قبل الوصول إلى مدينة آزرو، عند حاجز الثلج، تدلف إلى أول مدخل صغير على يسار الطريق، تمتد على جنباته أشجار الأرز. لا يوحي إليك المشهد أنك في اتجاه مكان تُسلب فيه حرية من يخالفون القانون. بنايات تنسجم مع الجبال المحيطة بها، إن حذفت الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة من الصورة العامة لهذا الركن، تكاد تخال أن مقصدك "منتجع"، تفنن مهندسه في رسم مرافقه في تناغم مع احترام الحق في الحياة، وإن خلف الأسوار...
على الطريق بين آزرو ومكناس، لا تخاصم بناية السجن المحلي لأزرو محيطه، وجنباته الأربعة تطل على الجبال الشامخة في المنطقة. يمكن للنزلاء رؤيتها أين ما ولو وجوههم. هؤلاءيصل عددهم، حسب المسؤولين، إلى قرابة الـ500 نزيل، بينهم عدد قليل من النساء، وأحداث في أجنحة خاصة بهم، بُعيد بضع كيلومترات عن مدخل المدينة، لكنه قريب من محيطها ويشبهها تماماً في هندسة مرافقها.
"تيل كيل عربي" حل بالسجن لمتابعة إحدى مراحل الجامعة الصيفية التي تنظمها مندوبية السجون للنزلاء الأحداث، ودون سابق إنذار، وجه الموقع طلبا لمدير السجن بزيارة كل مرافقه. لم يتردد، ليكلف حارساً بمهة المرافقة، ويأخذنا في جولة اختطلت فيها كل المتناقضات تجاه وصف هذا المكان.
تجربة أمريكية
يقول المسؤولون في مندوبية السجون، خلال زيارة "تيل كيل عربي" لمرافق سجن آزرو، نهاية الأسبوع الماضي، إنهم استلهموا في تدبيره من التجربة الأمريكية في إدارة السجون، بعدما اطلعوا، خلال زيارات متكررة إلى الولايات المتحدة، على كيفية تدبير شؤون فضاءاته باستحضار المحيط الذي شيد فوق ترابه.
التجربة، حسب المسؤولين، هدفها جعل فضاء السجن فرصة للتهذيب ومساعدة السجناء على التأهيل وتحضيرهم لإعادة الاندماج في المجتمع.
أحد حراس السجن، الذي رافق "تيل كيل عربي" خلال الجولة، يوضح في حديثه ونحن ننتقل من فضاء إلى آخر، على وقع صوت الأقفال وهي تقفل وتفتح، أن السجناء هنا مقسمون إلى ثلاث فئات، الفئة "أ"، وهم السجناء المدانون بأحكام ثقيلة واقترفوا جرائم جنائية، والفئة "ب" وهم النزلاء الذين أدينوا بأحكام أقل، ثم الفئة "ج" وأغلبهم من الذين يتابعون في حالة سراح أو الذين ارتكبوا جنحاً أو مخالفات.
ويشدد حارس السجن على أن نظام سجن آزرو، يحرص على عدم الخلط بين النزلاء، حتى خلال فترة الفسحة اليومية، إذ يتم تقسيمها حسب الفئات، مع مراعاة تشديد الرقابة خلال فترة فسحة الفئة "أ" بالنظر إلى طبيعة السجن ومحيطه.
أجنحة مجهزة
12 جناحا موزعون على دورين، 6 فوق و6 تحت. وجناح ثلاث عشر مخصص للنساء. في كل جناح تمتد الزنازن مقابلة لبعضها البعض، داخل كل واحدة منها 8 أسرة، بين كل زنزانة بهو فسيح يصله ضوء الشمس من الخارج ومن شبابيك الزنزانات الصغيرة، التي لا يحتاج النزلاء داخلها لضوء الكهرباء نهاراً.
لكل جناح ما يحتاجه لتدبير النزلاء لشؤون حياتهم اليومية، حمامات مجهزة برشاشات تعادل عدد كل النزلاء في الغرفة الواحدة، يصلها الماء الساخن، وغرفة أخرى مجهزة بأدوات الحلاقة، ومطبخ فيه ما يحتاجه السجناء إن هم أرادوا حصة إضافية من طعام اليوم الذي يقدمه مطبخ السجن، يكلفون المسؤول عن جناحهم بتحضيره لهم.
نزلاء سجن آزرو لم يحرموا من متابعة المنتخب المغربي وباقي مباريات مونديال روسيا هذا العام، يقول مرافق "تيل كيل عربي" خلال الجولة، في غرفة صغيرة حيث يراقب الحراس من خلال الكاميرات كل زاوية في الأجنحة، جهاز استقبال مجموعة قنوات "بين سبورت"، ولكل جناح واحد خاص به داخل غرفة المراقبة، موصول إلى موزع كبير، ينقل عبر كابلات ربطت بالزنزانات ترددات القنوات الرياضية وغيرها، وداخل كل واحدة منها تلفاز كبير من النوع الجيد (بلازما).
يستفيد النزلاء يومياً من حصتين من الفسحة، مقسمة حسب الفئات التي سبق ذكرها، وفضاءات الفسحة بسطح مكشوف كلياً، يمكن من خلالها التطلع إلى جبال آزرو.
فرصة الاندماج
من يدخلون السجن ولهم رغبة في مواصلة تعليمهم أو تعلم حرفة أو مهنة، يمنحهم الفضاء البيداغوجي هذه الإمكانية، يقول حارس السجن، فبادر "تيل كيل عربي" بطلب زيارته، ولم يتردد الحارس في تلبية الطلب.
