خرج حزب العدالة والتنمية خاوي الوفاض من الانتخابات الجزئية التي جرت، أمس (الخميس)، بدوائر أكادير وتارودانت الشمالية وبني ملال، والتي خاض النزال فيها أساسا أمام حزب التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، وسط معطيات وتحليلات، تفيد أن الأزمة الداخلية للحزب كان لها وقع سلبي كبير على الاقتراع، إذ قاطعته القواعد القارة للحزب، بالشكل نفسه الذي قاطع به تيار الوزراء الحملة الانتخابية لأن مرشحي الحزب، يعدون من المساندين لبنكيران.
"سقوط حر" في أكادير
وتم تسجيل أكبر هزيمة لحزب العدالة والتنمية بدائرة أكادير, حيث تم التنافس على مقعد حميد وهبي، شقيق عبد اللطيف، قياديي الأصالة والمعاصرة، فناله محمد الولاف، مرشح حزب التجمع الوطني للأحرار بـ9035 صوتا، مقابل 5690 صوتا لمحمد أمكراز، البرلماني السابق عن اللائحة الوطنية لحزب العدالة والتنمية، في ظل نسبة مشاركة لم تتجاوز 8 في المائة في عاصمة سوس، التي يمثلها الحزب الإسلامي في مجلس النواب بنائبين عقب اقتراع الجمعة 7 أكتوبر 2016، ويدير شؤون مجلس جماعتها بالأغلبية المطلقة منذ اقتراع 4 أكتوبر 2015.
وبالمقارنة مع بيانات نتائج 7 أكتوبر 2016، يبرز أن حزب العدالة والتنمية فقد بدائرة أكادير وفي ظرف سنة واحدة 30814 صوتا، إذ نال في السنة الماضية 36504 صوت، في حين استطاع حزب التجمع الوطني للأحرار الحصول على 1231 صوتا جديدا، إذ أن مقعد النائب البرلماني عبد الله مسعودي، ناله في اقتراع 2016 بـ7804 أصوات، وراء لائحة حزبي العدالة والتنمية (مقعدان بـ36504 أصوات)، والأصالة والمعاصرة (حميد وهبي) بـ15011 صوتا.
ولم تتردد آمنة ماء العينين، القيادية وعضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، في وصف نتيجة محمد أمكراز، ابن بلدتها تزنيت، بـ"السقوط الحر" للحزب، فقالت إن أكادير "دائرة محسوبة لنا سياسيا ومنافسونا لم يحلموا حتى في تفاؤلهم الأقصى بالحصول عليها، وصرحوا لنا بذلك جهارا، واليوم نفقد فيها قرابة 30 ألف صوت دفعة واحدة أغلبها من داخل المدينة وليس في البوادي. أليس هذا سقوطا حرا؟"، ثم أضافت "يجب أن نعترف جميعا أن الأمور ليست بخير وأن المسار ليس قويما وأن خطاب المراجعة والنقد هو خطاب ذو مصداقية دون تشنج أو اصطفاف".
ويبدو أن المقصود بالتشنج والاصطفاف الذي تتحدث عنه أمنية ماء العينين، هو نقل تياري العثماني وبنكيران لصراعهما التنظيمي الداخلي إلى ساحة الانتخابات الجزئية، إذ سجل عبد الله بوشطارت، وهو إعلامي أمازيغي معروف وسبق أن ترشح باسم فدرالية اليسار في اقتراع 2016 بدائرة سيدي إفني بسوس، أن من خلفيات هزيمة "بيجيدي" في أكادير، "الحملة الانتخابية المحدودة والمتواضعة جدا" بسبب الخلافات الداخلية للحزب.
وأوضح المتحدث قائلا: "إن قيام عبد الإله بنكيران بترشيح محمد أمكراز جعل انتخابات اكادير تجسد لنا العمق الحقيقي للصراع داخل الحزب بين تيار ابن كيران وما يسمى تيار الوزراء المساند للعثماني، إذ لاحظنا ان حملة المحامي امكراز كانت محدودة ومتواضعة جدا بعد مقاطعتها من قبل عبد الجبار القسطلاني، الكاتب الجهوي للحزب ونائب رئيس الجهة، الذي يشغل حاليا مستشارا في ديوان الوزير الرباح، رأس الحربة في الصراع مع ابن كيران".
