عدسة: عبد المجيد بن صالح
قبل أيام قليلة، كتب المنتخب الوطني المغربي لسيدات كرة القدم داخل القاعة فصلاً جديداً في تاريخ الرياضة الوطنية والقارية. ففي النسخة الأولى التي استضافتها الرباط بمشاركة 9 منتخبات، نجحت "لبؤات الأطلس" في التتويج بلقب كأس أمم إفريقيا، محققات بذلك إنجازاً غير مسبوق فتح لهن أبواب المشاركة في أول نسخة لكأس العالم بالفلبين.
"تيلكيل عربي" التقت بمهندس هذا النجاح، مدرب المنتخب الوطني عادل السايح، ليسلط الضوء على كواليس هذا التتويج التاريخي، التحديات التي واجهت الفريق، والمرحلة العالمية المرتقبة.
أول نسخة ولقب.. ما أهمية هذا الإنجاز لكرة القدم داخل القاعة سيدات في المغرب؟
تتويج المنتخب الوطني المغربي للسيدات بالنسخة الأولى لكأس أمم إفريقيا "فوتصال"، يحمل بالتأكيد أبعادا وأهمية كبيرة جدا بالنسبة للعبة في المملكة.
البطولة القارية التي استضافها المغرب شهر أبريل الماضي، ستساعد في الترويج لكرة القدم داخل القاعة سيدات بشكل كبير، كما أنها ستمنح حافزا للعائلات، لمواكبة بناتها اللواتي اخترن ممارسة "الفوتصال" مستقبلاً.
تحقيق لقب "الكان" سيدات سيوسع بلا شك قاعدة الممارسة خلال السنوات المقبلة، ويمنحنا كإدارة تقنية أريحية لمواكبة أكبر عدد ممكن من اللاعبات، قبل ضمهن إلى المنتخبات الوطنية.
هل توقعتم الوصول إلى هذا الإنجاز في أول نسخة من كأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة سيدات؟
في ضوء الإمكانيات التي تم رصدها لمنتخب السيدات لكرة القدم داخل القاعة والعمل الذي قمنا به منذ مدة وقبل انطلاقة "الكان"، كنت مؤمنا بأن المجموعة المغربية قادرة على كتابة التاريخ وتحقيق لقب أول نسخة من "الكان"، ونصبح أبطال القارة.
جامعة الكرة سخرت جميع الإمكانيات لمنتخب "الفوتصال" سيدات، سواء عبر إقامة تجمعات إعدادية بالمغرب وخارجه، أو بإجراء عدد من المباريات الدولية.
كل هاته النقاط أوضحت لنا مستوى المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم داخل القاعة سيدات، والتطور الذي عرفته المجموعة ولاعباتها، قبل دخول نهائيات كأس أمم إفريقيا.
دخلنا بتفاؤل كبير إلى "الكان"، خصوصا أن معظم المنتخبات المشاركة في أول نسخة من المسابقة القارية ليست متخصصة في "الفوتصال" باستثناء أنغولا، الذي سبقنا بخطوات في تطوير اللعبة.
لقد بذلنا مجهودا كبيراً للتحضير للبطولة القارية، وشخصياً آمنت بقوة بالمجموعة وقدرتها على رفع الكأس في المغرب.
كيف تقيمون مستوى المنافسة في البطولة القارية؟ وما هي المنتخبات التي شكلت لكم تحديا خاصا؟
أول نسخة لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة سيدات كانت استثنائية حسب تقييمي الخاص، لأن جميع المنتخبات التسعة المشاركة في البطولة قدمت مستوى عاليا فاق التوقعات.
وبما أنها أول مرة تقام فيها بطولة تجمع سيدات "الفوتصال"، فالمسابقة كان لها تفاعل ونجاح كبيران سواء تعلق الأمر بالمستوى التقني للمنتخبات، أو ما قدمته اللاعبات من مهارات وأداء.
وشخصيا فوجئت بالمستوى الذي ظهرت به المنتخبات المشاركة في "الكان" بأول نسخة، إذ لم أكن أتوقع هذا الأداء الكبير والحدة في التنافس، كما أن اللاعبات نصبن أنفسهن نجمات مباريات البطولة، خصوصا وأن "الفوتصال" سيدات بصفة عامة هو رياضة جديدة على إفريقيا مع بعض الاستثناءات كما ذكرت سابقاً.
في المقابل، كان منتخب أنغولا الخصم الذي شكل لنا تحديا خاصا خلال "الكان"، لأنه يضم لاعبات مختصات في اللعبة ومتمرسات، كما أنه دخل المسابقة وهو المرشح الأول للظفر بها.
