من أعماق المحيط إلى صنابير المنازل.. منقذ أكادير والضواحي من شبح العطش

محطة تحلية مياه البحر شتوكة أيت باها أكادير / تصميم سامي سهيل
محمد فرنان

محمد فرنان / سامي سهيل - اشتوكة أيت باها

في غرفة التحكم بمحطة تحلية مياه البحر، يقف مهندس التحلية، كربان سفينة يبحر بها في أعماق المحيط، عيناه لا تفارقان الأرقام والرسوم البيانية على الشاشات أمامه، ولكن عقله يسبح في عالم آخر، عالم تحت البحر بأعماقه وأسراره.

وعندما سألناه عن سبب اختياره لدراسة مجال تحلية المياه في فرنسا وإسبانيا، لم يتردد في الإجابة، قائلا: "أنا أعشق البحر، أقضي عطلات نهاية الأسبوع في مياهه، وأمارس هواية الصيد بالغوص".

إنه شغف بحري دفعه للعمل في هذا المجال، فكان انتقاله من عالم البحر الواسع إلى عالم تحلية مياهه في محطة الدويرة بمنطقة إنشادن في إقليم اشتوكة آيت باها، كأنه انتقال من بحر إلى آخر، من عمله بهونغ كونغ إلى المغرب، كما عبر عن ذلك بنفسه.

هذا المهندس، كما وصفه عبد السلام جوليد، المدير الجهوي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بجهة سوس ماسة، - قطاع الماء - لما كنا مغادرين للوحة قيادة محطة تحلية مياه البحر الواقعة بمنطقة "الدويرة" بالجماعة الترابية إنشادن، التابعة لإقليم اشتوكة آيت باها، هو "أحد الكفاءات المهمة في المحطة، بخبرته الواسعة وعلاقاته الدولية، قادر على حل أي مشكلة تقف في طريق تشغيل المحطة".

إنها قصة شغف وولع بالبحر، تترجمها يوميا جهود هذا المهندس وأمثاله من الكفاءات المغربية، الذين يحرسون قطرة الماء، تلك الثروة الثمينة، في بلد بدأ يدرك قيمة كل قطرة منه "زمن الجفاف".

تصوير: سامي سهيل

قطرات التحلية الأولى

في 2021، شهدت محطة تحلية مياه البحر لحظة مهمة في حياتها، حيث رقص وصرخ مهندسون مغاربة وأجانب بخروج أولى القطرات المحلاة، كانت تلك اللحظة تتويجا أوليا لرحلة بدأت منذ عام 2017.

ووسط أجواء الفرح، التقط أحد الأطر الأجنبية العاملة في المشروع، فيديو عفويا، يظهر فيه المهندسون والعاملون يحتفلون بنجاحهم، انتشر الفيديو بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعندما سألنا أحد العاملين بالمحطة عن تلك اللحظة، أجاب: "لقد كنت هناك، شاهدا على تلك الفرحة التي غمرت الجميع، الفيديو الذي التقطه أحد زملائنا الأجانب، والذي يعمل مع شركة إسبانية شريكة في المشروع، كان تعبيرا صادقا عن فرحتنا التي لم نستطع إخفاءها".

إنها قصة إنجاز، ولحظة فرح عفوية، تعكس شغف وإخلاص أولئك الذين يعملون بلا كلل خلف الكواليس، لضمان مستقبل مائي آمن للمغرب.

تدشين ملكي

قبل فيديو فرحة مهندسي المحطة، كانت ساكنة منطقة اشتوكة آيت باها، يوم 13 فبراير 2020، مع موعد تدشين الملك محمد السادس، برفقة ولي العهد الأمير مولاي الحسن، محطة تحلية المياه في اشتوكة آيت باها، التي كانت في مراحل متقدمة من الإنجاز.

كانت المحطة، التي بلغت تكلفتها الإجمالية 4.48 مليار درهم، ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص.

وخصص لهذا المشروع مبلغ 2.35 مليار درهم لإنشاء شبكة ري تغطي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، بينما خصص مبلغ 2 مليار درهم لتزويد مدينة أكادير الكبير بالمياه الصالحة للشرب.

