المجلس الاقتصادي والاجتماعي يضع الأصبع على المخاطر المحدقة بالمستهلك المغربي

أحمد رضى الشامي رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي
الشرقي الحرش

 وضع تقرير جديد للمجلس الاقتصادي والاجتماعي حول السلامة الصحية للأغذية الأصبع على ما يعيشه هذا القطاع من "فوضى" وغياب التنظيم والمراقبة، مما قد يشكل خطورة على صحة المستهلك.

منتوجات بدون تراخيص

في هذا الصدد، سجل  المجلـس االقتصـادي والاجتماعـي والبيئـي وجـود العديـد مـن المؤسسـات علـى الصعيـد الوطنـي التـي لا تتوفـر علـى تراخيـص صحيـة وتعـرض منتجاتهـا فـي األسـواق، معرضـة صحـة المسـتهلكين لمخاطـر أكيـدة وغيـر متحكـم فيهـا. ففـي 2018 ، كانـت 8 مجـازر للحـوم فقـط هـي التـي تتوفـر علـى اعتمـاد المكتـب الوطنـي للسـامة الصحيـة للمنتجـات الغذائيـة، وفيمـا يتعلـق بمحلات ذبـح الدواجـن، تـم الترخيـص فقـط ل 27 منهـا، مقابـل أكثـر مـن 15000 محـل غيـر مرخـص. كمـا أن ٪8 فقـط مـن لحـوم الدجـاج الموجهـة للاستهلاك يتـم توريدهـا مـن الوحـدات التـي تخضـع للمراقبة من أصل 570.000 طن تم انتاجها في 2018.

وإضافة إلـى ذلـك، فـإن المدخلات  الكيماويـة بمـا فيهـا مبيـدات الآفات، المسـتخدمة فـي المجـال الفلاحي، علــى أهميتهــا لحمايــة إنتاجيــة وجــدوة المحاصيــل، لا يتــم التحكــم فــي اســتعمالها بالقــدر الكافــي طبقــا للمعاييـر المعتمـدة، وبالتالـي تشـكل خطـرا مؤكـدا علـى الصحـة والبيئـة وتسـاهم فـي تدهـور المـوارد المائيـة والنظـم الإيكولوجية الطبيعيـة.

 مراقبة المنتوجات المصدرة فقط

في هذا الصدد، أوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن التحفيـزات الاقتصادية التـي تهـدف إلـى تعزيـز السـلامة  الصحية للأغذية  غالبــا مــا يتــم إقرارهــا مــن أجــل ولــوج المنتــوج المغربــي إلــى الأسواق الدوليــة. كمــا أن احتــرام المعاييــر التــي تســنها البلــدان المســتهدفة هــو بالفعــل شــرط أساســي للتصديــر. إذ يضمــن نظــام مراقبـة السـامة الصحيـة للمنتجـات الغذائيـة الموجهـة للتصديـر، والـذي وضعـه المكتـب الوطنـي باعتبـاره الســلطة المغربيــة المختصــة، المســتوى ذاتــه لحمايــة المســتهلك الأوروبي، والــذي تنــص عليــه تشــريعات الاتحاد الأوربي، أو بمعنـى آخـر، يضمـن مسـتوى ٍعـال ً مـن حمايـة حيـاة الإنسان وصحتـه، وفقـا لمـا يقتضيـه قانـون الغـذاء للاتحاد الأوروبي.

وتأسف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لعدم انطباق الأمر ذاته الســوق المحليــة، التــي ال تــزال تعانــي مــن عــدة نواقــص فــي هــذا المجــال حيــث تظــل بعــض مكونات السلسلة الغذائية غير خاضعة لمراقبة المكتب الوطني للسلامة الصحية.

مراقبة على الورق

من جملة ما كشفه المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن غياب المراقبة لا يهم فقط الوحدات التي تشتغل بدون ترخيص، بل إن القطاع المنظم بدوره يخضع لرقابة ضعيفة جدا من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية.

ويقول التقرير إن المراقبة التــي يخضــع لهــا القطــاع المنظــم لا تتجاوز 1 في المائة بالنســبة لمجــازر اللحــوم و8 % لمجــازر الدواجـن و22 % بالنسـبة لقطـاع الزراعـة الغذائيـة، قبل أن يخصل إلى أنه  يعانـي مـن نفـس مسـتوى الهشاشـة علـى غـرار القطـاع غيـر المنظـم حيـث لا وجـود لتتبـع أو احتـرام المعاييـر الصحيـة وغيرهـا مـن المواصفـات. وفـي ظــل صعوبــة قيــاس الحجــم الحقيقــي للقطــاع غيــر المنظــم، بالنظــر لطبيعتــه، فقــد ذهبــت تقديــرات بعــض.

