في هذا الحوار مع "تيلكيل عربي" , يتحدث محمد أمكراز, وزير الشغل والادماج المهني, عن سياق وتفاصيل صدور مرسوم عقد الشغل محدد المدة، كما يقدم حصيلة عمل وزارته خلال فترة الطوارئ الصحية.
أصدرتم مؤخرا مرسوما يحدد القطاعات والحالات الاستثنائية التي يمكن فيها إبرام عقد الشغل محدد المدة في أي سياق يأتي هذا المشروع؟
اشكركم على هذه الفرصة التواصلية ، واهنئكم وجميع قرائكم بمناسبة عيد الاضحى المبارك .كما اغتنم هذه الفرصة لأجدد تهانئي الخالصة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة حلول الذكرى 21 لعيد العرش المجيد وكذا بمناسبة عيد الأضحى المبارك, سائلا الله تعالى ان يحفظه ويمتعه بالصحة والعافية.
في البداية لا بد من التاكيد على الأهمية القصوى التي يكتسيها هذا المرسوم الذي طال انتظاره منذ سنة 2004 وهو حدث استثنائي ، نشكر جميع من ساهم في اخراجه الى حيز الوجود بصيغته النهائية . والتي حاولنا من خلالها الحفاظ على التوازن في معادلة مصالح المشتغلين والمشغلين .
و تأتي المصادقة على هذا المرسوم في إطار التجاوب الفعلي مع الالتزامات الواردة في الاتفاقات الناتجة عن جولات الحوار الاجتماعي والتي كان آخرها الاتفاق الثلاثي الموقع بتاريخ 25 أبريل 2019، كما يندرج ضمن استكمال الترسانة القانونية للتشريع الوطني من خلال العمل على تفعيل مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 16 من القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل .
وقد تم إعداده وفق مقاربة توافقية و تشاركية مع الشركاء الاجتماعيين حيث استطعنا والحمد لله أن نصل الى نقطة توافق بين جميع الاطراف ، تجسدت في الصيغة النهائية للمرسوم التي اؤكد على أن فيها إبداعا واجتهادا استثنائيين .
و ذلك بهدف الحيلولة دوك ترك المجال لأطراف العلاقة الشغلية في تكريس بعض الممارسات التي قد تساهم بشكل كبير في تكريس الهشاشة في الشغل في غياب أي نص قانوني ينظم تلك الممارسات وفي ظل قصور اتفاقيات الشغل الجماعية في هذا المجال.
ما هي ضمانات عدم استغلال هذا المرسوم للمس بحقوق الأجراء؟
إن مقتضيات المرسوم جاءت من جهة للحد من القراءات والتأويلات المتضاربة لمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 16 من مدونة الشغل، وبالتالي الحد من إمكانية اللجوء إلى عقود الشغل المحددة المدة في مجالات وحالات غير مقننة مما ينعكس سلبا على استقرار العلاقات الشغلية، ويعتبر هذا المرسوم ضمانة لحماية حقوق طرفي العلاقة الشغلية عبر تقنين الحالات التي يتم اللجوء فيها إلى هذه النوعية من العقود.
كما أن الحالات المنصوص عليها في هذا المرسوم جاءت على سبيل الحصر منها ما هو مستقى من مقتضيات مدونة الشغل وبعض القوانين الأخرى ذات الصلة، لاسيما منها تلك المنصوص عليها في المادة الأولى منه والتي جعلت استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم داخل المقاولة كأساس للجوء لبعض الحالات الواردة في المادة المذكورة.
سمحتم بإبرام عقد الشغل المحدد المدة لمدة سنة ألا تعتبر هذه فترة كبيرة ويمكن أن تكرس الهشاشة الاجتماعية في صفوف الأجراء؟
لابد من الاشارة الى ان الاصل في التعاقد في مجال العلاقات الشغلية هو العقود غير محددة المدة وهو المنطق المكرس بمقتضى مدونة السغل ، ولا يمكن اللجوء الى ابرام عقود الشغل محددة المدة إلا استثناءا في الحالات المحددة في المادتين 16 و 17 من نفس المدونة وفي الحالات المحدة بالمرسوم موضوع سؤالكم. وأظن أن المرسوم سيساهم في وضع حدود دقيقة ومعلومة لدى الجميع بين مجالي النوعين من التعاقدات ، عكس الفراغ التشريعي في هذا المجال منذ سنة 2004 الذي يتيح الإمكانية لممارسات تعاقدية تخل احيانا بالتوازن المفروض في عقود الشغل بين مصلحلة الاجير والمشغل .
