الخيار الأوحد لحل النزاع المغربي الجزائري

محمد زيتوني

من أرقى وأنجح خيارات وحلول النزاعات الإقليمية التي وصلت إليها أنظمة الحكم ضمن القوانين والدساتير الدولية، للحد من الحروب والصراعات والتطاحنات العنيفة والهدامة ومن أجل السلم وتهدئة الأوضاع: خيار وحل الحكم الذاتي.

الحكم الذاتي هو خيار تنظيمي مجالي يُمكن جماعة أو منطقة معينة من اتخاذ قراراتها وإدارة شؤونها المباشرة واليومية بنفسها، في إطار الضوابط القانونية والدستورية التي تهمها وتهم محيطها.

أما على مستوى السياقات والإطارات القانونية والسياسية، فتبني الحكم الذاتي يعني قدرة منطقة جغرافية أو مجموعة “إثنية” أو ثقافية معينة على إدارة شؤونها الاقتصادية والثقافية والإدارية المحلية، والتمكن من بعض السلطات السياسية دون الخضوع الكامل لسلطة الحكومة المركزية، ودون الانفصال عن الفضاء الوطني العام وسلطة الدولة الأكبر أو الدولة الأمة.

بعد نضال مرير وكفاح بطولي ومقاومة شرسة وتضحيات جسيمة، تخلص المغرب من تداعيات معاهدة الحماية الفرنسية التي وُقّعت بفاس سنة 1912، وحصل على استقلاله سنة 1956.

وحصلت الجزائر على استقلالها سنة 1962، بعد 132 سنة من الاحتلال والاستعمار الفرنسيين، بعد كفاح مرير ومقاومة شرسة وبطولية وتضحيات كبرى.

وفي خضم الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية والغرب، اختارت الجزائر التبعية للمعسكر الشرقي الاشتراكي، وعلى رأسه الاتحاد السوفياتي، واختار المغرب ما سُمي آنذاك بالمعسكر الرأسمالي الليبرالي الحر وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.

فأصبح الشغل الشاغل والهم الرئيسي للمعسكر الشرقي وحليفته الجزائر، هو المرور إلى المحيط الأطلسي كمنطقة جد استراتيجية، اقتصاديًا وعسكريًا، للمرور إلى إفريقيا وخيراتها من جهة، ولمواجهة القوة الأمريكية من جهة أخرى.

ومباشرة بعد تمرد بعض الشباب المغربي، الذي تعود أصوله إلى قبائل صحراوية، على السلطة المركزية، التقطت ليبيا أولاً والجزائر بعدها الحدث، لتجعلا منه أكبر عرقلة لوحدة التراب المغربي، وذلك بخلق منظمة عسكرية تُسمى البوليساريو (جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) وتتذرع برفع شعار “حق تقرير المصير” من أجل بتر نصف الأرض المغربية ومنحه “الاستقلال”، خدمة لأجندة دولية مكشوفة.

وبعد مواجهات عسكرية دامت سنوات، وهدنة ووقف لإطلاق النار، تقدم المغرب في شهر أبريل عام 2007 إلى الأمم المتحدة بمقترح لخيار الحكم الذاتي لحل نزاع “الصحراء الغربية” المغربية، (غربية لأنها توجد في أقصى غرب شمال القارة الإفريقية).

ويتضمن هذا الخيار إطارًا سياسيًا وإداريًا، يمنح سكان المنطقة حكمًا ذاتيًا تحت السيادة المغربية.

هذا المقترح يُعتبر إحدى الخطوات البارزة في الجهود المبذولة لتسوية النزاع الذي استمر لعقود.

ويتمحور مقترح الحكم الذاتي حول سيادة المغرب أولاً، حيث ينص هذا المقترح على أن أقاليم الصحراء ستظل تحت السيادة المغربية، مع تمكين سكان المنطقة من إدارة شؤونهم المحلية، حيث يتم منحهم سلطة تنفيذية وتشريعية وقضائية لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك وضع القوانين المحلية وإدارة الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى تنظيم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

كما يمكن لسكان الصحراء أن يشاركوا في المؤسسات الوطنية مثل البرلمان والحكومة لضمان تمثيلهم على المستوى الوطني.

ويضمن المقترح للساكنة الحفاظ على الثقافة الصحراوية الحسانية وعادات السكان، في إطار وحدة المملكة المغربية والالتزام بحقوق الإنسان ومبادئ المساواة وحرية التعبير لجميع سكان الأقاليم الصحراوية.

ولضمان الالتزام بهذا الخيار الهام، يبقى مشروع الحكم الذاتي مفتوحًا للنقاش تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان قبوله كحل دائم ومقبول لدى الأطراف المتنازعة.

ونظرًا لقوّته الإقناعية، لاقى المقترح دعمًا من العديد من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، حيث تم اعتباره مقاربة جادة وواقعية لحل النزاع في البداية. وفي الشهور والسنوات الأخيرة، تم تبنيه كقاعدة وحيدة تحت السيادة المغربية من طرف نفس القوى العظمى، كموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وموقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن عنه الشهر الماضي أمام البرلمان المغربي.

ورغم استمرار الجزائر وحليفتها البوليساريو في رفض مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، فإن عددًا كبيرًا من الدول الأوروبية والإفريقية والأمريكية اللاتينية أعلن دعمَه لهذا المقترح. كما أن الأمم المتحدة بقيت تشجع على المفاوضات المسؤولة للوصول إلى حل سياسي مقبول من جميع الأطراف.

كما أنه رغم عدم التوصل إلى حل نهائي، إلى حد الساعة، فإن مقترح الحكم الذاتي ما زال يُعتبر من طرف كثير من الدول، بما فيها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، مرجعًا أساسيًا وهامًا في أي مفاوضات تُشرف عليها الأمم المتحدة بشأن الصحراء المغربية.