بين الحقائق والاداعاءات.. مجلس حقوق الإنسان يرصد وقائع استغلال زلزال الحوز لاستهداف الأطفال

بشرى الردادي

كشف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اليوم الجمعة، أنه رصد مجموعة من المنشورات (مقاطع فيديو، قصص مصورة، صور، تعليقات...) تتضمن محتوى يستهدف أطفال بمناطق متضررة جراء زلزال الحوز، خاصة الفتيات، بعضها يتضمن إيحاءات جنسية ويحرض على الاعتداء الجنسي على الأطفال، بالإضافة إلى مضامين أخرى تهدف إلى استغلال الأطفال، وادعاءات كثيرة تتعلق بالتحرش أو بالتبليغ عن حالات للاتجار في البشر، وذلك خلال تقديمه خلاصات وتوصيات حول تتبع وضعية الأطفال المتأثرين بهذه الكارثة الطبيعية، تحت عنوان: "حماية حقوق الطفل في سياق زلزال 8 شتنبر 2023 – ملاحظات المجلس وتوصياته الأولية عبر رصده للفضاء الرقمي وزياراته الميدانية".

حقائق أم مزاعم؟

وأوضح المجلس أنه "على خلفية واحدة من التدوينات التي رصدها، في هذا السياق، والتي أثارت تفاعلا كبيرا، أعلنت مصالح المديرية العامة للأمن الوطني، يوم 19 شتنبر المنصرم، عن "توقيف طالب جامعي نشر محتوى تحريضيا يهدد فيه بالتوجه للمناطق المنكوبة بالزلزال، لارتكاب اعتداءات جنسية في حق أطفال قاصرين"، مشيرا إلى أن "المحكمة الابتدائية بالرشيدية أصدرت في حقه، لاحقا، حكما بالسجن ثلاثة أشهر، قبل أن تقضي غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالرشيدية بإلغاء الحكم الابتدائي، والتصريح ببراءة الشخص المعني".

وتابع المصدر نفسه أنه "في إطار التحقق من عدد من المضامين التي تضمنت ادعاءات بالتحرش الجنسي بفتيات بالمناطق المتضررة جرى تداولها، على نطاق واسع، اتضح أن عددا كبيرا منها أغفل عدة سياقات رئيسية ترتبط بها، تبطل هذه الدعاءات".

مس بحقوق المغضوب عليهم

وفي هذا السياق، نبه المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أن "إعادة نشر محتوى، على نطاق واسع، وإن كان في سياق الاستنكار والتنديد والتبليغ، دون بحث وتحقق، قد يطرح أحيانا إشكالات تمس بحقوق الإنسان:

  • على حقوق الأطفال أنفسهم: حيث رصد المجلس أن بعض المضامين، التي استنكرت أفعال معينة وقامت بإعادة نشرها، في إطار التنديد و/أو التبليغ عنها، لم تحرص، بالشكل الكافي، على الإخفاء الكامل لوجه الفتيات المعنيات. ونبه المجلس، في هذا الإطار، إلى أنه يمكن لمثل هذا السلوك بالفضاء الرقمي، خاصة في سياق ادعاءات تتعلق بالتحرش والاعتداء الجنسي على الأطفال، أن يتسبب في وصم خطير قد يلحق هؤلاء الأطفال، وآثار خطيرة محتملة أخرى، آنية ومستقبلية، على الأطفال المعنيين.
  • إلحاق الضرر بسمعة الغير: في الوقت الذي سجل المجلس التعبئة المواطنة الكبيرة لحماية حقوق الطفل، عقب فاجعة الزلزال، والتنديد المجتمعي الواسع بأي مس أو انتهاك محتمل يمكن أن يطال الطفولة المغربية، نبه إلى أن نشر ادعاءات غير متحقق منها تهم التحرش والاعتداء الجنسي ضد الأطفال (أو ادعاءات أخرى)، على نطاق واسع، دون حرص كاف، أو اتخاذ ما يلزم من الإجراءات الضرورية، في حالات قد تقتضي تدقيق السياقات، قد يلحق ضررا كبيرا بسمعة أشخاص قد يتضح، لاحقا، أنهم أبرياء من هذه الادعاءات، كما كان عليه الحال في ادعاءات تتبعها المجلس في هذا السياق".

