أحمد مدياني: بأي حال تركتنا وسوف تعود يا عيد...؟!

أحمد مدياني
أحمد مدياني

كل الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية التي رافقت عيد الأضحى لهذا العام، تفرض وقفة حقيقية لتقييم وتقويم حجم الخسائر النفسية أولا، ثم المالية على الأسر والأفراد ثانيا. علما أنه لا يمكن القفز على ما أفرزته من أعطاب جمة لا أفهم كيف يستسهلها من يسوقون أنهم يريدون خيرا بمستقبل هذا الوطن.

تحدث قبل العيد مع عدد من الأصدقاء المؤمنين بضرورة نحر الأضحية، لكنهم قرروا هذا العام أخذ مسافة من السنة المؤكدة، وتعويض صرف جزء من قيمتها لفائدة "الشناقة" قبل "الكسابة"، بكل أنواعهما، بإخراج الصدقة للمحتاجين من أسرهم ومحيطهم.

بل شدد هؤلاء على أنهم لن يخرجوا هذه الصدقة قبل يوم العيد، كي لا يكون مصيرها "رحبة الحوالة" ومن بينهم فئة من أطلق عليهم عنوة لقب الطبقة المتوسطة الذين قرروا بدورهم "مقاطعة أضحية العيد".

أما الذين أخذوا على أمرهم إحياء شعائر العيد، فإن السواد الأعظم منهم تكبدوا عناء شراء الأضحية. منهم من لجأ للقروض، ومنهم من توسل بالسلف من أقاربهم وأصدقائهم. منهم من باع جزءا مما يملك ليغطي الفارق الكبير ما بين أجرهم وسعر الكبش في الأسواق، ومنهم من صرف أجر شهري يونيو ويوليوز لأجل سماع صوت "باع" داخل منازلهم.

المؤسف، أن مؤسساتنا نادرا ما تقف بالجدية اللازمة، عند مثل هذه المحطات الاجتماعية والاقتصادية الفارقة في حياة المغاربة بدراسة انعكاساتها، وتحليل ما سوف تنتجه من أعطاب يمتد تأثيرها لسنوات، ونتائجها تفرز ردود فعل غير ظاهرة اليوم أو غد وبعد غد، بل تتحول لما يشبه طاقة سلبية مخزنة ينتظر من يتقنون الاستثمار فيها بخبث لحظة إنطلاقة شرارة إشعالها.

يجب أن نسأل المغاربة عن أحوالهم بعد العيد. أن نمنحهم مساحات للتعبير عن جزء من غضبهم. أن نوفر لهم ما يسد الثقوب التي طالت قوارب نجاتهم من ضنك العيش.

وقبل ذلك، ألا يفرض حالنا اليوم مساءلة من سوق لنا "جنة مخطط المغرب الأخضر"؟

مغربٌ الاخضرار فيه يوجد فقط في البلاغات والتقارير الرسمية. وعند كل امتحان، يُهان فيه الذين باعوا لنا الوهم، ويعز الذين يتنفعون منه.

المتنفعون يحصدون غنائم الأزمات أكثر من مرة.

يغنمون المال العام بغطاء الدعم بغرض دعم الأسعار، ويتحكمون في الأخيرة وفق قواعد "شطارة التجار" وليس مبادئ "الإجراءات الاجتماعية" التي يحولونها إلى "همزة" وجب استغلالها بأبشع الطرق الممكنة وغير الممكنة.

للعام الثاني على التوالي، يتأكد لنا أن شعار أمننا الغذائي بما يشمل اللحوم، إنتهى مع استمرار تنزيل تفكيك نمط الفلاحة المغربي الذي صمد لقرون في مواجهة موجات جفاف ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة.

إنتهى حين قررت الحكومة مرة أخرى تسبيق صرف أجرة شهر قبل إنتهائه، لا لشيء، سوى لتأمين شراء بضع كيلوغرامات من اللحم والشحم والصوف.

نحن نتفرج منذ سنوات على ضياع السيادة الغذائية وخطر انقراض ما يميزنا. هناك من سيرفع أمام كل ما سبق مبررات كثيرة، من بينها التحولات التي يعرفها المغرب، خاصة الديمغرافي منها، وما يفرض ذلك من تحديات تلبية حاجيات لم تكن مطروحة في السابق.

والجواب على ما يمكن الدفع به هنا، هو أن التحديات تُطور الأمم إن كان غرض المسؤولين عنها خيرا بشعوبها، وليس العكس.

وبالتمسك بأمل أن تقع معجزة استدراك ما ضاع، لا يملك المغاربة سوى الجلوس في قاعة الانتظار، مع ترديد لازمة "بأي حال تركتنا وسوف تعود يا عيد...؟!"