بدأت حديثها مع "تيل كيل عربي" بعبارة "تعبت"، لكنها جمعت أنفاسها وقالت بعزيمة "سوف أستمر". لماذا؟ تجيب عائشة الشنا، التي يناديها آلاف المغاربة بـ"ماما"، أنها "وعدت الله خلال مرضها، إذا أطال في عمرها، سوف تمنح ثلاثة أقسام وقتها للأمهات العازبات وأطفالهن، وقسما واحدا فقط لحياتها وأسرتها.
الشنا تكشف خلال هذه الدردشة الرمضانية ما قاله الملك محمد السادس عندما علم بمرضها. كما تدلي بموقفها من الإجهاض، ولماذا تناصر اعتماد التربية الجنسية في التعليم.
قبل أن نبدأ الدردشة معك. قلت عبارة "عييت"... علاش الشنا كتحس بالتعب اليوم؟
لا أريد شيئا، ولم يسبق لي أن طلبت شيئاً. لكن أشعر بالتعب لأنني لم أهتم بنفسي، ولم أعط الوقت الكافي لأسرتي. وجدت نفسي اليوم محتاجة للجلوس مع الأسرة أكثر، وأستحضر في كل لحظة الهجمات التي تعرضت لها، من طرف عدد من الناس، احتاجوا لوقت طويل كي يقتنعوا بالقضية التي ناضلت لأجلها.
(مقاطعا) لكن هناك في الجهة المقابلة من دعموا الشنا ويقدرون ما قدمته للأمهات العازبات وأطفالهن.
نعم، لا أنكر ذلك، وعدد منهم منحوني القوة لأستمر وأشكرهم على ذلك. دافعت طيلة سنوات عن فئة كان يحاكمها المجتمع ويصدر حكمه ضدها، و"كليت العصا مزيان على ود هذا الملف"، والكل شاهد على ما وقع. بل كنت أتعرض للسب والشتم بأقدح الأوصاف، ومنهم من كانوا يقولون إن "الشنا تشجع على الفساد".
ما قمتم به يعطي ثماره اليوم. ما رأيك في الأصوات التي كانت تحسب على من هم ضدك، ومؤخراً بدأت تطالب بالاعتراف بالأطفال خارج إطار الزواج أو إثبات النسب باعتماد الحمض النووي ومنهم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني؟
أقول لهم "مبارك ومسعود عليهم". قلت هذا الجواب، لأنهم سنوات وهم يهاجمونني ويؤاخذونني على ما كنت أدافع عنه.
ولا يجب أن ننكر "علاش تقلبت الوضعية وتقلبت مواقفهم"، أولاً لأن مواقعهم تغيرت، وثانياً لأنه أصبح عندنا دستور وقانون يحمي المرأة والطفل، وأنا أرى أن كل هذا بفضل الملك محمد السادس، والجمعيات التي ناضلت لصالح هذه الفئات ودفاعاً عن حقوقها.
اليوم أصبح حق الطفل فوق أي اعتبار، كيف ما كانت الظروف التي ولد فيها.
هناك مراجعات، من طرف عدد من الذين هاجموني يومياً، ورغم ما صدر عنهم ضحيت ولست نادمة.
كيف يكون رد فعلك عندما تلتقين شباباً كانت الظروف ستقودهم إلى الشارع، لكن اليوم كبروا وأصبح لهم مستقبل رفقة أمهاتهم العازبات؟
"ماشي غير كنفرح" (تضحك)، إذا كان هناك تعبير أكثر من هذا يمكن أن تحس بما أقوله وتنقله.
وما يفرحني أكثر، أن الصمود الذي آمنت به، هو ما جعل عددا من الناس يراجعون مواقفهم، بل عندما أزور الجامعات حيث تجد جميع أطياف المجتمع بمن فيهم المتشددين، تجد أن الشباب يستجيبون للتجربة ويتفاعلون مع ما ناضلت لأجله، وأكرر الحمد لله ما قمت به لم يذهب مجاناً.
خلال دخول شهر رمضان، ورغم أن من يسألون عن أحاولنا في الجمعية قلائل، إلا أن هؤلاء يسألون عن الطريقة التي يمكن أن يساعدوننا بها، ويعرضون كل ما يستطيعون القيام به، لتوفير ظروف إيواء الأمهات العازبات وأطفالهن. أنا أفرح عندما أُسأل "الشنا أشنو خاصكم... ماشي أشنو خاصك".
*واش كين وليدات نجحوا في حياتهم بفضل جمعيتك ولا يزالوا يتواصلون معك؟
الجيل الأول من الأطفال الذين مروا بجمعية التضامن النسوي، لـ"خدم.. خدم، ولي قرا.. قرا ولي تزوج.. تزوج".
سوف أعرض لكم ثلاث حالات، الأولى لسيدة كانت عندنا في مركز عين السبع، وكنت دائماً "كنشد عليها القشابة"، لأنها ظلت تحمل طفلها على ظهرها رغم أن "رجليه كانوا كيدلاو للأرض"، وكانت نحيفة وقصيرة القامة. بعد سنوات، ابنها في الجامعة، وناجح في مساره الدراسي، بل ظهرت عنده موهبة الفن التشكيلي.