كما تجدر الاشارة ايضا إلى أن تدقيقنا للآجال في المرسوم على عكس الحالات الواردة في المادة 16 كان مقصودا وكان الغرض منه هو ضبط هذا المجال بكيفية دقيقة لا تسمح بممارسات مناقضة لروح النص .
كما يجب التاكيد على أن تحديد أجل سنة في بعض الحالات الواردة في المرسوم هو تقدم كبير مقارنة مع مقتضيات المادة 16 نفسها والتي لم تحدد اي أجل في الحالات الثلاث التي أوردتها ، وهو ما يجعل الإمكانية مفتوحة ولا يمكن أن يلتزم المشغل باي أجل لم يلزمه به القانون . كما ان الوقوف عند أجل سنة ليس بجديد ويجد اساسه في مقتضيات المادة 17 من مدونة الشغل.
وبالتالي، فإن الحديث عن تكريس الهشاشة لا يستقيم وأن المرسوم جاء بالعكس من ذلك لسد فراغ يتيح الفرصة احيانا لممارسات مناقضة لروح وغاية المشرع في مدونة الشغل التي تتجلى في فرض الاستقرار والطمانة في مجال العلاقات الشغلية كما سبق أن اشرت لذلك
بدأتم حوارا اجتماعيا مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب تزامنا مع جائحة فيروس كورونا أين وصل هذا الحوار؟
بالفعل يشكل الحوار الاجتماعي آلية أساسية لا محيد عنها، ضمن مقاربة الحكومة في تدبيرها لمختلف الأوراش المتعلقة بإعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، حيث تولي الحكومة عناية بالغة للحوار والتشاور، وذلك تفعيلا لمقتضيات الدستور خاصة الفصلين 8 و 13 منه.
وقد عملت الحكومة في إطار تنفيذها لالتزاماتها الواردة في اتفاق 25 أبريل 2019، على تفعيل اللجنة العليا للحوار الاجتماعي من خلال عقد اجتماعين برئاسة السيد رئيس الحكومة بتاريخ 30 مارس و30 ماي 2020 خصصا لمناقشة تداعيات وآثار جائحة كوفيد-19 على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، كما سبق أن ترأست في 24 يونيو الماضي جولة تمهيدية خاصة ببحث تدابير تخفيف إجراءات الطوارئ الصحية واستئناف النشاط الاقتصادي للمقاولات، ودراسة مطالب واقتراحات كل من المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، والمنظمات المهنية للمشغلين، ذات الصلة بموضوع هذه الجولة.
وقد عرف هذا الاجتماع مشاركة مهمة لجميع الشركاء الاجتماعيين، حيث انصب النقاش بشكل أساسي حول منهجية إدارة هذه الجولة من الحوار، وبالإضافة إلى ذلك، فقد عقدت على مستوى رئاسة الحكومة جلسة أخرى للحوار بتاريخ 10 يوليوز 2020 خصصت لمناقشة الشروط الكفيلة بإنعاش الاقتصاد الوطني عبر استئناف العمل بالمقاولات مع ضمان تنافسيتها والحفاظ على مناصب الشغل بها وحماية حقوق الأجراء.
ما هي حصيلة عمل مفتشي الشغل خلال فترة جائحة كورونا؟
في إطار مواكبة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات الخاضعة لتفتيش الشغل الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، قامت وزارة الشغل والإدماج المهني بتتبع ظروف عمل العاملين بالمؤسسات التي تأثرت بهذه الأزمة، وذلك للوقوف على التدابير الاحترازية الموضوعة لهذا الغرض من طرف السلطات العمومية المختصة.
وهكذا، قامت وزارة الشغل والادماج المهني طيلة مرحلة الحجر الصحي بتأطير عمل مفتشية الشغل من خلال إصدارها للعديد من الدوريات والمذكرات التوجيهية ومجموعة من الدلائل البروتوكولات والتي تتلاءم مع كل مرحلة من مراحل تطور هذا الوباء ببلادنا.