تقبيل طفلة في الفم

و"في سياق الحملة التضامنية الواسعة بالمناطق المتضررة، جرى تداول صورة لصانعة محتوى تقبل فتاة في الفم بمناطق متضررة، أشار المجلس إلى أن "تقبيل الأطفال عن طريق الفم، في سياقات محددة، قد يشكل تحرشا واعتداء على الأطفال، وصورة من صور هتك العرض بدون عنف، حسب قرار سابق لمحكمة النقض".

كما نبه إلى أن "نشر مثل هذه الصور وانتشارها، بشكل واسع، على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يؤدي إلى التعرف على هوية الطفل، بسهولة، وقد تكون له عواقب لاحقة غير مقصودة، بما في ذلك الوصم والانتباه غير المرغوب، وحتى مخاطر على سلامة الطفل، علاوة على احتمال استخدام الصورة، بشكل غير لائق أو مسيء، من قبل أفراد آخرين، لأغراض متنوعة، بشكل ينتهك خصوصية الطفل ويعرضه للخطر، بعد انتشار الصورة، أو حتى بعد ذلك بسنوات، بسبب ذاكرة الأنترنيت الطويلة".

عاملات منزليات

ورصدت مصالح المجلس عدة فيديوهات ومضامين لصناع محتوى ومستخدمي المنصات الاجتماعية تتضمن دعوات لتقديم "المساعدة" للضحايا من النساء والفتيات، بتشغيلهن كعمال منزليين. ولقيت هذه الفيديوهات والمقاطع استنكارا شديدا وتنديدا كبيرا لدى مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي؛ ما دفع أصحاب هذا المحتوى إلى المسارعة إلى حذفه.

وفضلا عن أن المكان الطبيعي للأطفال دون سن 18 سنة هو المدرسة، نبه المجلس إلى أن "مثل هذه الدعوات تشكل تحريضا على خرق القانون واستغلال الأطفال في العمل المنزلي، الذي حدد له المشرع 18 سنة كحد أدنى".

بغيت ندير الخير ونتزوجها

وحسب المصدر نفسه، "تضمن عدد من المضامين المشابهة دعوات للزواج بطفلات من ضحايا الزلزال، لم يخل بعضها من إيحاءات تفضح نية استغلال الطفلات واستغلال ظرفية الزلزال؛ وهو ما خلف حملة شجب واستنكار كبيرة بالفضاء الرقمي".

وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في هذا السياق، ترافعه الدائم والمستمر ضد تزويج أو الزواج بالقاصرات، باعتباره "انتهاكا صريحا لحقوق الطفل يهدد حقوقا جوهرية أخرى؛ مثل التعليم، والصحة، والحماية... ولا يراعي مصلحته الفضلى".

انخراط المجتمع المدني

وسجل المجلس الانخراط الكبير لفعاليات مدنية محلية عديدة تعبأت من أجل المساهمة في التصدي لمحاولات استغلال الأطفال، مسجلا تخصيص اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه لرقم أخضر، للتبليغ عن أي مضامين مسيئة خاصة بفئة الأطفال والنساء الضحايا، من شأنها التحريض على أفعال تدخل ضمن خانة الجرائم والجنح المعاقب عليها قانونا، بمقتضى القانون رقم 27.14 المتعلق بالاتجار بالبشر.

وعكس ما روجت له المحتويات المرصودة بالفضاء الرقمي، أفاد المجلس بأنه "لم يتم خلال الزيارات الميدانية التي قام بها، ومن خلال اللقاءات مع جمعيات المجتمع المدني، والتفاعل المباشر مع الأطفال، الوقوف على حالات استغلال الأطفال، سواء الاستغلال الاقتصادي (العمل المنزلي)، أو الاستغلال الجنسي (طلبات الزواج بطفلات المناطق الزلزال).

توصيات المجلس

بناء على ما سبق، أوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بـ"الامتناع عن إعادة نشر اتهامات وادعاءات قد تمس بحقوق الآخرين وسمعتهم، دون بحث وتحقق"، و"النهوض بثقافة توثيق الادعاء والتبليغ عنه بمفهومه القانوني: الحث على ضرورة التبليغ، بشكل قانوني، لدى السلطات والمؤسسات المختصة"، و"تعزيز آليات الرصد لدى السلطات العمومية من أجل التصدي التلقائي"، و"وضع آليات لتعزيز التجاوب السريع مع حالات التبليغ"، و"إلغاء الاستثناء وتثبيت القاعدة القانونية (تزويج الطفلات)".