أثار تدخل الحكومة في مناقشة مقترحات القوانين داخل جلسة تشريعية لمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، موجة من النقاش الدستوري والسياسي، بعد أن عبر الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس،عن موقف الحكومة من إحدى المبادرات التشريعية.
النقاش تحو ل إلى سجال دستوري، عقب اعتراض النائب هشام المهاجري على تقديم الوزير رأي الحكومة داخل الجلسة، معتبرا أن هذا الاختصاص يخص مجلس الحكومة بعد التداول، بينما دافع عبد الله بوانو، رئيس مجموعة العدالة والتنمية عن قانونية المسطرة، مشيرا إلى الفصل 83 من الدستور، في حين وجه إدريس السنتيسي انتقادات شديدة إلى ما وصفه بـ"تحكم مدراء في رئاسة الحكومة في مصير المقترحات التشريعية للبرلمان".
الجلسة التي خصصت للدراسة والتصويت على عدد من مقترحات القوانين، عرفت تقاطبا حادا في المواقف، بين من يطالب باحترام المساطر المؤسساتية، ومن يؤكد على ضرورة تمكين البرلمان من صلاحياته التشريعية الكاملة في إطار التعاون مع الحكومة.
وفي معرض تقديمه لمقترحات قوانين تقدم بها فريقه، أثار إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، ما أسماه بـ"تحكم مدراء في رئاسة الحكومة في مصير مقترحات القوانين"، قائلا: "جميعنا يعرف أنه يوجد مدراء في رئاسة الحكومة، وهم من يجتمعون ويتخذون القرار"، قبل أن يتساءل: "العمل الذي نقوم به لا توجد بشأنه لجنة وزارية أو بين وزارية، فكيف يعقل أن يتم التحكيم بالنسبة للعمل التشريعي عبر مدراء؟".
واعتبر السنتيسي أن "مقترحات القوانين توجد في نفس مكانة مشاريع القوانين، مشددا على أن "البرلمان ينبغي أن يدافع عن ذلك"، وأضاف أن "التعليل الذي يتم تقديمه لرفض الحكومة مقترحات القوانين بكونها لا تنسجم مع البرنامج الحكومي غير معقول، لأنه لا علاقة بينهما"، مشيرا إلى أن "المقترحات تسد ثغرات قانونية".
بايتاس: الحكومة تحترم المبادرة التشريعية البرلمانية
في المقابل، رد مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، بأن "الحكومة تحترم المبادرة التشريعية البرلمانية"، وبين أن "مظاهر هذا الاحترام متعددة"، موضحا أن "من بين أبرز هذه المظاهر المسطرة المتبعة في التعاطي مع المقترحات".
وأشار المسؤول الحكومي إلى أن "الأمر كان ينظم سابقا من خلال اجتماع لجنة تقنية بحسب منشور لرئيس الحكومة، وهذا المنشور بفعل الممارسة بات متجاوزا، مضيفا أنه "تقرر إصدار مرسوم ينظم هذه العملية وذو طبيعة إلزامية".
ونفى بايتاس كون الحكومة لا تجتمع لمناقشة المقترحات"، مبرزا أن الحكومة منذ تنصيبها تجتمع مرة في الشهر، وأن عدد المقترحات التي تمت دراستها إلى اليوم تتجاوز 415 مقترح قانون، وأوضح أنه "في كل اجتماع تتم مناقشة عدد يتجاوز 12 مقترحا، والاجتماعات حول الموضوع كانت بالعشرات".
وبحسب بايتاس، فإن الحكومة لا تتعامل بمنطق خارج عن منطق المصلحة العامة والبرنامج الحكومي، مضيفا بالقول: "حينما نجد مبادرة تنسجم مع البرنامج الحكومي يتم الأخذ بها بشكل سريع".
المهاجري: يجب سحب كلام الوزير من المحضر
وفي أول تدخل له بعد غيابه عن النقاش السياسي لما يقارب سنتين، أشهر هشام المهاجري، النائب البرلماني عن فريق الأصالة والمعاصرة، "الفيتو" في وجه الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، رافضا أن يعبر هذا الأخير عن موقف الحكومة داخل الجلسة العامة، معتبرا أن ذلك "ليس من حقه ولا ينسجم مع المساطر المؤطرة دستوريا".
المهاجري، الذي وصف تدخل الوزير بأنه "غير مؤطر دستوريا"، اعتبر أن التعبير عن الموقف الحكومي يندرج ضمن صلاحيات مجلس الحكومة، قائلا: "القانون التنظيمي للحكومة واضح، ولا يمكن للحكومة تقديم رأيها في مقترح قانون من داخل الجلسة، ويكون فيه التوجيه السياسي للأغلبية".
