لجنة النموذج التنموي تضع بين يدي الملك أربع رافعات للنهوض بالتعليم

الشرقي الحرش

قدم شكيب بنموسى، رئيس لجنة النموذج التنموي أمس الثلاثاء التقرير العام للجنة إلى الملك محمد السادس.

 وحمل التقريرعددا من المقترحات من أجل "احداث نهضة حقيقية للمنظومة التربوية.

 واعتبر التقرير أن المدرسة المغربية يجب أن تمكن كل متعلم من اكتساب المهارات الأساسية لضمان اندماجه الاجتماعي، ودعم نجاحه الأكاديمي والمهني، كما يجب أن تصبح هذه المدرسة بوتقة لتكوين شباب منفتح يطور ذاته ويصنع مستقبل المغرب، من خلال تلقينه معنى الاستقلالية والمسؤولية وأخلاقيات مطبوعة بالقيم الانسانية الراسخة في الهوية المغربية وفكر منفتح وقدرة على التأقلم مع التحولات السريعة التي يعرفها العالم.

 ويرى التقرير تجسيد هذا الطموح يستدعي تجاوز الأزمة الثلاثية الأبعاد التي يعيشها النظام التربوي المغربي: أزمة جودة التعلمات التي تتمثل في عدم اثقان أغلبية التلاميذ للمهارات الأساسية في القراءة والحساب واللغات في نهاية مسارهم الدراسي، وأزمة ثقة المغاربة إزاء المؤسسات التربوية وهيئتها التعليمية، وأزمة في مكانة المدرسة التي لم تعد تلعب دورها في الارتقاء الاجتماعي وتشجيع تكافؤ الفرص، مضيفا أن أزمة كوفيد19 فاقمت عوامل الضعف هاته، حيث ساهم توقف الدراسة خلال الفترات الأولى من الحجر الصحي وضعف استعداد النظام التعليمي للتدريس عن بعد في تفاقم التفاوتات، فيما يخص مستوى تحصيل التلاميذ واضعاف أداء المنظومة التربوية بأكملها.

 وترى لجنة النموذج التنموي أنه بدون تحول عميق للنظام التربوي، لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب على مستوى ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والادماج الترابي.

 وتقترح اللجنة إعادة وضع المدرسة العمومية في صلب المشروع التنموي للمغرب.

 وفي هذا الصدد، ترى اللجنة أنه في أفق 2035 يجب أن يمتلك أزيد من 90 في المائة من التلاميذ المهارات المدرسية الأساسية عند نهاية مرحلة التعليم الابتدائي، مقابل أقل من 30 في المائة حاليا.

 وتعتبر اللجنة أن هذا الطموح يقتضي تغييرا نسقيا يشمل المحددات الأساسية لجودة التعليم  ولأجل الشروع في إرساء النهضة التربوية للمغرب.

 وبناء على ذلك، تقترح اللجنة أربع رافعات قصد الارتقاء بجودة النظام التربوي والتكوين بشكل جوهري:

أولا: الاستثمار في تكوين وتحفيز المدرسين

ترى اللجنة أن جودة أي نظام تعليمي يحددها مستوى المدرسين العاملين به، مؤكدة على ضرورة ايلاء الأهمية الكبرى لتثمين هيئة التدريس والارتقاء بكفاءاتها.

 وفي هذا الصدد، دعت اللجنة إلى إحداث مركز التميز لمهن التدريس، كآلية لتأمين الجودة، وسيكون هذا المركز جهازا مرنا يسهر على تأطير ومواكبة جودة مؤسسات التكوين الحالية المكلفة بتكوين مهنيي التعليم، مع الحفاظ على استقلالية كل مؤسسة من خلال موقعها كمنظم ومركز للخبرة ومختبر للابتكار ووكالة لرصد الوسائل تكون مهمتها ضمان جودة تكوين مهنيي التعليم عن طريق مجموعة من آليات الدعم المقدمة لمؤسسات التكوين المتخصصة.

