قال مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة: "لا يخفى على حضراتكم أن اللقاءات التنسيقية الجهوية التي تم تنظيمها من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة وتعاون مع المديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي قد استفاد منها ما يقارب 1000 مشارك ومشاركة بينهم مسؤولون قضائيون عن النيابات العامة، وقضاة التحقيق بمختلف المحاكم، ومسؤولون عن مصالح الشرطة القضائية بكل من الإدارة العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي بالإضافة إلى ضباط الشرطة القضائية".
وأضاف في كلمته بمناسبة اللقاء التنسيقي حول تنزيل التوصيات المتمخضة عن الدورات التكوينية الجهوية المنظمة لفائدة المسؤولين عن النيابات العامة وقضاتها وقضاة التحقيق وضباط الشرطة القضائية، صباح اليوم، أن "هذه الدورات التكوينية لتعكس الرغبة التي تحذونا جميعا من أجل إيجاد الصيغ المناسبة لتعزيز آليات التعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة المشرفة على تدبير العدالة الجنائية ببلادنا بهدف تجاوز كل الصعوبات التي تعترض بناء عدالة جنائية مواطنة قوية وناجعة تستجيب لتطلعات وانتظارات المواطنين، كما شكلت أيضاً مناسبة عبرت من خلالها المؤسسات الثلاث رئاسة النيابة العامة والمديرية العامة للأمن الوطني وقيادة الدرك الملكي عن وعيها الكبير بأهمية الالتقائية فيما بينهم من أجل تحقيق مختلف الأهداف والمرامي التي تدفع قدما بالعدالة المغربية والتي من بين أهمها التكوين المستمر والاعتناء بالعنصر البشري باعتباره الفاعل الأساسي في مجال العدالة الجنائية من خلال تعزيز قدراته التقنية والقانونية والمعرفية في مجال البحث والتحقيق والتحري وتحسيسه بأهمية التحلي بمبادئ النزاهة والحياد والسلوك القويم أثناء أو بمناسبة مباشرة مهامهم باعتبارها مقومات أساسية كفيلة بتعزيز منظومة القيم والأخلاقيات المهنية التي ستساهم لا محالة في تخليق الحياة العامة داخل المجتمع".
وأوضح أن "لقاؤنا اليوم يأتي من أجل تتبع ومواكبة تنزيل مخرجات الدورات التكوينية الجهوية التي انعقدت في سياق مواصلة ما تم التأسيس له بمقتضى اللقاء التنسيقي الأول المنعقد بالمعهد العالي للقضاء يومي 11 و12 يونيو من سنة 2021، حيث شكلت هذه الدورات مناسبة لبسط الاكراهات والإشكالات التي تعترض حسن سير العدالة الجنائية ببلادنا وتحد من نجاعتها، كما شكلت فرصة لتبادل الرؤى حول الحلول الممكنة لتجاوزها، لا سيما في ظل إيماننا القوي والراسخ بكون العدالة الجنائية تبقى من أهم الآليات الضامنة لسيادة الأمن والنظام والاستقرار داخل المجتمع، مما يفرض على الفاعلين في إطارها التعاطي بالجدية اللازمة والصارمة مع الجرائم المرتكبة وإيقاف مقترفيها والبحث معهم بشأنها وجمع الأدلة عنها مع مراعاة كل الضوابط القانونية المؤطرة للبحث الجنائي بما في ذلك تلك التي لها صلة بضمان حقوق المشتبه فيهم والضحايا".
وتابع: "من البديهي أنه لا يمكن لهذه الغايات أن تتحقق إلا إذا تحلي الشخص المكلف بالبحث الجنائي بمبادئ الموضوعية والحياد والتشبع بثقافة حقوق الإنسان التي تجعله قادراً على ضمان تمتيع المشتبه فيهم بكافة الحقوق الممنوحة لهم قانونا، مع ضرورة توفره على حس إنساني يمكنه من حسن استقبال المشتكين والضحايا والتواصل معهم بلطف ولين تكريسا لحق تيسير الولوج إلى العدالة، بالإضافة إلى مراعاته للضوابط الأخلاقية والمهنية أثناء مباشرة المهام المنوطة به وفق ما يضمن شفافية البحث والإجراءات المرتبطة به، ويشيع الاطمئنان لدى كافة أطراف الخصومة الجنائية".
وأورد أن "الدورات التكوينية استهدفت كذلك البحث عن الآليات الكفيلة بتجويد أساليب البحث الجنائي وتكريس مبادئ النزاهة والشرف والمروءة لدى المكلفين بإنجازها وتطوير قدراتهم بشأن إدارة البحث من خلال طريقة الاستماع وانتقاء الأسئلة الهادفة والمثمرة والبحث عن الأدلة والتفاعل الإيجابي مع كل المعطيات التي قد تفيد في النازلة موضوع التحري، وتفادي الإجراءات التي قد تعرقل حسن سيره أو تعطل مساره، وتحسيسهم بأهمية مواكبة التطور الذي صاحب ارتكاب بعض الجرائم من خلال تعزيز قدراتهم بخصوص اعتماد الأدلة العلمية والرقمية والخبرات التقنية، وكيفية أخذ العينات من مسرح الجريمة حفاظا على آثارها، خاصة إذا ما تم استحضار أهمية ذلك في فك لغز الجرائم المعقدة التي يعتمد مرتكبوها على وسائل تقنية وعلمية يصعب الكشف عنها بواسطة طرق البحث التقليدية".
