خلص المؤلف الجديد للباحث في حقوق الإنسان، عبد الرحمان علال، الذي يحمل عنوان: "الإسلاميون المغاربة وحقوق الإنسان: تحولات الخطاب والممارسة"، الصادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، في 504 صفحات، الذي نال بموجبه شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، إلى أن "مسارات الإسلاميين المغاربة اختلفت اختلافا شديدا، ليس فقط في تقديرات الدعوة أو السياسة، بل أيضا، وهذا هو الأهم، في كيفيات التعاطي مع منظومة حقوق الإنسان والتفاعل مع قضايا الحريات، سواء على مستوى الخطاب والتصور، أو على مستوى السلوك".
الحركة والحزب
وأوضح الدكتور عبد الرحمان علال في كتابه، أنه "كان من نتائج الإدماج السياسي لحزب العدالة والتنمية، ومن خلفه حركة التوحيد والإصلاح، إعادة النظر في جملة من اليقينيات المؤسسة، حيث اختفت بفعل ذلك شعارات تستقي من سردية الإسلام هو الحل، وأصبح الخطاب الدعوي والسلوك السياسي للحزب والحركة أقرب إلى التنسيب منه إلى اليقين والوثوقية".
ومما استشهد به الباحث حول هذا التحول الذي حصل لحزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، قوله: "أبان حزب العدالة والتنمية عن مرونة في موقفه من حرية المعتقد، من خلال طرح منفتح في متن أطروحة المؤتمر الوطني السابع (2012)، يقوم على قاعدة لا إكراه في الدين، رغم أن هذا التصور يتناقض مع السلوك السياسي الذي عبرت عنه قيادة الحزب إبان الوقوف في وجه الأصوات الداعية إلى التنصيص على حرية المعتقد في صلب دستور 2011".
وأفاد بأن "استدعاء خطاب المرجعية الإسلامية لدى حزب العدالة والتنمية بقي منحصرا في لحظات الأزمات التي يمر منها حزب العدالة والتنمية، من خلال تأكيده على الولاء للملكية من منطلق كون طاعة ولي الأمر من صميم المرجعية الإسلامية، أو بسبب بعض الانزياحات السلوكية للأفراد من قادة الحزب. غير أنه يصعب الجزم حول ما إذا كان الأمر ينبع من قناعة راسخة وإيمان عميق، أم يتعلق فقط بظرفية فرضتها تعقيدات السياسة في المغرب، ثم العودة إلى تبني خطاب مصادم للحقوق والحريات كلما تواجد الحزب في صفوف المعارضة".
جماعة العدل والإحسان
وسجل أنه "على عكس منتدى الزهراء للمرأة المغربية ومنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، تبدو الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان كأنها منكفئة على نفسها، وكونها تأسست من أجل الدفاع عن قضايا الجماعة وأنصارها، دون غيرها من الملفات الحقوقية في الداخل والخارج. ولعل هذا الأمر متصل بالوضع القانوني لجماعة العدل والإحسان، ففي الوقت الذي تصفها الدولة بأنها هيئة محظورة، تتمسك الجماعة بكونها محدثة وفق ظهير الحريات العامة وليست على خلاف مع القانون الجاري به العمل، وهو الأمر الذي ربما يعيق تبنها لعدد من الملفات، والتواصل مع ذوي المصلحة، والولوج إلى التمويل العمومي ومنح التعاون الدولي. والحضور في الإعلام العمومي".
وأبرز أن "الهيئة الحقوقية للجماعة تأسست أول الأمر قصد مواكبة المظلومية التي تطال الجماعة من خلال استهداف وجودها المادي، وحرية أعضائها، واستدامة أنشطتها، فترافعت الهيئة حول عدد من الملفات (طلبة العدل والإحسان الاثنا عشر، وقضية البيوت المشمعة، وقضية إعفاء أطر الجماعة، وقضية حرية الاعتكاف وغيرها)".