واجهنا أنغولا في نصف النهائي، وكان لقاءً قويا وتحديا كبيرا لي وأيضا للاعبات المنتخب الوطني المغربي.
بعد أول نسخة لكأس إفريقيا "فوتصال" سيدات، بدأت تظهر ملامح اللعبة قاريا، هل نجحت سيدات القارة السمراء في تحدي "الكان"، خصوصا وأن التخوف كان كبيرا بسبب المنتخبات الحديثة النشأة؟
كان هناك تخوف كبير بخصوص الأداء والوجه الذي ستظهر به المنتخبات في هاته البطولة، خاصة أنها أول نسخة، لكن، وعلى عكس التوقعات، أكدت جميع المنتخبات المشاركة أن "فوتصال" سيدات قادم وبقوة.
كرة القدم النسوية في القارة الإفريقية تحظى بمكانة خاصة عالميا، ولدينا لاعبات متميزات، لكن وبعد إسدال الستار على نسخة المغرب لكأس إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة يُمكننا أن نقول بكل فخر بأن المشاركين نجحوا في أول تحد.
غالبية اللاعبات يمارسن كرة القدم العادية. كيف تمكنتم من تكييفهن مع متطلبات كرة القدم داخل القاعة في وقت قصير؟
كُنا مجبرين على الاستعانة بلاعبات كرة القدم العادية خلال "الكان"، (أريد شكر الأندية والرؤساء والمدربين الذين ساهموا في هذا التتويج لأنهم بتعاونهم معنا تمكنا من تشكيل المنتخب الذي تابع الجميع مشواره في البطولة وصولاً إلى التتويج بها).
أما بخصوص تأقلم اللاعبات مع "الفوتصال"، فقد أجرينا عددا من التجمعات التدريبية، كما خضنا عددا من المباريات الودية الدولية، وهاته الخطوات منحت التطور التدريجي للاعبات، والاحتكاك أكثر بكرة القدم داخل القاعة.
وأعتقد أن المتتبع الرياضي إن لم يكن يعرف سابقاً أن المجموعة التي شكلناها تلعب كرة القدم العادية، فلن يكون لديه شك بأنهن متخصصات في "الفوتصال".
ولا يسعني إلا تجديد الشكر للاعبات اللواتي قدمن تضحيات كبيرة طيلة الشهور التي قضيناها بين التجمعات التدريبية والسفر لخوض مواجهات دولية، فليس من السهل تكوين منتخب بهذا المستوى الكبير يجمع بين كرة القدم العادية وكرة الصالات.
ومن المفاتيح التي كانت حاسمة، أيضاً، هو العمل المتواصل ثم الإمكانيات التي تم رصدها لنا من طرف الجهاز الكروي للاشتغال بأريحية، وأيضا الرغبة والروح الوطنية للاعبات كل واحدة باسمها، من أجل تحقيق أفضل نتيجة.
كيف تقيمون أداء اللاعبات طوال البطولة؟ (خصوصا بعد التفاعل الكبير مثلا مع مهارات جاسمين دمراوي، وصلابة مريم حجري.. تصديات كوثر بن طالب وغيرهن من اللاعبات...)
جميع اللاعبات بدون استثناء داخل المنتخب الوطني المغربي، قدمن بطولة ممتازة جداً، لقد كان أداؤهن مشرفا جدا بالنسبة إلي.
وما جعلني أكثر سعادة، هو مواكبة تفاصيل تطور اللاعبات، منذ مرحلة الإعداد ووصولا إلى المباراة النهائية لأول نسخة من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة سيدات.
رأيت روح المسؤولية في اللاعبات منذ أول مباراة رسمية خلال "الكان".
وبالنسبة إلى جاسمين دمرواي التي تم اختيارها أفضل لاعبة خلال "الكان"، فهذا جاء بفضل المهارات التي قدمتها خلال البطولة، وأيضاً مساعدتها الكبيرة للمجموعة ككل لتحقيق اللقب القاري.
وبالنسبة للحارسة كوثر بنطالب، فأعتقد أن اللجنة المنظمة لـ"الكان" كانت قاسية في حقها لأنها كانت تستحق جائزة أفضل حارسة مرمى خلال النسخة الأولى للبطولة، فتصدياتها كانت حاسمة جدا.
الإحصائيات والتدخلات التي قامت بها بنطالب، تؤكد، ورغم عدم اختيارها، أنها كانت الأفضل خلال هذه الدورة.
وعموما، فقد قدمت اللاعبات بطولة "كان" مثالية، لقد تابعنا تتويج ضحى المداني هدافة للبطولة أيضاً، وهو ما يؤكد أن المجموعة لم تخلف الموعد.