وشدّد على "أهمية انعقاد هذا اللقاء التنسيقي اليوم يكمن في كونه سيؤسس لمرحلة جديدة من ضبط آليات التنسيق وتوحيد أساليب العمل بين مكونات الشرطة القضائية والنيابة العامة وسيتم استخلاص ذلك من قيمة المواضيع التي سننكب على تدارسها جميعا والتي ترتبط بالمحاور التي سبق الاشتغال عليها في اللقاءات الجهوية السابقة والمتمثلة في تدبير الأبحاث الجنائية، وتعزيز التواصل وتكريس المبادئ والقيم الأخلاقية، والبحث الجنائي وحماية حقوق الإنسان. ولقد تمت برمجة مجموعة من المداخلات في إطار هذه المحاور أثيرت من خلالها أهم الصعوبات والإكراهات التي تعيق البحث الجنائي والحلول المقترحة لذلك".
وذكر أن "النقاش انصب في المحور المتعلق بتدبير الأبحاث الجنائية على مناقشة مجموعة من القضايا المرتبطة بكيفية تجويد أساليب البحث الجنائي وإنجازه داخل أجل معقول مع احترام حقوق المشتبه فيهم والضحايا على حد سواء وفق ما تم النص عليه بمقتضى الدستور المغربي لسنة 2011 وقانون المسطرة الجنائية وباقي القوانين ذات الصلة، مع استلهام أهم الممارسات الفضلى وتعميمها على كافة مصالح الشرطة القضائية بكل أصنافها".
بالإضافة إلى "التطرق لأبرز الاجتهادات القضائية المرتبطة بالبحث الجنائي، وكذا مناقشة أهمية الدليل العلمي في إنتاج عدالة سليمة من الخطأ خاصة في ما يتعلق بالجرائم التي يعتمد منفذوها على الوسائل الحديثة والتكنولوجية، إلى جانب إثارة الصعوبات التي تصاحب تدبير برقيات البحث والمرتبطة أساسا بمحدودية تنظيمها القانوني مما يفرض تدخلا تشريعيا لتجاوز هذا الإشكال".
وأوضح أنه "أما في ما يتعلق بالمحور الثاني الذي خصص لموضوع في غاية الأهمية فيتعلق بتعزيز التواصل وتكريس المبادئ والقيم الأخلاقية. حيث تم التأكيد خلاله على اعتبار التواصل مع المرتفقين والإنصات لتظلماتهم بمهنية سواء من طرف المسؤولين عن النيابات العامة وقضاتها، أو من طرف ضباط الشرطة القضائية من ضمن الواجبات المفروضة عليهم انطلاقا من وظيفتهم المتجسدة أساسا في خدمة مرتفقي العدالة وحفظ حقوقهم، كما تعد من بين المداخل الأساسية لمحاربة ظاهرة السمسرة والنصب التي تستهدف المواطنين بسبب نقص التواصل من طرف أجهزة العدالة".
وأورد: "بينما اهتم المحور الثالث بمعالجة موضوع البحث الجنائي وحماية حقوق الإنسان حيث تم استعراض أهم الحقوق المكفولة للمشتبه فيهم بمقتضى المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها المملكة المغربية، وأخذتها بعين الاعتبار في دستورها وقانون المسطرة الجنائية والتي يتعين مراعاتها من طرف الأجهزة المكلفة بالبحث الجنائي، والتي في حال الإخلال بها تكون المملكة المغربية محل مساءلة من طرف الآليات الأممية المختصة، وهو ما يفرض التعاطي بإيجابية تامة مع كل الحقوق الواجبة للمشتبه فيهم وكذا الضحايا".
وأكد أنه "بحكم العناية الواجبة للمرأة والتصدي لكل الاعتداءات التي تتعرض لها مادية كانت أو معنوية، فقد تم التأكيد على أهمية البحث الجنائي في ضمان حقوق المرأة والطفل المرتبطة بحمايتهما الجسدية والمعنوية في إطار ما ينص عليه القانون. ولقد خلصت أشغال هذه الدورات التكوينية إلى مجموعة من التوصيات والمخرجات التي تضمنت جملة من المقترحات لتجاوز المعيقات العملية بناء على التجربة المهنية التي راكمتموها طيلة مدة اشتغالكم وممارستكم لمهام الشرطة القضائية. وهذه الحلول تم اعتمادها ضمن التقارير الختامية الخاصة بكل دورة تكوينية وكذا التقرير التركيبي الشامل لكل هذه الدورات".