ولفت الانتباه إلى أنه "لا أحد ينكر أن الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان سجلت حضورا لافتا في مواكبة محاكمات عدد من نشطاء الحراكات الاجتماعية التي عرفها المغرب (الريف، جرادة، تندرارة)، من خلال تعبئة لفيف من المحامين الأعضاء في الجماعة أو هيئتها الحقوقية، كما أن الجماعة بدت أكثر تنسيقا مع الفاعلين الحقوقيين، حيث تجمعها بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثلا علاقات تعاون وتنسيق، فالجمعية لا تردد في فتح أبوابها للجماعة ولهيئتها الحقوقية من أجل عقد الندوات الصحفية، كما أن اسم خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية، كثيرا ما يتكرر في لجان التنسيق في القضايا ذات الصلة بالجماعة".
وأشار إلى أنه "إذا كانت الهيئة الحقوقية تبدي اجتهادا في تبني القضايا الحقوقية الخاصة بالجماعة، فإن الخلاف النظري حول عدد من الإشكاليات المطروحة في فكر مرشد الجماعة مازال قائما، ويعد أحد التحديات المطروحة على الجماعة وهيئتها الحقوقية، خصوصا رفض مرشدها للمنشأ الفلسفي لفكرة حقوق الإنسان، ووصفه بأنها منظومة غريبة ودخيلة عن الثقافة الإسلامية، وتشدده إزاء حرية المعتقد مهما كان المخالف في العقيدة نزيها في الحلق، بحسب تصور المرشد عبد السلام ياسين".
التيار السلفي
وشدد على أن "الناظر اليوم إلى مواقف السلفيين المغاربة يقف بجلاء عند طبيعة التحول الذي عرفته تصوراتهم بخصوص الحقوق والحريات، مقارنة مع المواقف التي سبق أن عبروا عليها قبل أحداث 16 ماي 2003 التي كانت حدثا فارقا في مسار التيار السلفي ووجوده".
وأكد أنه "إذا كان التشظي التنظيمي سمة ثابتة لدى التيار السلفي قبل أحداث 16 ماي 2003 وأيضا بعد تجربة السجن، فإن الجامع بين مكونات هذا التيار هو رفض جزء منه للمنظومة حقوق الإنسان بإطلاق، ثم رفض مشمولاتها وحواضنها الأخلاقية والفلسفية من ديمقراطية، ودساتير، ونظم وتشريعات ومؤسسات، فالتيار السلفي ظل يرفض الديمقراطية ويعدها صنما يعبده الناس من دون الله، ويكفر بالدساتير والقوانين ويصفها بأنها تحاكم إلى الطاغوت، وبالتالي كل ما يتأسس على ذلك من حقوق وحريات، سواء تعلق الأمر بالحق في المعتقد أو باقي صنوف الحريات الفردية".
وأوضح أنه "لم يكن الباعث وراء تأسيس تنظيمات حقوقية ذات مسحة سلفية، اكتمال في الفكر أو نضج في التصور حول الحقوق والحريات، بل إن ذلك فرضته صدمة 16 ماي 2003 ومحاولة التكيف مع واقع السجن المستجد، لذلك انصب شطر من المجهود البحثي في هذا العمل نحو توثيق تجارب التنظيمات الحقوقية السلفية".
ونبه إلى أن "طريقة تعاطي جزء من السلفيين المغاربة مع القضايا المجتمعية تحيل إلى تحول واضح حصل لديهم بعد تجربة السجن، حيث يتضح الحذر - حد التهرب - من بسط عناصر الحكم الشرعي. فمثلا بالنسبة للفزازي، بدا حذرا جدا أثناء المقابلة البحثية وهو يجيب عن السؤال المرتبط بالحكم الشرعي حيال الممارسة الجنسية المثلية، مكتفيا بالتوصيف الشرعي للنازلة، وعندما تسأله عن الحكم الشرعي، يطلب توجيهه إلى الهيئات الرسمية المخول لها الإفتاء بقوة الدستور، ممثلة في المجلس العلمي الأعلى، في وقت كان فيه الفزازي، قبل تجربة السجن، يتصدر الفتوى ويوزع الأحكام الشرعية ذات اليمين وذات الشمال. الأمر نفسه ينسحب على عمر الحدوشي، الذي اكتفى بتوصيف موضوع المثلية في علاقتها بمفهوم الحرية، داعيا القائمين على الشأن الديني في البلاد إلى التدخل، دون أن يسمي جهة معينة بالاسم، كما حصل مع الفزازي، الذي اعتبر المجلس العلمي الأعلى صاحب الولاية في مجال الإفتاء".
