يشكو ساكنة مدينة القنيطرة وزوارها على حد سواء من تزايد الضغط السكاني وندرة المساحات الخضراء المفتوحة، فمع التوسع العمراني السريع ونمو الأحياء الجديدة، خاصة في المنطقة الفاصلة بين القنيطرة وسلا، بدأت المدينة تفقد هويتها الخضراء وتتحول تدريجياً إلى مدينة صناعية مكتظة. هذا التحول يعود بالأساس إلى التركيز على المشاريع الصناعية الكبرى، مما أدى إلى إهمال التخطيط العمراني المتوازن الذي يراعي احتياجات السكان من المساحات الخضراء والترفيهية.
إن هذا التحول من مدينة لُقِّبَت بأنها عاصمة لمنطقة فلاحية (سهل الغرب) إلى منطقة يخترقها القطار السريع (طنجة-الدار البيضاء)، والطريق السيار على مسار الطريق الوطنية رقم 1، واستقطابها لليد العاملة من شباب مختلف المناطق والجهات بالمغرب للعمل في معامل "الكابلاج"، كل ذلك جعل ساكنة المدينة و"حُكَمَاءَها" يدقون ناقوس الخطر تحذيرا من اكتساح الإسمنت لكل المعالم الثقافية والعمرانية والفضاءات الفنية والرياضية للمدينة، من خلال إصدار مجموعة من الفاعلين القنيطريين في مجالات مختلفة (الرياضة- الثقافة- الفن- التربية والتعليم- الصحافة .....) لمذكرة من أربعة محاور بين الرصد والتشخيص والاقتراح.
في هذا الصدد، اتصل "تيلكيل عربي" بالدكتور عبد الكريم لشهب، الجامعي، وأحد المساهمين في المحور الرياضي للمذكرة التي حملت عنوان "نداء القنيطرة.. المدينة التي نريد"، وأفادنا بأن "الوضع بالمدينة يحتاج إلى تضافر جهود جميع الغيورين على المنطقة ككل وليس فقط المدينة، بحكم الروابط التاريخية بين مركز المدينة روافدها بمنطقة الغرب".
واعتبر لشهب، وهو لاعب سابق بالنادي القنيطري، أن الرياضة مجال خصب للتنمية والتطوير المجتمعي"، داعيا إلى "استثمار صعود فريق النادي القنيطري إلى القسم الاحترافي الثاني ودعم هذه المبادرة التي ستعود بدون شك بشكل إيجابي على الوضع الرياضي عامة، والكروي بشكل خاص، بحكم أن هذا النوع الرياضي يمثل قاطرة باقي الرياضات، بحكم الشعبية المتجذرة لفريق حلالة بأحياء المدينة".
وفي هذا الإطار الخاص بالشق الرياضي، عرضت المذكرة، بِنَفَسِ النوستالجيا، عددا من الأماكن التي أصبح ذكرها جالبا للأسى على حالها ومستحضرا الحنين إلى ماضيها، نظرا للإهمال الذي مسها أو أزاحتها جرافات المقاولات العمرانية، ومن "الفضاءات التي كانت مجالا لمزاولة عدة أنشطة رياضية وترفيهية، من قبيل فضاء مولاي الحسن بالقرب من المستوصف الخاص بالأمراض الصدرية، وملعب "كامبير" CAMP D'ALBERT، وملعب الكاب CAP، وملاعب الأحياء، من قبيل ملعب لاسيكون، وملعب البوشتيين، الذي كان ملكا عقاريا للسيدة زهرة البوشتية، التي قدمته كهبة للحركة الوطنية". وذلك حسب نص المذكرة.
ولم تنس المذكرة الإشارة إلى باقي الرياضات، إذ استرجعت الوثيقة نفسها أن المدينة، عبر تاريخها في القرن الماضي، "احتضنت عددا متنوعا منها، مائية وحديدية ودراجات هوائية وفروسية .. خصصت لها فضاءات مختلفة على طول وعرض المجال الحضري للمدينة، الذي لم يكن عدد ساكنته يتجاوز 100 ألف نسمة إلى حدود سبعينيات القرن العشري".
