دعت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى اتخاذ خطوات عاجلة لمعالجة التحديات الحقوقية التي تواجه التعليم في المغرب. وأكدت على ضرورة ضمان تعميم التعليم الابتدائي الإلزامي في المناطق القروية والنائية، مع توفير التجهيزات الضرورية والبنية التحتية الملائمة، لضمان الحق في التعليم لجميع الأطفال دون استثناء.
ووفقًا للبيان الذي توصل موقع "تيلكيل عربي" بنسخة منه، شددت العصبة على ضرورة تعزيز برامج الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة لتمكين الأطفال من الالتحاق بالمدارس والاستمرار فيها، مع التركيز على دعم تعليم الفتيات. كما أكدت على أهمية وضع خطة شاملة لتعليم الأطفال في وضعية إعاقة، تضمن تكافؤ الفرص وتجهيز المؤسسات التعليمية بما يتلاءم مع احتياجاتهم.
ونادت العصبة بضرورة تحسين وضعية الأساتذة من خلال تعزيز استقرارهم الوظيفي وضمان حقوقهم الاجتماعية. كما دعت إلى زيادة الاستثمار في البحث العلمي وربط التعليم الجامعي باحتياجات سوق العمل، مع التركيز على تطوير التعليم التقني والمهني لتعزيز فرص العمل والتكيف مع متطلبات الاقتصاد.
ودعت أيضًا إلى تعزيز برامج محو الأمية في المناطق الهشة، مع رصد الإمكانات اللازمة لضمان استفادة أكبر عدد ممكن من المواطنين. كما أكدت على ضرورة مراجعة المناهج الدراسية لجعلها أكثر ملاءمة لمتطلبات العصر وسوق العمل، مع إدماج مقاربات تعزز التفكير النقدي والإبداعي لتطوير مهارات التلاميذ بشكل أفضل.
وفي السياق ذاته، طالبت العصبة بتعزيز التعليم المهني ليصبح خيارًا جذابًا ومفيدًا للتنمية المستدامة ببلادنا. كما طالبت بإصلاح نظام التكوين والتكوين المستمر للأطر التربوية والإدارية لضمان تأهيلهم بشكل أفضل. بالإضافة إلى ذلك، أكدت على ضرورة إصلاح نظام التقويمات والامتحانات، التي أصبحت تشكل ضغطًا كبيرًا على المتعلمين، وغالبًا ما تكون سببًا في التسرب المدرسي.
وجاء في البيان، أن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان سلطت الضوء على واقع التعليم في المغرب بمناسبة اليوم الدولي للتعليم، الذي يوافق 24 يناير، والذي يمثل فرصة لتقييم وضعية التعليم وتعزيز الجهود لضمان هذا الحق الأساسي للجميع. وأكدت العصبة أن التعليم هو حق دستوري أساسي، وأن الدولة ملزمة بتوفير هذا الحق لجميع المواطنين وفقًا للمواثيق الدولية.
واعتمد المكتب المركزي للعصبة على تحليل شامل للظروف الراهنة للمنظومة التعليمية في المغرب خلال الموسم الدراسي 2024-2025. وتم التركيز على الجوانب الحقوقية والقانونية والاجتماعية التي تؤثر في جودة التعليم، بالإضافة إلى استعراض التحديات الكبيرة التي واجهت النظام التعليمي هذا الموسم، مما يستدعي تكثيف الجهود الإصلاحية لضمان تعليم شامل وعادل.
وطالبت العصبة بضرورة تقليص الاكتظاظ في الفصول الدراسية من خلال بناء مؤسسات تعليمية جديدة وتوظيف أطر تعليمية مؤهلة. كما دعت إلى تفعيل التعليم الرقمي بشكل عادل وشامل، مع توفير الأجهزة التكنولوجية والاتصال بالإنترنت في المناطق القروية لضمان وصول التعليم إلى جميع التلاميذ دون استثناء.
ونوه البيان في هذا الإطار إلى أن عدد المسجلين في التعليم بمختلف مستوياته خلال الموسم الدراسي 2024-2025 بلغ أكثر من 8.1 مليون تلميذ وتلميذة، موزعين بين التعليم العمومي الذي يستوعب الغالبية العظمى من هؤلاء التلاميذ، والتعليم الخاص.
