رغم امتلاكه ترسانة قانونية متقدمة.. المغرب يحتل مرتبة متأخرة في المساواة بين الجنسين

بشرى الردادي

في زمن تتسابق فيه الدول لسدّ الفجوات الجندرية باعتبارها رافعة للتنمية، يكشف تقرير "الفجوة العالمية بين الجنسين 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن واقع لا يزال مثقلا بالاختلالات في المغرب. فعلى الرغم من الخطابات المتكررة حول تمكين النساء، يأتي تصنيف المملكة مخيبا للآمال، ويؤشر إلى أن الوعود لم تُترجم إلى تحوّل حقيقي.

وخرج المغرب هذا العام من قائمة الدول العشر الأسوأ أداء عالميا، لكنه ظل متأخرا في التصنيف العام؛ حيث حلّ في المرتبة 137 من أصل 146 دولة، بنسبة إغلاق لا تتجاوز 62.8 في المائة من الفجوة بين الجنسين، مقابل متوسط عالمي يبلغ 68.8 في المائة. هذا الترتيب يضع المغرب في مرتبة دون المتوسط حتى داخل فئة دخله الاقتصادي، ويعني أن البلاد لم تسدّ سوى ثلثي الطريق نحو المساواة التامة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول جدوى السياسات المعتمدة.

ورغم تحسنه بمركز واحد فقط مقارنة بعام 2024، إلا أن هذا التقدّم يظل طفيفا ولا يعكس تحولا بنيويا حقيقيا. ففي الوقت الذي قفزت فيه دول مثل بنغلاديش (+75 مركزا)، وبنين (+21)، والمملكة المتحدة (+10) بفضل إصلاحات ملموسة، يبدو أن التحسن المغربي يقتصر على مستوى الأرقام ولا يترجم تغييرا جوهريا في حياة النساء.

وتتعلّق أكبر فجوة مُسجّلة في المغرب بالتمكين السياسي؛ إذ لم تتجاوز نسبة الإغلاق 10.1 في المائة، وهي من أدنى المعدلات عالميا. ورغم اعتماد كوتا نسائية في البرلمان، تبقى مراكز القرار السيادي بعيدة عن متناول النساء. في المقابل، حققت رواندا تمثيلا نسائيا برلمانيا تجاوز 60 في المائة؛ ما يعكس التزاما سياسيا فعليا بتحقيق شراكة جندرية متوازنة.

وفي مؤشر المشاركة الاقتصادية والفرص، سجّل المغرب نسبة إغلاق ضعيفة بلغت 45.4 في المائة. وعلى الرغم من تفوق النساء في نسب التمدرس والتحصيل الأكاديمي، إلا أن مشاركتهن الاقتصادية لا تزال محدودة بسبب فجوات الأجور، وضعف الحماية الاجتماعية، وغياب مسارات واضحة للترقي المهني. وعند مقارنة هذا الأداء بدول مثل بوتسوانا (87.3 في المائة) أو باربادوس (84.8 في المائة)، يبدو أن المغرب يعيد إنتاج نفس المعوقات البنيوية التي تُبقي النساء على هامش الاقتصاد.

وحقق المغرب نسبة إغلاق بلغت 96.2 في المائة في مؤشر التحصيل التعليمي، في دلالة على نجاح نسبي في تعميم التعليم للفتيات. غير أن هذا الإنجاز الأكاديمي لم يتحول إلى حضور فعلي في سوق العمل أو مراكز القرار. ويشير التقرير إلى ما يُعرف بـ"فجوة التحويل" (skills-to-work transition gap)؛ أي العجز في ترجمة المؤهلات التعليمية إلى فرص اقتصادية حقيقية، وهو خلل عالمي تعاني منه النساء رغم تفوقهن في التعليم العالي.

وسجل المغرب أداء جيدا في مؤشر الصحة والبقاء، بنسبة إغلاق بلغت 97.1 في المائة؛ ما يعكس استقرارا في معدلات العمر ونسب الولادات الآمنة. لكن هذا المؤشر لا يعكس بالضرورة جودة الرعاية الصحية الشاملة؛ إذ لا تزال الصحة النفسية والرعاية التناسلية خارج أولويات السياسات، خاصة في الأرياف والمناطق الهشة.

ويمتلك المغرب ترسانة قانونية متقدمة نسبيا في مجال حقوق النساء، أبرزها قانون مناهضة العنف ضد النساء (2018)، لكن فعالية هذه القوانين محدودة في ظل غياب آليات تنفيذ قوية. فإمكانية لجوء النساء إلى العدالة لا تزال محفوفة بعوائق إجرائية ومؤسسية، بدءا من ضعف التبليغ، مرورا بندرة المراكز المختصة، وصولا إلى تردد أجهزة إنفاذ القانون. ويؤكد التقرير أن "تبني المعايير القانونية المتقدمة غير كافٍ وحده، بل إن الفجوة في التنفيذ هي ما يعيق تحقيق نتائج فعلية في المساواة".

وجاء أداء تونس أفضل من المغرب، بنسبة إغلاق بلغت 65 في المائة، بينما تخطت ناميبيا عتبة 81 في المائة؛ ما يوضح أن العائق لا يكمن في الموارد، بل في الرؤية والإرادة السياسية. كما يُلاحظ أن أداء المغرب (62.8 في المائة) أقل من متوسط الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى (66 في المائة)، وهو ما يعكس ضعف توظيف الإمكانات الاقتصادية المتاحة لتعزيز العدالة الجندرية.

وشدّد التقرير على الصلة الوثيقة بين سدّ الفجوة الجندرية وتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. فالدول التي تستثمر في تمكين النساء تحقق أداء أفضل على مختلف الأصعدة، بينما يؤدي تغييب نصف المجتمع عن دورة الإنتاج والقرار إلى تكاليف تنموية باهظة.