 كما اقترحت تعميم مسار التكوين الأولي لمدة خمس سنوات على جميع المدرسين، والذي لا يشمل حاليا سوى 10 في المائة من الملتحقين الجدد بالمهنة، مع تمكين المدرسين الممارسين من تكوين مستمر منتظم واشهادي يمكنهم من تعزيز قدراتهم المهنية، وتقوية جاذبية هذه المهنة لدى الطلبة المتفوقين. مع حث المدرسين الممارسين على تحسين أدائهم عن طريق توفير المزيد من امكانيات الترقي والتطور في الأجرة المشروطة حصريا بالنتائج، داعية إلى وضع نظام جديد لتقييم المدرسين يأخذ بعين الاعتبار الأثر الملحوظ على تعلم التلاميذ وتطورهم المهني.

 ثانيا: إعادة تنظيم المسار الدراسي ونظام التقييم

في هذا الصدد، أوصت اللجنة بإنشاء منظومة متكاملة للنجاح التربوي تتضمن خمسة مكونات، تتمثل في تطوير تعليم أولي ذي جودة، عبر الاعتماد على مكونين يحظون بالتثمين ويستفيدون من تكوينات تتوج بشهادات، وتنظيم مسار التلميذ في عدة مستويات للتعلم عبر تحديد المهارات التي والسلوكيات التي يجب أن يكتسبها في كل مرحلة من مساره الدراسي قبل المرورإلى المرحلة الموالية بشكل يحد من تراكم النواقص، وذلك بواسطة آلية مستقلة وموضوعية لتقييم المكتسبات المدرسية.

 ثالثا: تجديد المحتويات والمناهج البيداغوجية

 ترى اللجنة أن المدرسة المغربية يتعين عليها اجراء تحديث عميق لبرامجها ومقارباتها البيداغوجية للانخراط كليا في القرن 21، ولذلك تعتبر اللجنة أنه من المهم القيام بتطوير البحث والتجريب في ميدان التعليم لتجديد طرق التدريس على أسس علمية، ومراجعة البرامج قصد تنمية القدرات الأفقية، لا سيما التفكير المستقل والفضول المعرفي والتواصل وروح التعاون، كما يجب أن تكون لأنشطة التفتح الثقافية والفنية والرياضية مكانة أكثر أهمية في هذه المناهج وكذا تحسين اتقان اللغات بالاعتماد على العلوم الإدراكية لتحديث طرق التدريس، مع مراجعة مراحل ادخال اللغات والانتقال اللغوي، وذلك بهدف اخضاع خيارات التدريس لمعايير الفعالية التي تحترم كيفية اشتغال دماغ الطفل الذي قد يكون حاليا معرضا لوضعية التشبع بسبب الحمولة المرتفعة من التدريس اللغوي.

 كما ترى اللجنة أن المدرسة يجب أن تنهض بدورها في ترسيخ القيم وتطوير القدرة على العيش المشترك.

رابعا: جعل المؤسسة تتحمل مسؤولياتها كي تصبح محركا للتغيير

 ترى اللجنة أنه لا يمكن تحقيق تحول للمدرسة دون اشراك جميع الفاعلين في العمليات التربوية. لذلك تقترح مقاربة تشاركية ودامجة لتدبير التغيير بهدف تجاوز حالات المقاومة وخلق دينامية للتقدم انطلاقا من أرض الواقع، ويقتضي هذا الأمر اعتماد آلية محفزة على جودة المؤسسات، على أساس تطوع الفريق البيداغوجي تحت اشراف مديره، ويمكن لعملية الاشهاد التي يتم تدبيرها من طرف هيئة مستقلة أن تفرض احترام مجموعة من الممارسات الجيدة، فيما يتعلق بتسيير المؤسسة والبيداغوجيا والحياة المدرسية، وأن تمنح بالمقابل امتيازات للمؤسسات التعليمية والمدرسين.