وأشار البيان إلى أن الجهود الحكومية قد أسهمت في تعزيز العرض المدرسي من خلال إحداث 189 مؤسسة تعليمية جديدة، أكثر من ثلثيها في المناطق القروية، بالإضافة إلى توفير 3,492 قاعة دراسية إضافية و15 داخلية جديدة. ومع ذلك، فإن الإحصائيات لا تزال تشير إلى وجود فوارق مجالية واجتماعية كبيرة، حيث يعاني سكان المناطق القروية والجبلية من نقص حاد في البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك النقل المدرسي والمرافق الصحية، مما يعيق قدرة الأطفال على الالتحاق المنتظم بالمدارس.
ولفت البيان إلى أنه رغم استفادة أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ من برامج الدعم الاجتماعي مثل "تيسير"، إلا أن الحكومة تراجعت عن هذا البرنامج خلال الموسم الدراسي 2022/2023، كما تراجعت أيضًا عن برنامج "مليون محفظة" في سنة 2023/2024. ومع ذلك، يظل الفقر عقبة رئيسية أمام تعليم العديد من الأطفال، خاصة في المناطق القروية وفي صفوف الفتيات على وجه الخصوص.
وجاء في البيان، أن الفتيات يعانين من مشكلات تتعلق بالهدر المدرسي، حيث تدفعهن الظروف الاجتماعية والاقتصادية إلى مغادرة المدرسة في سن مبكرة. وقد أثبتت تقارير رسمية أن نسبة كبيرة من هؤلاء الفتيات يُحرمن من التعليم بسبب بعد المدارس عن أماكن سكنهن، بالإضافة إلى غياب بيئة تعليمية آمنة وشاملة.
وفقًا لتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، يغادر أكثر من 300 ألف تلميذ وتلميذة المدرسة المغربية سنويًا دون أن يحصلوا على أي شهادة تعليمية. ويأتي معظم هؤلاء المنقطعين من الأوساط الاجتماعية الهشة، مما يساهم في تعزيز الفوارق الاجتماعية القائمة ويزيد من التحديات المرتبطة بتعزيز المساواة في الفرص التعليمية.
أوضح التقرير أن أكثر من نصف عدد المتعلمين المنقطعين، أي حوالي 160 ألف تلميذ (ما يمثل 53 بالمائةمن الإجمالي)، غادروا المدرسة في مرحلة الإعدادي. وهذا يعكس ضعف وتراجع البنيات التحتية لاستقبال المتعلمين بعد حصولهم على الشهادة الابتدائية، وخاصة الفتيات في المناطق القروية. حيث تتجاوز نسبة المنقطعين في الوسط القروي 80 بالمائة مقارنة بـ 20 بالمائة في الوسط الحضري.
وأضاف التقرير أن المدرسة المغربية العمومية لا تزال غير قادرة على ضمان اكتساب التلاميذ للمعارف الأساسية، كما تفتقر إلى ثقة المواطنين. وأظهرت نتائج البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات (PNEA) لعام 2019، الذي استندت إليه خارطة الطريق 2022/2026، أن 70 بالمائة من المتعلمين لا يسيطرون على المقرر الدراسي عند إتمامهم للتعليم الابتدائي، وتزداد هذه النسبة لتصل إلى 90 بالمائة عند انتهاء السلك الإعدادي.
وتابع التقرير أن التقييمات الدولية مثل (TIMSS- PISA - PIRLS) بالإضافة إلى نتائج البرنامج الوطني للتقييم، أظهرت أن المغرب يتذيل الترتيب في اختبارات الرياضيات والقراءة والعلوم. كما سجل تراجعًا كبيرًا بلغ 67 نقطة في مجال العلوم، وهي النتيجة الأسوأ منذ 25 عامًا، أي منذ أول مشاركة للمغرب في هذه التقييمات.