سيدة أخرى، مرت من الجمعية، استطاعت إكمال دراستها وأصبحت اليوم بمنزلها وسيارتها وانتزعت الاعتراف القانوني بطفلها رغم عدم عقد قرانها.
أم عازبة أخرى، طفلتها كبرت وتخرجت من كلية الطب، وتعمل اليوم طبيبة، هذه السيدة قبل عامين كنت ضيفة على الإذاعة الوطنية، وكان النقاش حول الأمهات العازبات، اتصلت وتناولت الكلمة، وبدأت هي ترد على من كانوا يوجهون لي الانتقادات على الهواء المباشر، وقالت لهم "باركة ما ضربوا في ديك المرأة، بفضلها كبرت بنتي وقرات وولات طبيبة كتداوي المغاربة وتزوجت وها هي حدايا كتسمع فيها". هذه السيدة التي اتصلت، عاشت ظروف قاسية جداً، لأن عدداً من أفراد أسرتها كانوا في سلك الشرطة.
يجب أن نعلم أن الأطفال الذين كبروا بدون هوية، ولا يعرفون أباءهم وأمهاتهم هم مسؤولية الدولة، ولأننا نقول دائما في الخطاب الرسمي نحن نشيد دولة الحق والقانون، إذن من حق هؤلاء الأطفال عندما يكبرون أن يرفعوا دعوى قضائية ضد الدولة، لأنها لم توفر لهم الحماية، بل من حقهم محاكمة المجتمع لأن أحكامه حرمتهم من الحق في النسب، وتمنع اقرار التربية الجنسية. من حقهم أن يقولوا المجتمع ولم يدعم أمهاتنا لكي لا يكن ضحايا، وهناك تجربة في فرنسا لهذه الفئة رفعت دعوى قضائية ضد الدولة لدى المحكمة العليا الفرنسية.
هناك اليوم 30 ألف سنويا طفل يأتون إلى الحياة في المغرب خارج إطار العلاقات الزوجية، و"باز" للسياسيين والمسؤولين والبرلمانيين لـ"ما كيتبورش عليهم لحمهم" عندما يسمعون هذا الرقم.
*(مقاطعا) هل فعلا 30 ألف طفل سنوياً يولدون خارج إطار الزواج؟ !
هذا الرقم كشفه البحث الذي قامت به العصبة المغربية لحماية الطفولة بشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف". حينها كانت الأميرة لالة أمينة تدعم هذا البحث، ولم يستطيعوا اغلاق باب المعلومة في وجههم، وبعد صدور هذا التقرير، حاولت جمعيات أخرى لكنها لم تستطع.
ويجب أن أروي لكم قصة لسيدة، التقيتها قبل أشهر في مدينة بنجرير، أم عازبة تم القبض عليها وهي تحاول التخلص من رضيعها في حاوية أزبال، عندما اقتادها رجال الشرطة إلى "الكوميساريا ردو ليها ولدها"، وعندما رأيتها رفقته، "خاصك تشوف كيفاش كانت ضامة وليدها لصدرها"، ولا تريد التخلي عنه، ما يؤكد أن ظروف الأم العازبة تكون أقوى من رغبتها في الاحتفاظ بالرضيع.
*ما هي قصتك مع المرض وتكفل الملك محمد السادس بعلاجك؟
في سنة 2007 أصبت بمرض السرطان، ورفضت أن يقال لي أنت مصابة بهذا المرض، سيدنا (الملك محمد السادس) توصل بالخبر، ولم أبادر أنا بإخباره، هناك من اتصل به من المستشفى الذي دخلته منتصف اليوم، وفي حدود الساعة العاشرة ليلاً تلقينا اتصالا من الملك، وقال لهم "سلمو على الشنا وقولوا ليها تهلا في راسها، وما ترفدش الهم للعلاج والدواء داخل المغرب أو خارجه، وقولوا ليها راحنا باقين محتاجين ليك".
لم أشأ التصالح مع المرض، حتى زارتني يوماً صحفية من مجلة "الأسرة"، وكان طاقم تحريرها أطلق مبادرة مع عدد من الفنانين التشكيليين لدعمي خلال محنة المرض، وهمست الصحفية في أذن صديقتي حفيظة الباز وهي خارجة: "إذا قبلت السيدة الشنا مرضها أنا أكيدة أنها سوف تستمر في دعم النساء العازبات"، هذه العبارة جعلتني أتوجه إلى الله وأخابطه بالقول: "واخا سيدي ربي أنا مرضت بالسرطان غادي نقبلو، ولكن إلا شافتني أعدك كل ما باركت ليا في العمر ربعة القسمات لي غادي تخلني نعيش، ثلاثة منهم غادي نخليهم لقضية النساء العازبات وأطفالهن والقسمة لي باقية خليها ليا ولولادي".