وقدمت المذكرة خمسة ملتمسات، دعت في أولها إلى "الاحتكام في تخصيص الفضاءات الرياضية والترفيهية إلى القواعد البسيطة التي تحدد نسبة من الفضاءات العمومية تبعا لعدد السكان، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية أو مصلحة ضيقة"، وثانيها شدد على ضرورة "إعداد خريطة بحاجيات المدينة من مختلف الملاعب الرياضية والترفيهية، القائمة منها أو التي تحتاج المدينة إلى إعادة تاهيلها، أو إنشائها وإضافة رصيد للخريطة الرياضية الحالية بالقنيطرة".
أما الاقتراح الثالث فأشار إلى استراتيجية "تحقيق التقائية المشاريع ذات الصلة والتنسيق فيما بينها، وفيما بين واضعي مخططات التهيئة الحضرية، من أجل ترصس أفضل للمشاريع وترشيد أفضل للموارد المالية؛ وخاصة فيما بين الجامعة الملكة المغربية لكرة القدم ووزارة الشباب والثقافة والاتصال، ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، والمجالس المنتخبة". كل ذلك لن يحقق النجاح إلا بملتمس رابع هام وهو "وضع ميثاق شرف، وضوابط عمل، ودفاتر تحملات موجهة لسائر المتدخلين في مجال التعمير، بما في ذلك المنعشون العقاريون من أجل تصميم مخططات تعميرية تحترم نسبة الكتلة المبنية وعدد السكان إلى باقي الفضاءات العمومية، بما فيها الرياضية والترفيهية، تراعي الوظائف المتكاملة للحياة الحضرية العصرية". ليختم هذا المحور بتذكير السلطات بالمدينة إلى قيمة "تهيئة بعض المواقع الغابوية داخل المدينة بشكل أفضل لتجويد خدماتها الترفيهية والتربوية للأطفال والأسر، بما فيها الأنشطة الرياضية غير المضرة بالطبيعة".
وتقدم المذكرة في هذا الجانب من تصورها للمساهمة في النهوض الرياضي بالمدينة عشرة مقترحات، تبدأ بأولوية "توفير وعاء عقاري لإنجاز مشروع مركز خاص بالتكوين، يسمح للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتحمل مصاريف تجهيز المركز، كما حصل مع بعض الفرق الوطنية بمدن مغربية أخرى".
وتشترط الوثيقة ذاتها "التزام الجهات الإقليمية والجهوية المسؤولة ترابيا، والقطاعات الحكومية المعنية، والمجالس المنتخبة بإدراجها ضمن مخططات عملها القطاعية أو الجهوية والإقليمية والمحلية".
ويعتقد محررو الوثيقة أن العنصر المالي هو الضامن لنجاح بنودها، لهذا فهي تقترح أن يتم "تضمين ميزانية الجماعة الترابية المحلية المخصصات المالية اللازمة، باعتبار أن القطاع الرياضي، بالإضافة إلى وظيفته التربوية والترفيهية، وخاصة لفائدة الأطفال والشباب، يعتبر قطاعا منتجا يساهم في التنمية المحلية". مما سيسمح في مرحلة التنفيذ من أجرأة الاقتراحات، من قبيل "إعادة تهيئة وتأهيل فضاء الفلين (لاشوني) المعروف بحزام أو شارع الرياضة والترفيه، والذي يضم مختلف الأنشطة الرياضية والترفيهية (رياضة كرة القدم بملاعبه المتكاملة: ملعب أحمد الصويري، الملعب البلدي، ملعب المسيرة. وملعب كرة المضرب، والفروسية بما في ذلك القفز على الحواجز، والعدو الريفي، والمسابح، والمخيم الدولي، وأنديته .. ).
