دعونا نقترف شغب اللجوء إلى استعارة المتخيل، وإن كان هو الواقع الذي سوف يحدث تماما، حين سنعيش هذا السيناريو. إذا استفاق العالم، يوما ما، على خروج إخوتنا المغاربة بمحتجزات "تندوف"، حاملين الأعلام الوطنية، مناصرين للوحدة الترابية لوطنهم، سوف تطردهم الجزائر، وتبحث عن بديل لهم.
وإن اقتنع كل انفصاليي الداخل بالمغرب وخارجه بأنه لا سيادة على الصحراء، في الماضي والحاضر والمستقبل، إلا للملكة المغربية، سوف تبحث الجارة الشرقية عن بديل لهم.
قد يبدو لكم المشهد كاريكاتوريا، لكنه هو هكذا في عمق حقيقة أصول إطالة النزاع المفتعل.
لأنه لا مانع عند من يحكمون باسم العسكر، وبالنظر إلى تسارع الأحداث والمواقف بما يعاكس مطامعهم، من ذهابهم حد اكتراء من يرفعون بالنيابة عنهم لواء الانتصار للانفصال.
قبل سنوات، كشفت تقارير استخباراتية مغربية، معززة بالفيديوهات والصور والشهادات، تجنيد الجزائر لعدد من مواطني مجموعة من دول جنوب الصحراء ليكونوا جزءا من التنظيم المسلح لجبهة "البوليساريو".
مواطنون هربوا من جحيم المعارك والحروب القبلية والإبادات العرقية ومخططات التقسيم، حالمين بالعيش فوق تراب أوطان أخرى تنعم بالاستقرار والأمن والأمان، وجدوا أنفسهم مكرهين على إنزالهم بمحطة تقود وجهتها نحو الخراب الذي فروا منه.
هل يحتاج العالم إلى بؤرة توتر عسكرية أخرى؟ وهل تقوى إفريقيا على تحمل زعزعة استقرار رقعة جغرافية إضافية؟
الجواب الأكيد عند العقلاء ومن تهمهم مصالح الشعوب؛ هو: لا.
لكن عند من يحكم الأشقاء الجزائريين بقضبة الحديد والنار؛ هو: نعم!
ما يهم جنرالات الجزائر، اليوم، أكثر من أي شيء آخر؛ هو تحقيق ثلاثة أهداف مرحلية، بسرعة مفرطة، يغذيها الكثير من الشعور بالإحباط وتجرع مرارة الانتكاسات المتتالية.
أولها: مواصلة إقناع الداخل الجزائري بأن هناك قضية خارجية تحارب لأجلها دولتهم أهم من تنمية بلادهم، وتقوية اقتصادها، وتنزيل مشاريع لصالح المواطن، تعكس حجم مداخيل "الجمهورية" بالمليارات من عائدات النفط والغاز. لذلك، نجد أن الإعلام عندهم، بكل أصنافه، انتقل إلى بث تقارير يومية، وعلى رأس كل ساعة، شغلها الشاغل شيطنة المغرب والمغاربة؛
ثانيا: أمام هول الموقف الفرنسي الجديد من سيادة المغرب على صحرائه، ترى الجزائر أنها لا تملك أي بديل غير التلويح بجر المنطقة إلى نزاع عسكري جديد. يعرف قاطنو قصر المرادية أن مد الاعتراف بمغربية الصحراء لن يقف عند أعتاب قصر الإيليزي، بل هناك قصور دول أخرى باشرت التسخينات الدبلوماسية والسياسية، وحتى الاقتصادية، لحسم موقفها من النزاع المفتعل لصالح المغرب، خاصة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛
ثالثا: منع وصول كل ما يحدث من تطورات إلى إخوتنا المغاربة الرهائن في "تندوف"، وذلك بنهج سياسة فرض أجواء وشروط وظروف قرب عيش حالة الحرب، ومواصلة جعل ذهنية ضحايا أطماع الجزائر نحو الأطلسي مرتبطة، فقط، بخطابات وشعارات ونقاشات أن صغيرهم قبل كبيرهم، والحال كذلك في الواقع، مجبرون على أن يكونوا جماعة مسلحة، والحال أنهم جيش احتياط لدى جنرالات الجزائر، بدون حقوق "المواطنة الجزائرية"!
الخطاب الملكي الأخيرة بمناسبة الذكرى الـ49 لتنظيم المسيرة الخضراء، حسم، ولأول مرة، باسم الجالس على العرش، مواقف ونقاشات كثيرة كانت تدور بين العامة.
وأبرزها؛ أن من له رغبة في استنشاق هواء الأطلسي وملامسة مياه محيطه مرحب به، لكن في ظل سيادة المغرب، وعبر المبادرة الملكية الأطلسية التي سوف نعيش، قريبا، طفرة غير مسبوقة تهم تقدمها، وهذا تحليل وليست معلومة.
دون إسقاط وصف الملك لإخواننا المغاربة بأنهم، اليوم، "رهائن"، وليسوا "محتجزين"، كما كنا نصفهم من قبل. ولهذا الانتقال بالوصف دلالات عميقة جدا وجه من خلالها خطاب العرش رسالة؛ مفادها أن المملكة مستعدة جيدا لكافة السيناريوهات التي قد تضطر إلى مواجهتها.
نحن اليوم أمام واقع فيه العالم و"العالم الآخر"؛ الأول يصنعه المغرب مع حلفائه وحتى بعض خصومه، والثاني سجنت الجزائر شعبها داخله، وتحولت من داخله، إلى نظام احترف كونه حجرة في حذاء استقرار إفريقيا.