كيف تمكنتم من بناء فريق متجانس وقوي في فترة وجيزة نسبيا؟ وما المعايير التي اعتمدتم عليها في اختيار اللاعبات خلال "الكان"؟
بناء منتخب وطني متجانس ظهر بالشكل الذي تابعناه خلال البطولة تطلب مني الجمع بين لاعبات يمتزن بمهارات وفنيات فردية عالية، بالإضافة إلى أسماء أخرى قوية جسمانيا، لأننا سنحتاج التدخلات القوية لهؤلاء اللاعبات في البطولة القارية، فالالتحامات البدنية والخشونة أشياء منتظرة في كرة القدم الإفريقية عموما.
لقد بدأت الاشتغال قبل حوالي 10 أشهر مع المجموعة تحضيرا لكأس أمم إفريقيا، وكان الهدف الأول هو تحضير قائمة متجانسة تضم لاعبات لديهن قوة جسمانية وأخريات بمهارات فردية عالية، سيسهلن علينا المباريات بفردياتهن.
اعتمدنا داخل المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة سيدات على استراتيجية واضحة، من أجل تجهيز فريق في وقت قصير، فكان التوجه الأول هو خوض مباريات إعدادية دولية مع منتخبات رائدة في "الفوتصال".
كان هدفي من هاته المواجهات، هو اكتشاف المشاكل والوقوف على النقاط التي يجب العمل عليها وتحسينها، وأيضا التعرف على الصعوبات التي من الممكن أن نواجهها خلال "الكان"، وعلى ضوء هذا البرنامج وضعنا خارطة طريق "الكان" والتحضير لمبارياتها.
في رأيك، ما الخطوات التي ترون أنه من الضروري اتخاذها للاستثمار في هذا الجيل وتوسيع قاعدة الممارسات؟
من اللازم علينا الاستثمار في هذا الجيل والتتويج القاري الذي حققناه.
كما أن الإخفاق في هذه الدورة، كان سيمحي المشروع بأكمله، لكن التتويج سيعود بالنفع على اللعبة في المغرب.
وبتوسيع قاعدة الممارسات مستقبلاً، سنصل إلى الاختصاص في كرة القدم داخل القاعة، ولن نلجأ إلى الاستعانة بأسماء تمارس كرة القدم العادية مع أنديتها.
علينا الاستفادة من هذا التتويج، كما يجب العمل على تطوير دوري كرة القدم داخل القاعة سيدات، ليمنحنا مستقبلا لاعبات متخصصات، يمكننا تشكيل مجموعة قوية منهن.
ما رؤيتكم لمستقبل كرة القدم داخل القاعة سيدات في المغرب؟
أظن أن الباب سيكون مفتوحا لكرة القدم داخل القاعة سيدات من أجل التألق، لأن النسخة الأولى لكأس أمم إفريقيا شهدت تفاعلا كبيرا مع مباريتها، وهو الأمر الذي فاجأنا، سواء تعلق الأمر بالإعلام الذي واكب تفاصيل البطولة، وأيضا الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم التي نوهت بشكل كبير بأداء "اللبؤات" من خلال تقاريرها وتغطيتها لمسار "الكان"، دون إغفال تفاعل الجماهير المغربية والحضور الكبير للعائلات بالقاعة الرياضية التابعة لمركب الأمير مولاي عبد الله لدعم المجموعة.
كل هاته التفاصيل هي إشارات إيجابية، تؤكد أن "فوتصال" السيدات في المغرب سيحظى بمتابعة وسيكون له شأنه كباقي الرياضات الجماعية الأخرى.
كيف قابلتم التفاعل الجماهيري مع مباريات المنتخب الوطني للسيدات، وهل توقعتم أنت وباقي اللاعبات الحضور الوازن والتشجيع رغم أنها مسابقة حديثة؟
قبل انطلاق "الكان"، لم يكن أحد يتوقع أن يكون الحضور الجماهيري كبيرا بذلك الحجم، لأن المنتخب الوطني حديث التأسيس، واشتغلنا لفترة مهمة في الظل، ولم يكن أحد يعرفنا أو يتابع تفاصيل تحضيراتنا.
والشيء الجميل خلال "الكان" هو أن انتشار مقاطع فيديو اللاعبات ومهاراتهن في المسابقة، منح الحماس للجماهير للحضور ودعم اللبؤات، فالمباراة النهائية أجريت بشبابيك مغلقة، كما أن عددا كبيرا من المناصرين لم يتمكنوا للأسف من حضور المواجهة بسبب امتلاء القاعة عن آخرها.
