أحمد مدياني: ليسوا مجرمين بل ضحايا

أحمد مدياني
أحمد مدياني

قرأت تدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لبعض من أفراد أسرة التعليم، يحاولون من خلالها التخفيف من هول إقدام تلميذة آسفي على الانتحار، ويحذرون مما اعتبروه "استغلال هذه الواقعة للتساهل مع ضبط حالات الغش وإنزال العقوبات المترتبة عنها". مواقف وكأنها نابعة من المدينة الفاضلة لأفلاطون، في حين أن الواقع يعلو ولا يعلى عليه.

نحن هنا لا ندعو للقبول بما يعتبر حالات غش في الامتحانات. في المقابل، يجب أن نحذر من محاكمات منظومة هي فاقدة لأشياء كثيرة كي تعطيها، ثم تنتظر المقابل اجتهادا وكدا من أجل النجاح.

منظومة تتحكم فيها، اليوم، قواعد العرض والطلب، بعدما تحولت إلى سوق مفتوح ضمان تعليم ذي جودة داخله يفرض على المغاربة أداء المقابل المادي من أجل ذلك، بطرق مختلفة.

منظومة جعلت من التلميذ غنيمة لدى تجار التعليم الخصوصي والعمومي أيضا؛ إذ أن التفوق أصبح يساوي كم ستدفع لتناله. وإن اخترت طريق المجانية، يجب أن تهبك الحياة جينات تجعل منك الاستثناء؛ لأن القاعدة، اليوم، هي وقوع عشرات الآلاف من الأطفال، سنويا، ضحايا للهدر المدرسي؛ بحيث لا يصلون حتى إلى درجات محاولات "اقتراف الغش".

أطفالنا، اليوم، لا يشبهوننا. هم منفتحون على العالم. يقرؤون ويسمعون، يوميا، كيف يتم تدبير بلادهم. تسوق لهم نماذج كثيرة بلغت المسؤولية وحصدت الثروة، بعيدا عن طريق عرق الجبين.

جيل اليوم تم إقناعه بأن كلمات الإمام الشافعي، حين قال:

بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي

ومن رام العلا من غير كد ... أضاع العمر في طلب المحال

تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب اللآلي.

لم تعد تطرب ولا تحفز؛ لأن كثيرين حولهم، هم في حاجة للسهر، بغرض حصد "التكبيس" فقط، وكل الأشياء الأخرى التي ترافقه.

هل أسقط المراقبون أن التلاميذ كانوا رهائن، منذ بداية الموسم الدراسي الحالي وحتى منتصفه، ينتظرون انتهاء مسلسل كسر العظام لأجل مطالب اجتماعية وفئوية.

أنهم اضطروا إلى العودة إلى حجر الدراسة، في صمت، ولم يسألهم أحد عن تحقق كفاياتهم من التحصيل الدراسي، قبل امتحانهم. لم تفكر المنظومة في صيغة ترفعهم لدرجة الفاعل وليس المفعول به، في احترام تام لمبدأ أنهم هم محور السياسة التعليمية، وليس هامشها.

بعيدا عن الموسم الدراسي المنتهي، لنعد إلى ما قبله بسنوات. قبل زمن "كورونا" الذي أنتج، بدوره، عاهات تعليمية يصعب الشفاء منها، وتحديدا تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية. كل الأجيال التي مرت بهذه الفترة كانت ولاتزال مثل فئران التجارب. كل ما تغير الوزير على رأس القطاع، تغيرت معه البرامج والمناهج والمقررات... حتى فقد الجميع البوصلة. وحدهم المتنفعون من هذا الوضع لم يفقدوا أي شيء، بل اكتنزوا الكثير؛ لأنهم تقمصوا دور تجار الحرب ضد وهم منع الجهل والأمية بقواعد تصنيفها الجديدة، ورغم كل جرائمهم، ينالون فرصة الدفاع عن أنفسهم، ثم يمتعون بالبراءة.

مؤسف أمام كل ما سبق ذكره، وهناك المزيد الذي لا طائل من تكرار التذكير به، أن تتحول المؤسسات التعليمية لما يشبه قاعات المحكمة؛ حيث يتم التحقيق والتوقيف، ثم إصدار الحكم الذي ينال قوة الشيء المقضي به في حينه، دون اعتبار لكل الظروف المحيطة بمن اقترفه.

ظروف تحرم أطفالنا من قرينة البراءة، بالنظر لشمولية ما أوصلهم إلى ضبطهم باقتراف فعل الغش، كما هو مُعرفٌ عندنا. وتلميذة آسفي واحدة منهم.

للأسف ختمت حياتها بكلمات الدعاء لها بالرحمة فقط، أكيد أنها لم تبح بالحقيقة الكاملة، وإن بحثنا بشجاعة عن خلفيات ما دفعها لوضع حد لحياتها، يمكن أن نجد أنها اختارت الموت لمرة واحدة عوض تجرع عذاب سكرات الموت أكثر من مرة!

أطفالنا ليسوا مجرمين؛ لأنه إن صارحنا أنفسنا جميعا بحقيقتنا، هم ضحايا.