تتميز المحطة بأنها ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص (Abengoa) بتكلفة إجمالية بلغت 4.48 مليار درهم، منها 2.35 مليار درهم خصصت لمكون الري، و2 مليار درهم لمياه الشرب.

وفي 29 يناير 2022، دخلت محطة تحلية اشتوكة الخدمة رسميا، حيث تم تسليم الكميات الأولى من المياه المحلاة لتزويد أكادير الكبير بالمياه الصالحة للشرب، وفقا لما أعلنه المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لسوس ماسة في ذلك الوقت.

تصوير: سامي سهيل

كيف كانت أكادير تتزود بالماء الصالح للشرب؟

عبد السلام جوليد، المدير الجهوي للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب - قطاع الماء - بجهة سوس ماسة، الذي رافق "تيلكيل عربي" في هذه الزيارة، أوضح أن "تزويد أكادير بالماء الصالح للشرب كان يتم عبر الموارد المائية التقليدية، خاصة السدود المتواجدة في المنطقة مثل سدود عبد المومن ومولاي عبد الله، بالإضافة إلى استغلال الفرشة المائية، ولكن مع توالي الجفاف، أصبح هذا العرض غير كاف لتلبية حاجيات الساكنة ومواكبة التطور الذي شهدته المنطقة".

وأضاف في حديثه: "كان لا بد من اللجوء إلى موارد غير تقليدية، منها محطة تحلية مياه البحر، التي بدأ تشغيلها في عام 2022، بهدف تزويد المنطقة بالماء الصالح للشرب وللسقي".

تصوير: سامي سهيل

الطاقة الإنتاجية لمحطة التحلية

وشدد جوليد على أن "هذه المحطة فريدة من نوعها، حيث تلبي حاجيات الشرب والفلاحة، بالشراكة مع القطاع الخاص. وقد تم تصميم وإنشاء المنشآت البحرية والهندسية للمحطة لتكون طاقتها الإنتاجية 400 ألف متر مكعب يوميا، منها 200 ألف متر مكعب للماء الصالح للشرب و200 ألف متر مكعب للزراعة".

وتابع: "لكن التجهيز الحالي يمكن من إنتاج 275 ألف متر مكعب يوميا، يخصص منها 150 ألف متر مكعب للماء الصالح للشرب، مما يساهم حاليا ب 75% من تزويد أكادير الكبرى، بما فيها آيت ملول وإنزكان، بالماء الصالح للشرب، و125 ألف متر مكعب مخصصة للري".

وأشار إلى أنه "بدأنا في تزويد المناطق المجاورة للقناة التي تمتد على طول 44 كيلومترا، وهي المسافة التي تربط بين المحطة وأكادير، وجميع المراكز المجاورة لها، مثل القليعة، وسيدي بيبي. كما نعمل على ربط مراكز أخرى بماء التحلية، مثل بيبرة وآيت عميرة، واتجاه تمسية وأولاد دحو".

وكشف أنه "نجري دراسة لإمكانية تزويد مركز أولاد تايمة، الذي يقع في إقليم تارودانت، بالماء المحلى".

لو لم تكن المحطة

وأبرز جوليد في حديثه لـ"تيلكيل عربي" أن "المحطة أنشئت لأن المنطقة كانت على وشك الوقوع في شح المياه بسبب قلة الأمطار، وكان لا بد من اللجوء إلى هذا الحل، والذي أثبت نجاحه، لو تصورنا عدم وجود هذه المحطة، لكان من الصعب مواكبة التطور الذي تشهده مدينة أكادير".

وأشار إلى أنه "قبل إنشاء المحطة، قمنا بعدة حلول مؤقتة، ولكن المحطة خففت من العبء والضغط الذي كنا نعيشه في توفير المياه الصالحة للشرب".

وأفاد بأن "اختيار موقع المحطة لم يكن عشوائيا، بل استند إلى دراسات ومتابعة لحالة مياه البحر على مدار العام. كلما كان الماء صافيا، كان بإمكاننا تسريع عملية التحلية باستخدام التناضح العكسي".

وأضاف: "ما زلنا بحاجة إلى محطة تحلية أخرى، لأن الجفاف أصبح شبه مستمر".