وأشار التقرير إلى أن التعليم العمومي يعاني من تحديات كبيرة على صعيد جودة الخدمات التعليمية، أبرزها الاكتظاظ في الفصول الدراسية. حيث يصل عدد التلاميذ في بعض الأقسام إلى أكثر من 50 تلميذًا، مما يؤثر سلبًا على تفاعلهم مع المحتوى الدراسي ويضع ضغطًا هائلًا على المدرسين الذين يعملون في ظروف صعبة. ورغم توظيف أكثر من 18 ألف أستاذ جديد هذا الموسم، إلا أن نقص الكوادر التربوية، خصوصًا في المواد العلمية والتقنية، لا يزال يشكل عائقًا أمام تحسين جودة التعليم.
ونوه التقرير أيضًا إلى أن حقوق الأطفال في وضعية إعاقة في التعليم لم تحظَ بالاهتمام الكافي خلال الموسم الدراسي 2024-2025. فعلى الرغم من وجود أقسام دامجة ومبادرات تهدف إلى دمجهم في النظام التعليمي، إلا أن غياب التجهيزات المناسبة والموارد البشرية المؤهلة يجعل التعليم بالنسبة لهؤلاء الأطفال أمرًا بالغ الصعوبة. كما أن السياسات التعليمية الموجهة لهذه الفئة لا تزال تفتقر إلى رؤية شمولية تضمن لهم حق التعليم على قدم المساواة مع أقرانهم.
ولفت التقرير أيضًا إلى أن غياب التعميم الكامل لقاعات الموارد الخاصة بالتأهيل والدعم الموجهة للأطفال في وضعيات صعبة، والذي يتطلب الجمع بين حضور الفصول الدراسية العادية والاستفادة من الدعم المتخصص داخل هذه القاعات، يشكل تحديًا كبيرًا. هذا النقص في توفير هذه القاعات بشكل شامل يعوق قدرة الأطفال على الحصول على الدعم اللازم للتعلم والاندماج الفعّال في العملية التعليمية.
وذكر التقرير أن التعليم الجامعي يواجه أيضًا تحديات كبيرة تتعلق بالجودة والمواءمة مع متطلبات سوق العمل، مما يفسر الارتفاع الكبير في نسب البطالة بين الخريجين. في الوقت نفسه، يرتفع عدد الملتحقين بالجامعات، مما يعكس خللاً في السياسات التعليمية التي لا تزال تركز على الكم على حساب الكيف. كما أن ضعف الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا يزيد من الفجوة بين الجامعات المغربية ونظيراتها على المستوى الدولي، مما يحرم الشباب المغربي من فرص اكتساب المهارات اللازمة للتنافس في الاقتصاد العالمي.
وفي سياق متصل، أفاد التقرير أن محاربة الأمية، رغم الجهود الوطنية المبذولة في هذا المجال، تظل إحدى القضايا الحقوقية الكبرى في المغرب. إذ تشير الأرقام إلى أن نسبة الأمية في صفوف الكبار لا تزال تتجاوز 25 بالمائة، مما يشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق التنمية المستدامة في البلاد. كما يُعد ضعف برامج محو الأمية في المناطق النائية والقروية إحدى أهم الإشكالات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً.
وأوضح المصدر ذاته أن التحديات الاقتصادية قد أثرت بشكل مباشر على التعليم خلال الموسم الدراسي 2024-2025، حيث تسببت الأزمة الاقتصادية الوطنية في تدهور القدرة الشرائية للأسر، مما أدى إلى زيادة معدلات الهدر المدرسي. ورغم ادعاء الحكومة بتقديم دعم لأسعار الكتب المدرسية وبرامج الإطعام والنقل المدرسي، فإن هذه التدابير، وإن وُجدت، لا تغطي كافة احتياجات التلاميذ، خاصة في المناطق الهشة.
كما أن المناهج الدراسية، على مستوى آخر، تفتقر إلى مقاربة شمولية تعزز التفكير النقدي والإبداعي لدى التلاميذ. ما زالت بنيتها تركز على الحفظ والاستظهار بدلاً من تطوير المهارات الحياتية، مما يجعل مخرجات التعليم غير متوافقة مع متطلبات العصر وسوق العمل، ويسهم في ارتفاع معدلات البطالة.