وقد انصبت جهود اعوان تفتيش الشغل في البداية على التحسيس والتوعية من المخاطر الناجمة عن هذا الفيروس وضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية التي أقرتها السلطات العمومية، حيث بلغ عدد المؤسسات التي تمت مواكبتها بالنصح والإرشاد والتحسيس من طرف مفتشي الشغل حول التدابير الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا، خلال الفترة الممتدة من 13 مارس إلى 14 أبريل 2020، مامجموعه 6.761 مؤسسة.
و تم إحداث لجان إقليمية بعد ذلك ابتداءا مز 15 ابريل للوقوف على مدى احترام المقاولات التي لازالت تواصل عملها أو تلك التي استأنفت نشاطها للإجراءات الاحترازية والوقائية المتخذة للتصدي لهذا الوباء.
وقد اعتمدت هذه اللجان في عملها على أهم التدابير المتضمنة في المسطرة المعدة بين وزارة الشغل والإدماج المهني ووزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي.
وبلغ عدد المؤسسات التي نظمت لها زيارات ميدانية من طرف تلك اللجان الاقليمية المشتركة بين مصالح وزارة الداخلية ووزارة الشغل والإدماج المهني ووزارة الصحة وو الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، وكذا من طرف أعوان تفتيش الشغل، خلال الفترة الممتدة من 15 أبريل إلى 23يوليوز 2020، ما مجموعه 31.894 مؤسسة.
وقد أسفرت الزيارات الميدانية المنجزة من طرف كل من اللجان المشتركة، واللجان الإقليمية المختلطة، وكذا أعوان تفتيش الشغل، عن التحقق مما مجموعه 356.101 تدبيرا، 301.689 منها تم احترامها من قبل المقاولات التي تمت مراقبتها، و54.412 تدبيرا لم يتم احترامها.
يلاحظ اتساع رقعة البؤر المهنية في الآونة الأخيرة، ما هي الإجراءات التي سيتم اتخاذها لمحاصرة فيروس كورونا؟
لا بد من التذكير بداية بأن السلطات العمومية اتخذت عدة تدابير احترازية للحد من انتشار فيروس كورونا ، كما اعدت العديد من الدعامات البيداغوجية التي من شأنها أن تساعد أجهزة المراقبة على القيام بعملها على الوجه المطلوب .
وللوقوف على مدى احترام المؤسسات العمومية للإجراءات الاحترازية قام أعوان تفتيش الشغل بشكل فردي أو في اطار لجان مشتركة تضم الداخلية الصحة والصناعة والتجارة بعمل جبار، ولا أدل على ذلك عدد الزيارت المنجزة لهذه المؤسسات خلال فترة الحجر الصحي الشمار اليها في الجواب عن السؤال أعلاه.
إن اتساع رقعة البؤر المهنية في الآونة الأخيرة يجد تفسيرها من جهة في توسيع نطاق الفحوصات المنجزة والتي تتم بشكل استباقي وقبل ظهور اعراض المرض على الأجراء، ومن جهة أخرى الى قرار الحكومة بتخفيف إجراءات الحجر الصحي لإنعاش الاقتصاد الوطني. وقد ترتب عن هذا القرار الغاء القيود على التحركات المواطنين والأجراء مما سمح للفيروس من الانتشار من جديد في ظل مظاهر التراخي وعدم تقيد المواطنين بتدابير الحجر الصحي.
لكن هذا لا يمنع ان اللجان الاقليمية تتدخل بصرامة اثناء مراقبة فضاءات العمل ووصل الأمر في الكثير من الحالات إلى إصدار قرارات بإغلاق المؤسسات ولا يسمح بإعادة فتحها إلا بعد توفير جميع شروط السلامة داخل فضاءاتها .
بل الاكثرمن ذلك فكما تابعتهم فقد تمت إحالة ملفي كل من لالة ميمونة واسفي على القضاء بعد ان اتضح أن هناك بعض الاخطاء التي تستوجب المساءلة القانونية .
لكن في المقابل لابد من الإشارة الى ان المعركة ضد كورونا هي معركة طويلة وتتطلب وعيا جماعيا بالمخاطر الناجمة عن هذا الفيروس سواء في البعد الاجتماعي أو الاقتصادي او على مستوى الأمن الصحي .
لذا فان التقييد بالتدابير المتخذة من قبل السلطات العمومية امرا لا محيد عنه وهو السلاح الوحيد الى حدود الساعة في المعركة ضد هذا الوباء .