طرق الباب ونادى على زميله في الجهة الأخرى، فتح الباب، لتظهر خلفه 5 أقسام فسيحة، تمنح النزلاء فرصة التكوين في حرف الصباغة والكهرباء والبناء والسمكرة والترصيص. مدة التكوين، حسب مرافق "تيل كيل عربي"، عام واحد، يحصل بعده النزيل على دبلوم معترف به لا يحمل أي إشارة إلى أنه تحصل عليه داخل السجن.
طرحنا السؤال حول حالة انقضاء مدة عقوبة أحد السجناء قبل أن يكمل فترة تكوينه، ويقول حارس السجن هنا، إن "قبل التسجيل في التكوين تؤخذ بعين الاعتبار مدة العقوبة، متى سوف تبدأ ومتى ستنتهي، لكن يمكن لمن أتم ثلثي السنة وأتم عقوبته، أن يعود إلى السجن بعد تقديم طلب للمديرية، ويجتاز الامتحان النهائي داخله، ويحصل على شهادته".
وعن عدد الذين يتخرجون سنويا من فترة التكوين داخل السجن، يقول المتحدث ذاته، إن عددهم ما بين الـ80 والـ90، يحصلون سنويا على شهادات تخول لهم الحصول على عمل بعد انقضاء فترة عقوبتهم أو امتهان الحرفة التي تعلموها.
كتب ودين وفن
عناوين مختلفة، اجتمعت هنا، الفلسفة والنقد والفكر والعلوم السياسية والقانون والعلوم الحية والدراسات الإسلامية والأدب والرواية، متراصة دون ترتيب محكم، بعضها مبعثر على الرفوف، ما يجعلك تتصور أنها تُزحزح من مكانها يومياً لأجل القراءة والمطالعة.
هذه هي مكتبة سجن آزرو، غرفة فسيحة مشمسة، وفي الجهة الأخرى، فضاء آخر يقصده النزلاء بعد اختيار ما يودون قراءته، كما يمكنهم استعارة الكتب شريطة إعادتها بعد أسبوع من أخذها معهم إلى الزنزانة.
قرب المكتبة غرفة تنبض بالحياة دون حاجة لمن يملأ أركانها، يثيرك عند دخولها رائحة الصباغة، ومجسم لحصان متقن من الجبس، نحته أحد السجناء الذي ترك توقيعه عليه، وفي كل جانب من الغرفة لوحات تشكيلية أبدع من "اقترفوا" خلط الألوان في نسج ملامحها.
وفي الفضاء نفسه، تظهر خلف قضبان حديدية، آلات موسيقية مختلفة، يقول حارس السجن الذي يواصل مرافقة "تيل كيل عربي" عند كل زاوية من هذا الفضاء، إن عددا من السجناء يبهرون بالعزف حين تتاح لهم الفرصة، وعدد منهم يختارون خلال فترة فسحتهم هذا الفضاء.
كما يتوفر الفضاء ذاته، على مسجد يدار بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ويستفيد فيه النزلاء الراغبون في ذلك، من دروس دينية أسبوعية.
يوفر سجن آزرو كذلك، ملعباً مكشوفا لكرة القدم، وقاعة أخرى مغطاة، جهزت أفضل من فضاءات شيدت خصيصا لمزاولة الأنشطة الرياضية. خلال فترة الزيارة، كان نزلاء أحداث يتسابقون خلف كرة السلة، يقفزون ويركدون، ينضبطون لصفارة الحكم وهو أحد حراس السجن، لكن تلحظ أن انضباطهم في هذه اللحظة لصوت الصفارة يختلف، لأن الأصل في اطلاق "الأمر" متعة.
عناية صحية
طبيب رئيسي، و6 ممرضين، يداومون هنا يوميا، يديرون شؤون مصحة نزلاء "خلف أسوار آزرو". غرفة سخرت لتكون صيدلية السجن، وخمس غرف أخرى للعلاج والفحص تتوفر فيها جميع الأجهزة الضرورية، بما فيها غرفة لعلاج وجراحة الأسنان.
ماذا عن الحالات المستعصية والتي تتطلب تدخلا طبيا ومراقبة على مدار الساعة؟ سؤال وجهه "تيل كيل عربي" للممرضة المداومة التي صادف وجدوها بالمصحة الجولة، تقول وهي تشير إلى الحارس بفتح زنزانة تقابل الغرف، "هنا يتم وضع الحالات التي تحتاج المراقبة الطبية، المصحة مجهزة بـ12 سريراً نضع عليها المرضى، وهناك حالات نفصلها عن السجناء في حينه كي لا تنتقل العدوى، حتى وإن كانت حالة المرض الحمى أو الزكام، ومن تتطلب حالته تدخلا يفوق الإمكانيات المتوفرة ينقل إلى المستشفى خارج السجن، ونادرا ما نلجأ إلى هذا الخيار، لأننا نوفر العلاج هنا".
تقول الممرضة إن 10 في المائة من نزلاء سجن آزرو يعانون من الأمراض المزمنة، خاصة داء السكري وأمراض التنفس، وكلهم بحسبها، توفر لهم المصحة الأدوية التي يحتاجونها.
في ختام جولة "تيل كيل عربي" بين فضاءات سجن آزرو، وقبل الوصول إلى البوابة الرئيسية التي تقودك مباشرة نحو الخارج، تلتفت تلقائيا لتتأمل شكل البناية مرة أخرى، تقلب عينايك ذات اليمين وذات الشمال أسفل وتحت، وتكرر ما بدأت به الانطباع الأول: لولا الأسلاك والأسوار المرتفعة في حدود المعقول وأبراج المراقبة، لخلت أنك انتهيت من زيارة "منتجع".