سيمت باك؟
محمد
سيمت مك؟
خيرة
بعد شهور طويلة من الحجر الصحي، صار بإمكان المغاربة اليوم التحرك بكل حرية (تقريبا). هل تمكنت من تقييم الأضرار لحقت الصحة النفسية لمرضاك جراء الحجر الصحي؟
الأضرار كانت ملموسة، خاصة عند اقتراب نهاية الحجر الصحي. فالمرضى الذين كانوا قد تمكنوا من تحقيق نوع من الاستقرار في حالاتهم النفسية، أحسوا بعودة الأعراض السابقة. وهناك أناس آخرون لم يكونوا يعانون من أي مشكل نفسي معين، ولكنهم تأثروا بالحجر الصحي وأخذت تظهر عليه بعض الاعراض النفسية.
ما هي الأمراض الأكثر شيوعا التي رصدتها؟
الأمراض التي رصدتُها هي القلق المتولد عن الخوف من كوفيد 19. فالخطر الذي يشكله هذا الفيروس كان مصدر كل المخاوف. هناك أشخاص آخرون ظهرت لديهم أعراض الذهان. بعضهم ألف قصصا مليئة بالهذيان حول الفيروس التاجي. باختصار، هذه الأزمة الصحية تشكل عدوانا كبيرا على الكائن البشري. لم يكن أي أحد مستعد لها أو يتوقعها.
الانغلاق الطويل وضع لا يقبله نظامنا النفسي. صحيح، أننا قادرون على مقاومته، ولكن لما تطول مدة هذا الانغلاق، فإن نعتبر هذه التجربة في دواخلنا بمثابة اعتداء صارخ، ويتخلخل نظامنا النفسي، وفي لحظة معينة، ننهار.
هل من الصعب التخلص من آثار هذه الأزمة الصحية؟
هناك صعوبات متوقعة، وجميع مهنيي الطب النفسي تقريبا عليهم مواجهة هذا الوضع، لا يجب أن نكذب على أنفسنا. لقد تعرضت الصحة النفسية للمغاربة إلى إجهاد كبير، ويجب علينا التعبئة والعمل على تقديم المساعدة، وتكثيف الوسائل والجهود من أجل الوقاية. فإذا لم يكن الشخص يتمتع بصحة نفسية جيدة، لا يمكن أن نتوقع منه تجاوز هذه الأزمة.
هل لاحظت لدى مرضاك أعراض متلازمة الكوخ، التي تشير إلى الخوف من مغادرة البيت؟
طبعا، أكيد. يجب أن نعلم أن بنية شخصية كل واحد منا تؤثر على ردود أفعاله. وبالتالي ما كنا عليه قبل اندلاع الأزمة الصحية الحالية يحدد بشكل كبير ردود أفعالنا تجاهها. هناك خوفان أساسيان يقضان مضجع الفرد في العصر الحديث: الموت والجنون، لأن تجربة الموت ليس متضمنة في مرجعيتنا النفسية؛ نفس الأمر بالنسبة إلى الجنون. ولهذا السبب يخشى بعض الأشخاص مواجهة العالم الخارجي.
فضلا عن الطب النفسي، أنت كذلك متخصص في التحليل النفسي.. هل زاد الحجر الصحي من مشاكل الأزواج؟
تعرضت العلاقات الزوجية لاختبار صعب جدا، فالأول مرة يضطر الأزواج إلى العيش في مواجهة دائمة. عادة، وللحفاظ على العلاقة الزوجية، نخلق عددا من الآليات، ولكن الأزمة الصحية دمرتها كلها، فوجد الأزواج بعضهم في وجه بعض. في هذه الحالة هناك حلان: تعلم التكيف مع الآخر، أو مواجهته. العديد من الأزواج فضلوا الانفصال.
شاركت في خلية للمتابعة النفسية للمرضى المصابين بفيروس كورونا، والأطر الطبية التي ترافقهم. هل كان الامر مرهقا جدا؟
دعا والي الدارالبيضاء إلى التكفل النفسي بالمرضى وكذلك الأطر الصحية التي توجد في الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس. كل وحدة تضم طبيبا نفسيا ومتخصصا في علم النفس، وطب نفس الأطفال. قررنا كذلك تكوين خلايا للاستماع لمساعدة أسر الأشخاص الذين يعانون من الأمراض العقلية.تمت تعبئة أطباء نفس وعلماء نفس ومساعدين وأخصائيين اجتماعيين لمساعدتهم في تدبير هذه الأزمة. كما أن أطباء نفس خاصين فتحوا عياداتهم مجانا لمد يد العون لهم.
هذا عمل أفتخر به، لأننا تمكنا من تقديم حلول لمشاكل معقدة جدا، ولكن للأسف ليس للجميع...
صحيح أن تجربة الجائحة سيئة كثيرا للعديد من الأشخاص، ولكن ألا يجب كذلك أن نرى في هذا الحجر، المفروض، بعض الفضائل؟
لن أقول إن تجربة كوفيد 19 سيئة، بل أراها إيجابية. فنحن نحمل في أنفسنا خطاطات مرجعية تحدد لنا طريقة التفكير والعيش، وهذه الخطاطات لا تتخلخل سوى إبان الأزمات. إن الأزمة الصحية التي نمر بها، تمنحنا فرصة إعادة النظر في علاقاتنا بذواتنا وبالآخرين.
من الضروري اليوم التفكير في خطاطات وتمثلات يمكنها أن تعوض الخطاطات والتمثلات السابقة التي كانت مدَمِّرة. أعتقد أن عصر ما بعد الحداثة كان مدمرا، ولعلنا سنعيد النظر في المبادئ التي يقوم عليها، على ضوء الجائحة.
جميل أن يكون لدينا خطاب مفعم بالأمل، ولكن وكما قال الكاتب الفرنسي ميشيل هويلبيك "لن نستيقظ، بعد الحجر الصحي، في عالم جديد؛ سيكون نفس العالم وبصيغة أسوأ قليلا"...
هذه طريقة أخرى للنظر إلى العالم. هويلبيك ليس مخطئا: بعد هذه الأزمة الصحية، سنسعى إلى تدارك الوقت الضائع. وسيتم تسريح الكثير من العمال عبر العالم، وسيُطلب من الذين يعملون العمل أكثر وأكثر. وقد تظهر استبدادات بذريعة أن الفيروس مازال بيننا. هذه احتمالات لا يجب إغفالها. ولكن وجود هذه الاحتمالات هو الذي يجب أن يدفعنا إلى البحث عن خيارات أفضل.
إذا كانت الدراسات تتوالد في مناطق أخرى بالعالم حول آثار الحجر الصحي على الصحة العقلية والنفسية، فيبدو كأننا لا نهتم بهذا الأمر هنا في المغرب. كأن أصحاب القرار والباحثين عندنا لا يعيرون هذا الامر أي اهتمام.. أليس كذلك؟
إن الصحة العقلية والنفسية ليست من أولويات حكومتنا. لماذا؟ نجد صعوبة في منحها المكانة اللائقة بها. ونفضل تحاشي النظر إلى موضوع الصحة العقلية والنفسية. عموما، لا نحب مشاهدة المريض النفسي والعقلي لأنه يعكس أمامنا صورة لا نحب أن نلبسها. نحن نميل، في نظام اشتغالنا، إلى إنكار الصحة العقلية والنفسية. أتنمى أن تتبوأ، في المستقبل، مكانة مميزة، فبدون التمتع بصحة عقلية ونفسية جيدة، لا يمكننا إنجاز أي شيء.
عن "تيل كيل"