لطالما كان أنتونيو ليناخي يحلم بـ"العودة إلى الديار" بعدما سئم من زحمات السير وكلفة العيش في مدريد، وهو انتهز إمكانية العمل من بعد التي أتاحها الوباء للانتقال إلى القرية التي ترعرع فيها.
وقد تغيرت حياته تغيرا جذريا، فبدل من أن يحشر نفسه في قطار الأنفاق صباحا، باتت مهمته الأولى في الصباح تقضي بالنزول إلى المرآب لتشغيل نظام التدفئة القديم العامل بالحطب.
وكثيرة هي المنازل الخالية من السكان في هذه القرية التي ليس فيها سوى حانة واحدة.
لكن يحلو لأنتونيو الذي حسم أمره بالعودة إلى بلدته بعد إرساء خدمة الإنترنت فيها، أن يشتري الطعام من الباعة المتجولين وليس من المتاجر الكبرى وأن يرى "أفراد العائلة بانتظام".
وهو يقول إن "العيش في القرية كله منافع، ليس بالنسبة لي فحسب، بل لمجمل السكان"، إذ يتيح الأمر حل مشكلة تكلفة الحياة المرتفعة في المدينة واكتظاظ وسائل النقل.
وليست تجربة هذا الشاب فريدة من نوعها، على قول ديانا موريه التي أسست سنة 2015 "باندورا هاب"، وهي منصة مشاريع لتنشيط المناطق الريفية لها فروع في ألمانيا وفرنسا وإندونيسيا وكمبوديا مثلا.
وهي تقول عن هؤلاء الذين تسميهم "الرحالة الرقميين" إنها "ظاهرة عالمية ونحن نتلقى طلبات من أشخاص من العالم أجمع".
غير أن صعوبة النفاذ إلى الإنترنت في إسبانيا تعيق مشاريع البعض، مثل كارمن روغادو الموظفة في مصرف في مدريد.
وتقول الشابة البالغة من العمر 36 عاما التي اضطرت للتخلي عن حلمها بالعودة إلى مسقط رأسها بسبب سوء خدمة الإنترنت فيه "يحلو لك أن تعود، غير أن الظروف تبقيك في المدن الكبرى في نهاية المطاف".
وبعد عقود من النزوح إلى المدن، باتت المناطق الداخلية في إسبانيا حيث نسبة السكان ضعيفة جدا وغالبيتهم من الكبار في السن ، تعاني من تداعيات الفجوة الرقمية.
وأفاد تقرير صادر عن نقابة "يو جي تي" أن 13 مليون إسباني من أصل 47 مليونا لا ينتفعون من شبكة إنترنت جيدة.
وتأمل الحكومة تحسين الوضع بفضل "خطة إسبانيا الرقمية 2025" الممولة من الاتحاد الأوروبي بهدف "توفير اتصال رقمي مناسب للسكان بنسبة 100 %"، وذلك في غضون خمس سنوات.
وباتت تتسنى للبلد الذي سيكون من أكبر المستفيدين من خطة الإنعاش الأوروبية "فرصة تاريخية" لتعزيز النمو السكاني في المناطق الداخلية، مثل كاستييا (قشتالة) و أراغون، المهملة منذ عقود، بحسب ما تقول خيما رومان المحللة في مجموعة "أتريفيا" الاستشارية.
لكن لا بد لتحقيق هذه الغاية من الاستثمار في تشييد المدارس والمستشفيات واعتماد "مناهج العمل المزدوج" من المنزل والمكتب، وفق هذه المستشارة التي تمضي الجزء الأكبر من وقتها في بلدة فيها مئة نسمة تقريبا على بعد أربع ساعات بالسيارة عن مدريد.
وتستقطب المناطق الساحلية، كما المناطق الداخلية في البلد، السكان الذين سئموا من نمط العيش الضاغط في المدن. فقد قررت راكيل كاراميس (38 عاما) التي تسكن في مدريد أن تنتقل للعيش في بلدة ساحلية في الأندلس اعتادت أن تمضي فيها عطلها، بعدما قاست الوحدة خلال الحجر في الربيع.
واستقالت الشابة التي تتقن لغات عدة وعملت في دبي والبرازيل وألمانيا وفرنسا من منصبها كمسؤولة إعلامية، وفي اليوم ذاته تلقت عرض عمل من سلسلة للفنادق الريفية مقر ها في مدريد.
وتخبر كاراميس "تغيرت حياتي"، منوهة بدفء العلاقات الإنسانية في المنطقة.