صباح اليوم الموالي جاء الطبيب، وأخبرته بكل شيء، وقبلت أن أخضع للعلاج، وبعد ذلك عدت للعمل في الجمعية "باقي شعري ما طلعش"، ويومها خرجت "غضبانة" من الجمعية بسبب نقاش، وصحت في وجههم "خليتها ليكم زرعوا فيها الحرمل"، ونسيت الوعد الذي قطعته مع الله.
لكن حادثين وقعا ذكراني بالوعد، الأولى أنه من الصدف الغريبة أن سائق سيارة الأجرة الذي أقلني إلا البيت يومها، "طلع" طفل أم عازبة مر عندنا هو ووالدته في مركز الجمعية، وتذكرني وسأل عن أحوالي.
الواقعة الثانية، لما صعدت إلى المنزل وأمسكت التسبيح الذي أعتبره اليوغا "ديالي"، وأداوم عليه بعد أداء كل صلاة، نمت ورأيت رؤية أقسم أن تفاصيلها كما أرويها لكم.
رأيت مريم العذراء يحطن بها "رهيبات" يلبسن بياضاً ناصعاً، وخلفي عدد الأشخاص يحاولون الاعتداء عليها، فارتميت إلى جوارها وأحطتها بجسدي دون أن ألمس جسدها، وقالت لي إحدى "الرهيبات" وهي تبتسم لا تلمسيها إنها مقدسة، لقد حميتها بجسدك، ثم أخذت القليل من التراب ووضعته تحت شاربي، وقالت لي مجدداً "أنت تحملين رسالة".
هذه الرؤية رويتها لأصدقاء أطباء النفس، أجمعوا على أن راسي عامر بقضية النساء العازبات وأطفالهن، ورويتها كذلك لرجال الدين المسلمين والمسيحيين واليهوديين بل حتى البوذيين أخبرتهم بالرؤية في مدينة ميلانو الإيطالية وكانت صديقتي غيثة الخياط شاهدة (تضحك)، بدورهم كلهم أجمعوا على أن ما رأيته مريم العذراء والتراب هو رسالة، مفادها "أنك لا يجب أن تتوقفي عن أدائك دورك". من يومها لا أتوقف، لدرجة أن أفراد أسرتي يقولون لي "عندما تكونين تتحدثين عن قضيتك تظهرين صحيحة ما فيك والو، غير كتجي عندنا كتبداي تماوتي علينا".
*هل هناك من له القدرة على حمل مشعل قضيتك؟
هذا السبب من الأسباب الذي يجعلني أواصل، وأنا أرى أن الخلف في الشباب الذي أزروهم في الجامعات وأتواصل معهم، وأخبرهم دائما أن لا ينتظروا من السياسيين سن قوانين تحمي المرأة والأطفال، بل عليهم أن يبادروا ويدافعوا عنهم، انتظار السياسيين مضيعة للوقت، ودوركم تغيير العقليات.
نحتاج 20 سنة أخرى لتغيير العقليات، بشرط أن نكون حاضرين وسط الشباب خاصة في الجامعات. لماذا أشدد على الجامعات؟ لأنها فضاء للعلم والمعرفة يجب استغلاله، ولأن الجمعية استقبلت دائما طالبات أصبحن عرضة للشارع بسبب حملهن، وفقدن كل شيء، وعندما ألتقي بهن، أخاطبهن بالقول: "شوفي أبنيتي ها هو قدامك، دوري عندو شوفي فيه، زوين ياك، الا قال لك كبغيك قول ليه حتى أنا، ولكن شد يدك عندك".
أخبر الطالبات أنه في مجتمعنا الذي يجرم الإجهاض، عندما تحبل المرأة خارج إطار الزواج تكون الضحية هي وطفلها، وتفقد كل شيء.
*ما هو موقفك من الإجهاض؟
أنا ضد الإجهاض، ليس هو الحل الأول، التربية الجنسية هي الحل.
يجب أن نعلم أبناءنا الحماية الجنسية، وليس كما يسوق البعض أنها تشجيع على الفساد، وتشجيع للفتيات كي يقبلن على أخذ حبوب منع الحمل، رغم أنهن يقمن بذلك، لكن دون استشارة الطبيب ودون أن تعرف أن لهذا السلوك ضوابط طبية تجهلها.
هناك فتيات صرحن لنا أن حبوب منع الحمل لم تمنعه، لأنهن لا يعرفن أن هناك ضوابط يجب أن يتبعنها لمنع وقوع الحمل، بل يتوجهن نحو الصيدلية ويشترينه ويتناولنه فقط عندما يردن الخروج مع الشباب وممارسة الجنس، هل يستطيع اليوم أي رجل شرح هذه الأمور لأخواته وبناته؟ للأسف لا.
في السبعينات كنت أتوجه إلى القرى، وأقنع الرجال بمجالسة النساء للحديث عن التربية الجنسية، وأخبرهم بصراحة عن الهدف، المغاربة يرفضون فقط من يكذب عليهم، لنتحدث معهم بصراحة، ونخبرهم بما يعانيه المجتمع اليوم بخصوص هذه القضية.