وأوضح المتحدث ذاته أن الرأي الحكومي يبنى داخل مجلس الحكومة بعد دراسة اللجنة التقنية، ويوجه إلى الأغلبية بشكل سياسي، مشددا على أن "الفرق واضح بين وزير ومجلس الحكومة، والبرلمان".
وأضاف "إذا غير الوزير رأيه داخل الجلسة، هل سنغير نحن أيضا موقفنا ونصوت بناء على ذلك؟"، قبل أن يضيف: "مجلس الحكومة فيه ثلاثة أحزاب، والأمين العام للحكومة، ووزراء تقنوقراط".
وتابع: "رأي الوزير بماذا سينفع؟ وحتى إذا قبل المقترح، ما الذي سيحدث؟ الأغلبية تم تبليغها مسبقا بموقف المجلس الحكومي"، "قبل أن يطالب بـ"سحب كلام الوزير من محضر الجلسة".
بوانو يرد على المهاجري
من جانبه، قال عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، إن ما ذهب إليه المهاجري "بعيد عن الصواب، وعن الدستور، وعن النظام الداخلي".
وأوضح أن الفصل 83 من الدستور ، ينص على أن التعديل يشمل المشروع والمقترح، ومنح الأحقية للبرلمان وللحكومة، مشيرا إلى أن "النظام الداخلي والممارسة والأعراف كلها تؤكد على هذه الأحقية".
كما لفت بوانو إلى أن "القانون التنظيمي لأشغال الحكومة في مادته 24 ينص هو أيضا على حضور الحكومة أثناء تقديم مقترحات القوانين".
وتابع: "من يقول إن الحكومة خارج المسطرة حين تناقش المقترحات، فهذا مجانب للصواب، ومجانب للدستور، ومجانب للنظام الداخلي" .
بدوره، قال النائب البرلماني سعيد بعزيز، عن الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية، إن فريقه يثمن "هذا التقدم الملموس في علاقة مجلس النواب بالحكومة في مناقشة مقترحات القوانين".
وأوضح أن "المادة 24 من القانون التنظيمي لأشغال الحكومة تنص على مشاركة أعضاء الحكومة في أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بمناقشة، أو بتقديم، أو مناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين، كما يشاركون في جلسات تقديم التعديلات في شأنها والتصويت عليها".
وأضاف أن "الفقرة الثانية من هذه المادة تنص على أنه يجب أن تعبر مشاركة أعضاء الحكومة في هذه الأشغال عن موقف الحكومة، وأن تكون مطابقة للقرارات التي تتخذ من قبلها"، مؤكدا أن "التعبير عن الموقف لا يمكن أن نتصوره صامتا أو بلغة الإشارة، بل يكون بالتدخل والنقاش والكلام"، وخلص إلى أن "نحن اليوم نسير في الطريق الصحيح".
التويزي: لا يعقل أن يتقدم البرلمان بـ300 مقترح قانون
من جهته، قال أحمد التويزي، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، إن "النقاشات التي تثار بخصوص مقترحات القوانين يجب مقارنتها بما يجري في العالم"، مضيفا أن "البرلمانات التي لديها نظام سياسي وبرلماني واقتصادي مشابه لبلادنا، يشر عون 95 في المائة من القوانين عن طريق الحكومة، و5 أو 6 في المائة فقط من طرف النواب".
وتساءل التويزي: "هل هناك عاقل يقول إن البرلمان المغربي يمكن أن يضع 300 مقترح قانون؟ ليجيب قائلا: إنه "غير ممكن لأن البرلمان لا يتوفر على الإمكانيات البشرية والتقنية التي تتوفر عليها الحكومة".
وزاد مفسرا: "الحكومة، بأجهزتها وإمكانياتها، تقدم 35 مشروع قانون في السنة، فهل يعقل أن البرلمان لوحده يقدم أكثر؟ هناك إشكالية"، مشيرا إلى أن "في فرنسا، يتم حصر عدد المقترحات المؤهلة للمناقشة من طرف مكتب المجلس"، مبرزا أن "فرنسا تعتمد على مسار تشريعي مضبوط، فيه تقييمات قانونية وتقييم للمقترح".
وأكد التويزي أن "رئيس الحكومة والبرلماني في نفس مرتبة رئيس التشريع، وإذا كنا في هذا المستوى، يجب أن نكون في مستوى هذه المرتبة، وليس أن نحضر 200 مقترح قانون دفعة واحدة"، وشدد على أن "هذه الاختصاصات حصريا للبرلمان، ويجب أن نحافظ عليها" معتبرا أن "ليس الهدف هو وضع 300 مقترح قانون في يوم واحد".