 كثرة المتدخلين دون تنسيق

سجل التقرير أن حكامة السلامة الصحية للأغذية في المغرب على نظام تعدد المتدخلين، أي علـى المسـؤولية المشـتركة بيـن العديـد مـن القطاعـات الحكوميـة والمؤسسـات ذات المهـام المختلفـة.

 ويشير التقرير أن مسؤولية السلامة الصحية للأغذية تتقاسمها وزارة الفلاحة والداخلية والتجارة والصناعة والجماعات الترابية.

ويؤكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن هؤلاء المتدخلـون يعملون  بشـكل معـزول، ولا يوجـد تواصـل بيـن جهـاز وآخـر، فـي حيـن أن السلامة الصحية للأغذية هـي مقاربـة تتطلـب تواصلا  عرضانيـا متاحـا فيمـا بيـن جميـع هذه الأجهزة.

اقتراحات عملية

 يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي اعتماد سياسة عمومية فعالة ومستدامة للسلامة الصحية، كما أوصى بالانتقال  التدريجـي مـن منظومـة الحكامـة الحاليـة القائمـة علـى هيئـات متعـددة إلـى منظومـة مندمجـة بإحداث وكالـة وطنيـة للسلامة الصحية للأغذية تكـون مسـتقلة وتحـت إشـراف رئيـس الحكومـة.

 ويوصي المجلس بأن تتوفـر هـذه الوكالـة علـى صلاحيات موسـعة للمراقبـة والتفتيـش والجـزاء. وهـو مـا مـن شـأنه تحقيـق تحـول جـذري فـي اختصاصـات وموقـع المكتـب الوطني للسلامة الصحية، كما أوصى بالفصل بين تقييم المخاطر وتدبيرها عن طريق انشاء هيئة علمية مستقلة مهمتها الأساسية توفير الرأي العلمي من أجل ضمان استقلالية ونزاهة وحياد المعلومة المتعلقة بالسلامة الصحية للأغذية.

من جهة أخرى، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى تبسـيط المسـاطر المتعلقـة بتخويـل صفـة المنفعـة العامـة للجمعيـات العاملـة فـي مجال حماية المسـتهلك، وذلـك لتسـريع وتيـرة تكتلهـا فـي إطـار جامعـة وطنيـة لحماية المسـتهلك، وكذا تبسـيط شـروط الحصـول علـى الاذن الخـاص بالتقاضـي، الـواردة فـي المرسـوم رقـم 18.895 ،المطبقـة علـى جمعيـات حمايـة المسـتهلك غيـر المعتـرف لهـا بصفـة المنفعـة العامـة، وإشراك جمعيات حماية المستهلك في الوساطة بين المستهلك ومقدمي الخدمات أو السلع

 جدل يتجدد

 ليست المرة الأولى التي يصدر فيها تقرير من جهة رسمية يسلط الضوء على المخاطر المحدقة بالمواطن المغربي بسبب غياب أو ضعف المراقبة للمنتوجات الغذائية، فقد تطرق التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2018، الذي أعلن عنه في سبتمبر من العام الماضي.

وأشار التقرير أنه  عكس المنتجات المعدة للتصدير، التي تمر بالضرورة عبر محطات التعبئة، والتي تخضع لمراقبة صارمة لبقايا المبيدات الزراعية، فإن المنتجات الموجهة للسوق المحلية لا تشملها هذه المراقبة".

وسجل التقرير أنه "لم يتم إنجاز سوى مخطط واحد لرصد بقايا المبيدات في الفواكه والخضر والنباتات العطرية وذلك من قبل موظفي الأقسام الإقليمية لمراقبة المنتجات النباتية أو من أصل نباتي. ويكتفي هذا المخطط بالمراقبة عند نهاية سلسلة التسويق فقط، حيث تتم هذه المراقبة أساسا في أسواق الجملة للفاكهة والخضروات والأسواق الممتازة".

ويسجل التقرير أيضا قلة العينات المأخوذة وعدم تعميمها على كامل التراب الوطني، ويقدم مثالا بأنه خلال  الفترة 2014-2016، لم يتم تحليل أي عينة في كل من جهة طنجة-تطوان ومراكش-آسفي وبني ملال وفاس-مكناس. كما اقتصرت العينات المأخوذة سنة 2016 على النباتات العطرية ولم تشمل الفواكه والخضروات.

من جهته، سبق لعزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أن رفض الانتقادات التي وجهها له المجلس الأعلى للحسابات.

ونفى أخنوش أن تكون الفواكه والخضر الموجهة للاستهلاك الداخلي غير مراقبة، وقال في جلسة برلمانية في فبراير 2019 " نحن نراقب الضيعات الفلاحية بأكملها ولا نفرق بين الفواكه والخضر المعدة للتصدير والموجهة للاستهلاك الداخلي".

واعتبر أخنوش أن النقاش الذي أثير حول عمل المكتب الوطني للسلامة الصحية ينطبق عليه المثل القائل "طاحت الصمعة علقو الحجام".