وأوضح أن "ما كان مفاجئا في موضوع الحكم الشرعي بخصوص المثليين، هو موقف عبد الكريم الشاذلي، فالرجل رغم انخراطه في مجموعة من المراجعات الفكرية داخل السجن، ورغم أنه انخرط في حزب سياسي يستقي مضامينه من القانون الوضعي ومقتضيات الاجتماع الإنساني، لكنه بخصوص المثلية يقول: "الأمر فيه ضرب للإسلام، لذلك أنا ضدهم. موضوع المثليين أحتكم فيه إلى شرع الله عز وجل، اقتلوا الفاعل والمفعول به، ولا يوجد من يناقشني في هذا الموضوع لأنها مسألة أصلية. أدعو الدولة إلى تطبيق شرع الله في هذا الموضوع. المثليين، ها هو حكم الله عز وجل فيهم. أنا ليست لي سلطة لأحكم عليهم أو أدعو عموم الناس إلى تطبيق الشرع فيهم؛ لأنني لست دولة".
وأورد أن "موقف عبد الكريم الشاذلي من المثليين، يبقى الأكثر جذرية بين جمهور شيوخ السلفية، وأيضا الأكثر وضوحا، لكن جزءا من التحول لدى الشاذلي هو الانتقال من الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد، إلى تحميل الدولة مسؤولية ذلك، وهو تحول عميق لدى العقل السلفي، من خلال استيعاب أن الدولة هي صاحبة توقيع العنف المشروع".
قضايا الكتاب
ودرس الكتاب عدة محاور كبرى منها، "التقاطب الحاد بين الإسلاميين والعلمانيين المغاربة بخصوص القضايا الخلافية في مجال حقوق الإنسان، منذ معركة خطة إدماج المرأة في التنمية، وواقعة تسونامي، والجدل حول الحريات الفردية والحريات الجنسية، وحرية المعتقد، وحرية التصرف في الجسد، والموقف من الفن".
وينصرف هذا المحور لدراسة تصور مؤسس جماعة العدل والإحسان، وموقف كل من شيوخ السلفية الست، وتصور حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، للمسألة الحقوقية".
ووثق المؤلف "التجارب الحقوقية للإسلاميين والسلفيين، من خلال دراسة تجارب الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، ومنتدى الزهراء للمرأة المغربية، ومنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، والتنظيمات الحقوقية السلفية، مثل اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، وجمعية النصير للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، وغيرها. ويهتم هذا المحور برصد وتحليل علاقة كل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية بمنتدى الزهراء ومنتدى الكرامة، مواقف التنظيمات الحقوقية السلفية من حقوق الإنسان".
وركز المؤلف على "بحث تفاعل الإسلاميين والسلفيين المغاربة مع الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان، من خلال دراسة 10 قرارات صادرة عن الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، منذ أول قرار له بشأن حالة عبد السلام ياسين، وصولا إلى قراره بخصوص حمو حسني، وكلها قرارات تهم إسلاميين وسلفيين ومدانين في قضايا الإرهاب والتطرف".
للإشارة، عبد الرحمان علال، حاصل على شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية، وماستر في صياغة النصوص القانونية والعمل البرلماني، مهتم بتحولات الحركات الإسلامية والقانون الدستوري لحقوق الإنسان، صدرت له أعمال مشتركة ودراسات في مجالات محكمة داخل المغرب وخارجه.