والأكيد، اليوم، أن هذه المجموعة وجدت مكانا لها في قلوب المغاربة، الذين تابعوا "الكان" وتتويجنا بأول نسخة منه، وهذا يشكل دفعة كبيرة للاعبات لبذل مزيد من الجهد ومواصلة العمل خلال الاستحقاقات المقبلة.
بعد ضمان التأهل إلى كأس العالم في الفلبين، ما طموحاتك وأهدافك في هذه البطولة العالمية؟
كأس العالم هو مسابقة ستكون أصعب من "الكان" دون شك، لأنه سيضعنا أمام منتخبات رائدة وقوية ومتخصصة مائة بالمائة في كرة القدم داخل القاعة.
ورغم أن المهمة لن تكون بالسهلة، فهذا لا يعني أننا سندخل المونديال من أجل النزهة، نريد أن نقدم أفضل نسخة ممكنة خلال البطولة العالمية وسنحضر بما فيه الكفاية، للمشاركة في المسابقة القوية التي تجمع 16 منتخبا تمثل 6 اتحادات كروية مختلفة.
هل بدأتم التفكير في مرحلة الاستعدادات التي ستخوضونها للمشاركة في كأس العالم؟
بالتأكيد، ستكون هنالك تجمعات تدريبية تحضيرية تسبق مسابقة كأس العالم "الفلبين 2025"، كما سنخوض مباريات دولية ودية قبل تاريخ المُسابقة التي تعد أول نسخة لمونديال كرة القدم داخل القاعة سيدات.
كيف تقيمون مستوى المنتخبات العالمية التي ضمنت لحدود الساعة مشاركتها بالمونديال؟
لحدود الساعة، جميع المنتخبات التي ضمنت مقعدها بالمونديال (الأرجنتين، البرازيل، كندا، كولومبيا، إيطاليا، نيوزيلندا، بنما، الفلبين، بولندا، البرتغال، إسبانيا(، قوية وتلعب في المستوى العالي، والمنتخبان اللذان لا يملكان التخصص في "الفوتصال" هما المغرب وتنزانيا ممثلا الكرة الإفريقية بالمسابقة.
المغرب أعطى، قبل أشهر فقط، انطلاقة بطولة محلية خاصة بكرة القدم داخل القاعة سيدات، إضافة إلى أن منتخب تنزانيا حديث العهد.
حاليا هناك 3 مقاعد لممثلي القارية الآسيوية، حيث تجرى مباريات كأس آسيا المؤهل إلى "المونديال"، وشاهدت المستوى الكبير وحدة التنافس خلال أولى مباريات المسابقة، وكما يعرف الجميع فإن اهتمام هذه القارة كبير جدا بكرة القدم داخل القاعة وتطويرها، سواء تعلق الأمر بفئة الذكور أو السيدات.
هشام الدكيك كان له دور بارز في تأسيس هذا المنتخب، كيف كان تعاملكم وتنسيقكم معه طوال فترة الإعداد والبطولة؟
هشام الدكيك، هو مدير قطب كرة القدم داخل القاعة، وكان وراء وضع اللبنة الأساسية لمشروع تأسيس منتخب للسيدات.
في بدايات المشروع، سبقني مدربون في قيادة منتخب السيدات للفوتصال، سواء تعلق الأمر بإطار وطني والمدربة الإسبانية، وبعد رحيل هذه الأخيرة وإنهاء ارتباطها مع جامعة الكرة، منحني هشام الدكيك الثقة لقيادة سيدات "الفوتصال".
الدكيك هو الأب الروحي للفوتصال المغربي، ومشروع تكوين منتخب نسوي كان من تخطيطه، ولقد نجح في ذلك بعد تحقيقنا للقب القاري.
ألم يكن تحديا بالنسبة لك قيادة منتخب سيدات "الفوتصال"، بعد مغادرة المدربة الإسبانية، قبل أشهر على "الكان"؟
كنت أمام تحد لأننا مقبلون على المشاركة في أول نسخة لكأس أمم إفريقيا، كما أننا كنا نجهل خصومنا ومستواهم بسبب الغموض الذي رافق جل المنتخبات، وهو أمر وضعنا أمام الضغط.
لكن الثقة في العمل الذي أقوم به واللاعبات اللواتي تم اختيارهن، كما أن الطريقة المغايرة التي اشتغلنا بها قبل "الكان"، أعطت أكلها، دون إغفال الإمكانيات المرصودة لهاته المجموعة، اليوم نحن أبطال القارة وعلينا الافتخار بهذا العمل.