أعاد قرار السلطات الجزائرية بمنع فلاحي مدينة فجيج بدخول ضيعاتهم بمنطقة العرجة، التي توارثوها أبا عن جد، إحياء ذكرى انتزاع الجزائر للعديد من أراضي الفلاحين المغاربة في عدة مناطق تقع ضمن ما يسميه أبناء المنطقة بالمجال الحيوي لفجيج.
"تيلكيل عربي" التقى خلال رحلته لمنطقة العرجة بعدد من شيوخ وأبناء منطقة فجيج، الذين لازالوا يحتفظون بشهادات ملكية عدد من الضيعات التي منعوا من الولوج إليها بعد توقيع اتفاقية الحدود بين البلدين سنة 1972، وسجل شهاداتهم ومطالبهم.
وثائق عمرها أكبر من استقلال الجزائر
في بيته بمدينة فجيج، استقبلنا محمد يونس(88 عاما)، رفقة ابن عمه عبد الله يونس (75 عاما).على مائدة الشاي والحلوى، يجلس كل من محمد يونس وعبد الله يونس يتفحصان حزمة من الوثائق التي تؤكد أحقية عائلة "آيت يونس" في ملكية عدد من الأراضي التي ضمت إلى الجزائر، بعد اتفاقية الحدود بين البلدين سنة 1972.
رغم كبر سنه، لازال محمد يونس يتذكر طفولته التي قضاها بين ضيعات النخيل في منطقة المراجي بواد زوزفانة، التي سلمت للجزائر بموجب معاهدة 1972.
يقول محمد يونس، كل الفجيجين كانت لهم ضيعات من النخيل في منطقة المراجي، سواء المسقية منها أو البورية.
وبينما نحن نطرح الأسئلة على محمد يونس، طلب منا فجأة أن نمهله دقيقة من أجل جلب وثيقة تعتبر بمثابة ذاكرة للمنطقة.
لم تكن هذه الوثيقة التي يملكها محمد يونس سوى خريطة للمنطقة رسمها بخط يده حينما كان في ريعان شبابه.
يضع محمد يونس الخريطة أمامنا كي يطلعنا على المناطق التي كان تنتمي لفجيج، قبل أن ضمها للجزائر.
ويضيف بحسرة "مناطق أمسلو وأمغرور وتاسرا، وتماسينت كلها مغربية تم احتلالها"، مضيفا أنه قبل اتفاقية الحدود كان هناك تداخل كبير بين المغاربة والجزائريين، وكانت التجارة مزدهرة بين الطرفين، خاصة تجارة التمور والملابس والمواشي.
وبحسب محمد يونس، فإن عمليات التضييق على الفلاحين المغاربة ومنعهم من الوصول إلى ضيعاتهم بدأت مباشرة بعد الأحداث التي عاشها المغرب سنة 1973، والتي قادها الفقيه محمد البصري من أجل الإطاحة بالنظام الملكي.
ويضيف "دخول السلاح من ليبيا عبر الحدود الجزائرية، وتحديدا بالقرب من فجيج، دفع الجيش المغربي إلى منع الفلاحين من الوصول إلى أراضيهم التي كانوا يستغلونها، وذلك لأسباب أمنية لم يتم توضيحها".
هذه الرواية يؤكدها عبد الله يونس، لكنه يضيف أن المنع النهائي للمغاربة من الوصول إلى ضيعاتهم تم على يد الجزائر، وكان مباشرة بعد المسيرة الخضراء التي استرجع من خلالها المغرب الصحراء الغربية".
ويضيف "الضيعات التي كنا نملكها أغلبها حرقت، وضاعت منا".
ولا يزال محمد يونس يحتفظ بوثيقة تعود إلى 1945، والتي رخصت فيها السلطات الفرنسية لوالده بغرس النخيل في منطقة زوزفانة، معتبرا أن ذلك دليلا على أن الجزائريين استولوا على أرض لا يملكونها.
ملف مسكوت عنه
لم تأت اتفاقية ترسيم الحدود بين المغرب و الجزائر بمعزل عما سبقها من اتفاقيات أخرى، خاصة اتفاقية الاستيطان المبرمة بالعاصمة الجزائرية يوم 15 مارس 1963، والتي نصت في فصلها الخامس على تعهد كل من المغرب والجزائر بالاعتراف لمواطني الطرف الآخر بالممارسة الحرة لجميع الحقوق الاقتصادية والمساواة في الضرائب والحق في الملكية العقارية والمهن المنظمة. لكن محمد بوزهر، الكاتب الاقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي بفجيج أكد لـ"تيلكيل عربي" أن الجزائر عمدت إلى منع الفلاحين المغاربة من استغلال أراضيهم مباشرة بعد المسيرة الخضراء.
ويضيف "أنا شخصيا لدي ضيعتان تقعان ضمن التراب الجزائري بموجب اتفاقية 1972، ومنذ المسيرة الخضراء لم يسمح لي بالوصول إليهما"، مؤكدا أن هذا حال العديد من أبناء منطقة فجيج.
وقد دفع هذا الواقع، أبناء المنطقة إلى تأسيس جمعية من أجل إنصاف المتضررين، لكن دون جدوى.
في هذا الصدد، يؤكد مصطفى اللالي الرئيس السابق لجماعة فجيج، أن الجمعية التي تم تأسيسها من أجل الترافع لانصاف المتضررين وضعت ملف لدى وزارة الداخلية والبرلمان، والتقت بعدد من المسؤولين، لكن لم تتلق جوابا. بينما أكد عبد الله يونس، أن مسؤولين في وزارة الداخلية أخبروهم أن فتح هذا الموضوع الآن غير ممكن، طالما لم يتم طي ملف قضية الصحراء.