يعيش خمسة مغاربة عالقين في إيثيوبيا وضعا نفسيا صعبا، خاصة وأن الحكومة المغربية، وبعد ثلاثة أشهر من الإغلاق، أعلنت عن خطوات لإجلاء المغاربة العالقين في الخارج، لكن في فقط في بعض الدول الأوروبية ومنطقة الخليج.
خذلان بلد
ويعيش المنتج والمخرج التلفزي المغربي هشام شاهين وضعا نفسيا صعبا، بعد أن عاد كل العالقين الذين رافقوه في مهمة تصوير برنامج فرنسي شهير، إلى بلدانهم، وبقي هو رفقة مغربية ثانية، تشتغل كتقنية في الفريق، في إيثيوبيا.
وقال شاهين لـ"تيلكيل عربي" إن الإحساس الأصعب الذي عاشه في هذه التجربة، هو تخلي بلاده عنه، ويقول "عرف تدبير ملف ما أصبح يعرف بالمغاربة العالقين بالخارج، ارتجالية إلى أقصى الحدود، وطبعته اللامسؤولية، وتقرر لهذا الملف منذ البداية أن يكون مشكلا ثانويا، بعيدا عن الأولويات، وتم تأجيل البت في هذا الموضوع مرارا و تكرارا، و كان انعكاسا حقيقيا لمستوانا الديمقراطي، حكومة وشعبا، فعندما يتقرر ترك 32000 مواطن مغربي جلهم يؤدون ضرائب للدولة، ويفتخرون بانتمائهم لهذا الوطن، فهذا عبث ما بعده عبث، قرار قاس وظالم لكل من كُتب له أن يكون خارج المغرب".
لا يخفي شاهين اندهاشه مما يسميه بالعبث السياسي، بعد مرور أزيد من ثلاثة، ويقول "تواجدي داخل غرفة، بعيد عن عائلتي يفرض علي استشعار هذا العبث في ما مكان وكل لحظة، وأتفهم أن المرحلة استثنائية وكورونا أحرجت دولا كبيرة".
يرى شاهين أنه كان على الحكومة أن تنقذ ماء وجهها على الأقل، عبر إعادة ، أعداد جد محدودة من الحالات المستعجلة، الأمهات المرضعات، المرضى، الشيوخ، وذلك في الأسابيع الأولى من الإغلاق.
يعتبر هذا المنتج المغربي، أنه عندما يتذكر حجم هذا الإهمال وعدم تحمل المسؤولية من طرف المسؤولين المغاربة، يشعر بإحراج حقيقي، خصوصا أمام أسئلة زملائه الذين تركونه في المطار، قبل ثلاثة أشهر، إذ أعيد أزيد من 80 شخصا من 14 جنسية إلى بلدانهم، بينما بقي هو ومغربية ثانية عالقين في أديس أبابا، الإحراج بالنسبة لشاهين يتجلى في تكرار السؤال من طرف زملائه العائدين، ويقول "لقد كنت شديد التأكيد لهم مرارا على أن المغرب لن يتركنا، لكنه خيب أملي".
يحاول شاهين المبعد عن اسرته الصغيرة، التركيز على كل ما هو الإيجابي في هذه التجربة غير المتوقعة، يتجلى في أنها أتاحت له فرصة قراءة بعض الكتب ومشاهدة الكثير من الأفلام الوثائقية، ومكنته من خطف بعض لحظات الحب والدعم والمساندة من أناس انقطع اتصاله بهم منذ مدة.
لماذا إثيوبيا؟
وجد المنتج المغربي نفسه عالقا، عندما كان يشتغل ضمن فريق إنتاج أحد برامج تلفزيون الواقع الفرنسية، الذي تثبه قناة "إم6"، يقول "أرادت الأقدار أن أتواجد خارج المغرب وقت إغلاق الحدود، بحكم اشتغالي كمنتج ضمن شركة إنتاج أوروبية متخصصة في إنتاج برامج تلفزيون الواقع (بكين اكسبريس - نينجا واريور، إذ انطلق الإنتاج في أوغندا أواخر فبراير، وكان مبرمجا أن نواصل التصوير في إثيوبيا، لكن بمجرد وصول طاقم التصوير المكون من أزيد من 80 شخصا من مختلف جنسيات العالم، إلى إثيوبيا، تقرر توقيف المشروع بسبب كورونا، ليتصادف قرار التوقيف بقرار المغرب إغلاق الحدود الجوية للمملكة. لتبدأ قصتي كمغربي عالق خارج المملكة".