وترى الوثيقة أن الفاعلين بالمدينة وسلطاتها عليهم اغتنام فرصة "احتضان المغرب للتظاهرة الرياضية الكبرى لكأس العالم 2030، من أجل تأهيل وتطوير هذا الفضاء الرياضي والترفيهي الذي يعتبر رصيدا ثمينا للمدينة، ينبغي العناية به". وبموازاة ذلك، تدعو إلى "العمل على تطوير القدرات التدبيرية للجمعيات الرياضية المسؤولة عن بعض الملاعب والفضاءات الرياضية، وفق دفتر للشروط والتحملات، مثلها في ذلك مثل شركات التدبير المفوض، يحترم شروط الحكامة والشفافية ومحاربة الفساد، صيانة للمال العام وللممتلكات العمومية ...". تضيف الوثيقة دائما.
ولم تنس الوثيقة الإشارة إلى بعض الرياضات غير الشعبية، لكن دورها النربوي والتثقيفي، حسب عبد الكريم لشهب، "لا يقل أهمية عن قطاعات رياضية أخرى تحضى بالاهتمام والدعم المدني والرسمي"، وبالتالي، ولتحقيق هذه الغاية تدعو الوثيقة إلى "إحداث وتهيئة فضاءات لبعض الرياضات الحضرية الحديثة، مثل "سكيت بورد" SKATEBOARD، والتي أصبحت منتشرة بشكل كبير بين أوساط الشباب، بمواصفات السلامة والأمان المعمول بها. علما أن المغرب كان البلد العربي الوحيد الذي شارك في أولمبياد طوكيو المخصصة لهذه الألعاب للمرة الأولى سنة 2020"، إضافة إلى بعض "الرياضات الجديدة التي أصبح الاهتمام بها يتزايد في الآونة الأخيرة مثل BADMINTON (كرة الريشة) وهو نشاط رياضي وتربوي متكامل، يتطلب الاعتماد على لياقة بدنية، ودقة عالية في التركيز والأداء، صارت مدينة القنيطرة تتوفر على فريق له، ولكن لا تتوفر على الفضاءات اللازمة لممارسته، وخاصة على صعيد الأحياء".
ونظرا لضخامة المشاريع في مجال الرياضة، خاصة على مستويات البنية التحتية والإدارة والتسويق، فالحالة تستدعي "التنسيق مع الجامعة الملكية للسباحة والرياضات المائية، للعمل على إنجاز مسبح أولمبي سيمكن مدينة القنيطرة ومنطقة الغرب برمتها، من إحياء بعض الرياضات التي كانت نشيطة بالمدينة، مثل WATER POLO كرة الماء، LE PLONGEON أو رياضة القفز المائي، إضافة إلى منافسات السباحة الفردية والجماعية". لنصل إلى الاقتراح الأخير، وفق ترتيب الوثيقة، المشدد على "تأهيل الفرق المحلية للكرة الحديدة ودمجها في نادي كبير للكرة الحديدية، يجمع كل المراكز الصغرى المنتشرة في أحياء المدينة، خصوصا وأن هذه الرياضة قدمت أبطالا قنيطريين عالميين أمثال العلوي، والنكوب، وغيرهم الاهتمام بها أصبح يتزايد من يوم لآخر، ولا يمكن أن يستمر/ وضع الفضاءات الرياضية على ما هو عليه، من لعب وتباري في ساحات وفضاءات غير مخصصة لها وغير مهيأة لممارستها.
والعمل على تكوين هيئة رياضية تكون مهمتها متابعة الشأن الرياضي ككل بالمدينة وتقديم المقترحات لتطويره والترافع عنه لدى كل الجهات وخاصة بالتعاون مع جامعة ابن طفل عبر معهد مهن الرياضة الجامعة؛ بما في ذلك عمل هذه الهيئة على توثيق الذاكرة الرياضية للمدينة والتعريف بها.
وتجدر الإشارة أن المشاركين في صياغة هذه المذكرة يمثلون فعاليات مدنية وأكاديمية تنشط في قطاعات مختلفة، ويطمحون، حسب مصدرنا دائما، إلى المشاركة الإيجابية، من موقعهم المدني، في تدبير أمور المدينة، يما يضمن التوازن الاستراتيجي للمدينة، عمرانيا، وثقافيا، وسياحيا.