تصوير: سامي سهيل

أول محطة لتحلية مياه البحر في مدينة بوجدور سنة 1977

أوضح عبد السلام جوليد أن "خبرة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في الاعتماد على الموارد المائية غير التقليدية تعود إلى منتصف السبعينيات، حيث تم الشروع في استغلال أول وحدة لإزالة المعادن من المياه الأجاجة في طرفاية عام 1976، وإنشاء أول محطة لتحلية مياه البحر في مدينة بوجدور عام 1977".

وشدد على أنه "منذ ذلك الحين، راكم المكتب خبرة كبيرة تزيد عن 45 عاما في مجال تصميم وإنجاز واستغلال وصيانة محطات إزالة المعادن من المياه الأجاجة ومحطات تحلية مياه البحر".

وأشار إلى أن "المكتب يملك حاليا قدرة إنتاجية تصل إلى 125 مليون متر مكعب سنويا من المياه غير التقليدية، منها 40 مليون متر مكعب سنويا بواسطة 18 محطة لإزالة المعادن من المياه الأجاجة، و85 مليون متر مكعب سنويا من خلال 11 محطة لتحلية مياه البحر".

ولفت الانتباه إلى أن "المكتب يعتبر أحد الأطراف الرئيسية في تنفيذ برنامج هام لتحلية مياه البحر، بهدف تطوير قدرة إنتاجية إضافية تقدر بحوالي 1 مليار متر مكعب سنويا بحلول عام 2050، وذلك من خلال إنشاء عدة محطات لتحلية مياه البحر، مثل محطة الدار البيضاء التي تعد من بين الأكبر في العالم والأكبر من نوعها في إفريقيا، بالإضافة إلى محطات في جهة الشرق، الرباط، طنجة، الصويرة، كلميم، سيدي إفني، وطرفاية".

تصوير: سامي سهيل

تأثير محطة التحلية على مياه البحر

أوضح مسؤول عن المحطة لـ"تيلكيل عربي" أن "البعض يثير قضية تأثير المياه ذات الملوحة العالية على البحر، ولكن هناك عدة مغالطات في هذا الطرح، لأنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أننا أمام محيط واسع وشاسع، وليس مساحة صغيرة".

وأكد أن "المياه المعادة إلى البحر بعد التحلية، والتي تكون ذات ملوحة مركزة، تذوب في فضاء واسع جدا".

وأشار إلى أن "هذه المياه لا تعاد عبر قناة واحدة، بل هناك ست قنوات موزعة بجانب المحطة، وموزعة بشكل متباعد، بحيث يتم توزيع المياه ذات الملوحة العالية بشكل متساو دون أن يكون لها تأثير كبير".

وأضاف: "مما لاحظناه، وهو أمر لم نجري عليه دراسات بعد، أن صيادي المنطقة أصبحوا يقومون بالصيد في أماكن إعادة المياه ذات الملوحة، ونعلم أنهم لا يصطادون في منطقة خالية من السمك".

بعد مغادرة فريق "تيلكيل عربي" المحطة، وبدون تنسيق مع مسؤولي المحطة أو إخبارهم، زرنا الشاطئ ولاحظنا وجود قاربي صيد قرب مكان أنابيب إعادة المياه.

قاربي صيد بمحاذاة محطة تحلية المياه

جودة المياه

وتناول "تيلكيل عربي" مسألة جودة المياه، حيث أكد عبد السلام جوليد أن "المكتب الوطني للماء والكهرباء يقوم بمراقبة يومية لجودة المياه، وهذا الأمر مذكور في الاتفاقية الموقعة لإنشاء هذه المحطة".

وأكد أن "المكتب يراقب جودة مياه الشرب يوميا، ومنذ بداية تشغيل المحطة في عام 2022، تستجيب المياه المنتجة والموزعة على المواطنين للمعايير المعمول بها في هذا الشأن، ولم نواجه أي مشاكل في جودة المياه".

وشدد على أن "المكتب يتلقى يوميا معطيات حول جودة المياه، ولدينا القدرة على المراقبة في أي وقت، وهذا مضمن في الاتفاقية".

تصوير: سامي سهيل