حاجة المريض لكمية التنفس، وهو ليس في حاجة إلى تدخل الطبيب أو الممرض، ودور الأطر الصحية هو برمجة ما يحتاجه المريض فقط من صبيب الأوكسجين حسب حالته الصحية".

هذه الآلية يؤكدها البروفيسور فاردوي مامون، رئيس مصلحة المستعجلات الجراحية/رئيس مصلحة الإنعاش "كوفد 19" مستشفى ابن سينا الرباط، ويشرح ذلك بالقول: "ما يوفره هذا الجهاز كما قلت في السابق، هو ضمان تدفق صبيب كاف من الأوكسجين إلى المريض، ومساعدته على بقاء إيقاع اشتغال رئتيه دون الحاجة للتدخل المباشر من الطبيب أو الممرض خلال هذه العملية، ودور الأطر الصحية هو برمجته حسب الحالة الصحية للمريض".

من جهته، تحدث ديوان وزير التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي حفيظ العالمي، عن أنه من خصائص هذا الجهاز،  إمكانية اشتغاله لأكثر من 3000 ساعة دون انقطاع، بفضل معايير ميكانيك صناعة الطيران".

وأضاف المصدر ذاته أنه "يمكن من الاقتصاد في الطاقة، لأنه يستهلك فقط 5 ميلي أمبير، أي يمكن تشغيله ببطارية الهاتف النقال، وذلك ما يضمن الاستعانة به في القرى والمناطق الجبلية التي قد يكون فيه مصدر طاقة مشكلاً للتدخل وإسعاف الحالات المستعجلة".

نسخة ثانية أكثر تطوراً

هل نرى نسخة ثانية أكثر تطوراً من جهاز التنفس الاصطناعي الذي يتم تصنيعه اليوم؟ الجواب على لسان من تحدث إليهم "تيلكيل عربي" هو: "نعم"، لكن كيف؟ وكم سوف نستغرق لتصنيعه؟ وما هي خصائصه الإضافية؟

حسب بروفيسور فاردوي مامون"طريقة تشغيل عمل أجهزة التنفس الإصطناعي التي سوف تطور ستتغير تماماً". ويشرح ذلك بالقول: "خاصة عمل المحرك. سوف نتخلى عن البالون الذي يظهر، وسنعتمد تقنية أكثر تطوراً في ضخ الأوكسجين. الدفعة الثانية سوف تكون أقرب إلى أجهزة التنفس الاصطناعي التي تسوق، بل تضاهي أجهزة تصنع في الصين ودول أخرى".

هذا الطموح تؤكده وزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي، وجاء على لسان ديوان وزيرها، أنه "يتم الاشتغال على جهاز متطور، تصميمه يخول إدخال مجموعة من الوظائف الأكثر تعقيدا، وذلك بناء على طلب من وزارة الصحة، جهاز قابل للتعديل والتطوير".

ويضيف المصدر ذاته: "النسخة الثانية أكثر تطوراً. مثلاً سوف يوفر مستقبلات قياس الضغط.. قياس نبضات القلب، وسوف يعتمد الذكاء الاصطناعي بدرجة أعلى، لتعديل نسبة تدفق الأوكسجين حسب حاجيات المريض".

هنا طرح "تيلكيل عربي" على المهندس المتخصص في الذكاء الاصطناعي سعيد بن حجو، ما جاءعلى  لسان الباحثين في الشركة الأمريكية "جينرال موترز"، والذين طلب منهم الرئيس الأمريكي دونلد ترامب الشروع في تصنيع أجهزة متطورة للتنفس الاصطناعي، وكان ردهم أنها لن تكون جاهزة حتى متم شهر يونيو القادم، وكان جواب المهندس: "فعلاً الجهاز الذي سنعمل على تطويره لن يكون جاهزاً قبل ثلاثة أشهر، ولن ننتظر استيراد معدات من الخارج بل سنعمل على صنيعها محلياً، إذا انتظرنا لن نقوم بأي شيء".