ويوضح شاهين "حاولنا العثور على طريقة لإيجاد رحلة متبقية عبر دول أخرى، رفقة المسؤولين عن الحجز ضمن طاقم التصوير، لكن دون جدوى",
ويضيف "تواصلت مع سفيرة المغرب في أديس أبابا، السيدة نزهة محمدي علوي، شرحت لها أنني، رفقة سيدة مغربية، تشتغل أيضا رفقة طاقم التصوير، نتواجد في "گوندار"، على مقربة من الحدود السودانية، نصحتني، دون تردد وبكل لطافة، بالقدوم لأديس أبابا في أقرب وقت".
تبعد غوندار الواقعة جنوبا بـ656 كيلومترا عن العاصمة، حينها جرى إعلان حالة الطوارئ بالبلاد، يحكي شاهين "وصلنا لأديس أبابا عبر رحلة خاصة، بدأنا نستشعر حساسية الوضع من خلال الإجراءات والمعاملة "الغير عادية" في مطارات إثيوبيا، سخِرت "مازحا" مع زميل لي أرجنتيني "أبيض" أثناء تواجدنا في منطقة المعاينة الصحية داخل المطار، بعدما كان واضحا أن الموظف أكثر صرامة وتشددا مع زميلي الأرجنتيني، عكس طريقة تعامله مع الأفارقة، أو معي مثلا، سألني زميلي عن رأيي في ما وقع، فأجبته أنه من المفيد أن نتبادل الأدوار أحيانا.. ! ودّعنا زملاء العمل، وهم مستغربين من هذا الوضع، لكن بالمقابل كنا متفائلين بأن الأمور ستُحل عاجلا أم آجلا".
يقيم المغاربة الخمسة اليوم في فندق على مقربة من السفارة المغربية، حيث فترة الحجر الصحي، بعدما قضوا فترة الحجر الصحي في البلد الواقع شرق إفريقيا، "أتذكر أنها كانت الفترة الأصعب في كل هذه المدة، مشاكل نفسية وجسدية، لم تكن أبدا سهلة، قررت أن أتقاسمها مع طبيب كندي مختص اقترحته علي شركة الإنتاج... وأيضا بدعم معنوي من زوجتي، ابنتي، السفيرة، العائلة، ومن مجموعة من الأصدقاء ..، لا تكفيني الكلمات للشكر، وأتألم لسماع حالات مغاربة عالقين يعانون دون أن يجدوا يدا لتساندهم، لا أستطيع تخيل حالتهم النفسية، "الله يحسن العون" !!
يعتبر شاهين أن التجربة جد قاسية، على نفسية أي إنسان، خاصة ما سماه التدبدبات السيكولوجية اليومية، ذلك الخوف، المتسرّب من الانتظار، و اللاشيء، والصراع الداخلي، اليومي، للحفاظ على الطاقة الإيجابية لمواصلة التجربة.
يرى شاهين أن ما يميز إقامته الجبرية في إثيوبيا هو تجربته مع الآخر، أو أفراد من الشعب الإثيوبي، يقول "إنه شعب فخور بانتمائه العرقي والجغرافي، ويعتقد الكثيرون منهم، حسب تجربتي الشخصية، أن "كورونا" متعلقة أساسا بالأجنبي، رأيت مرارا و تكرارا إثيوبيين مجتمعين دون "كمامة" بمجرد مروري قربهم يرتدونها، فأبتسم خلف "قناعي" أحينا كثيرة، وفي بعض الأحيان أشتم في قرارة نفسي كل الظروف و المتسببين لي في هذا الوضع".