وأضاف المتحدث ذاته، في تحليله، قائلا "أما عبد الله اوباري، النائب البرلماني لولايتين سابقتين عن اكادير، فقد سافر الى الخارج مع بداية حملة أمكراز، ومن المعروف محليا أنه يتزعم مع القسطلاني التيار المساند لسعد الدين العثماني بسوس. أنهما لم يشاركا في الحملة ولم يعطوها أي اهتمام، فقاطع أنصارهما الحملة، وحتى التصويت لصالح امكراز، وذلك ما تؤكده نسبة المشاركة التي لم تتجاوز 7% في أكادير، وإذا كان من المعروف أن الجبل (إداوتنان) يشكل خلفية انتخابية للتجمع الوطني للأحرارـ تبرز النتجية أن تيار العثماني ساهم في اسقاط أمكراز لتقليم أظافر ابنكران قبل المؤتمر".
وتتاقطع تلك المعطيات، مع التسريبات التي سبقت إجراء الانتخابات الجزئية في أكادير، والتي تشير إلى أن سعد الدين العثماني، كان ينوي أن ينسق مع عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، والاتفاق معه على صيغة عدم خوض العدالة والتنمية للنزال في تارودانت الشمالية، على أساس أن لا يقدم التجمع الوطني للأحرار مرشحا بدائرة أكادير، لكن عبد الإله بنكيران، رفض ذلك التنسيق، وأصر على خوض النزال في أكادير من خلال محمد أمكراز المحسوب على "صقور" شبيبة العدالة والتنمية، المساندو لعبد الإله بنكيران.
اندحار في بني ملال وتارودانت
في بني ملال حيث تم الاقتراع على المقعد الذي ألغته المحكمة الدستورية لمحمد الإبراهيمي، عن حزب الحركة الشعبية، بعد طعن تقدم به المرشح الفائز لحسن الداودي، وزير العدالة والتنمية في الشؤون العامة والحكامة، آل المقعد إلى حزب الأصالة والمعاصرة، في شخص مرشحه هشام الصابري، بأزيد من 12 ألف صوت، هازما بذلك محمد غازي الباردي، مرشح حزب العدالة والتنمية، الذي حصل على أصوات لم تتعدى 6000.
وبالمقارنة مع نتائج اقتراع 7 أكتوبر 2016، يتبين أن أنصار حزب العدالة والتنمية قاطعوا التصويت على نحو لافت للانتباه في الاقتراع الجزئي لـأمس (الخميس)، إذ أن الحزب نال في الاقتراع العادي للسنة الماضية 21714 صوتا، مكنته من الحصول على مقعد برلماني للقيادي لحسن الداودي، ولوصيفه في اللائحة محمد مرزوق، كما نال الأصالة والمعاصرة مقعدين لكل من خالد المنصوري وحليم فؤاد بـ25846 صوتا، وعاد المقعدان المتبقيان إلى عبد الرحمان خيير، عن حزب الاستقلال، وحميد إبراهمي عن حزب الحركة الشعبية، الذي أسقطته المحكمة الدستورية في وقت لاحق استجابة لطعن من العدالة والتنمية.
ولم ينجح العدالة والتنمية في بني ملال من الفوز بالمقعد، رغم أن الحملة الانتخابية قادها ميدانيا الوزير لحسن الداودي، وهو من أكبر معارضي استمرار عبد الإله بنكيران على رأس الحزب، مرفوقا بوصيفه في انتخابات 2016 محمد مرزوق، في وقت أبرز فيه الحزب تفاؤله بنيل المقعد إبان الحملة الانتخابية، بقول كاتبه الإقليمي لمناسبة تأطير الوزير لحسن الداودي لقاءات تعبوية بالدائرة، إن "باقي المتنافسين مغمورون ولا وجود لهم في الميدان"، "وكل ما نتمناه ألا تكون هناك تجاوزات من قبيل استعمال المال وتغيير النتائج في مكاتب التصويت والتي سنحاول تغطيتها بالمراقبين".
وتعد تارودانت الشمالية، ثالث دائرة انتخابية شهدت اقتراعا جزئيا أمس (الخميس) حول المقعد الذي ألغته المحكمة الدستورية لحاميد البهجة، المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني للأحرار بسوس، فجاءت النتيجة لتعيد المقعد إلى حزب "الحمامة" من خلال مرشحه مولاي عبد الرحمان ابليلا ، بـ35047 صوتا، الذي خاض حزب العدالة والتنمية النزال أمامه بمرشحه مولاي محمد أيت بلا وسليمان، وحقق نتيجة قيمتها 11990 صوت.
ورغم أن الدائرة لم تشهد مقاطعة كبيرة، إذ سجلت أعلى نسبة مشاركة ببلوغها عتبة 28.14 % إلا أن ذلك كان لفائدة حزب التجمع الوطني للأحرار وليس العدالة والتنمية، باعتبار أن الأول ربح 5909 صوتا جديدا، بعدما حصد 35047 صوتا مقابل 29138 في 2016، في حين فقد العدالة والتنمية 7148 صوتا خلال سنة واحدة، إذ نال 19138 صوتا في اقتراع 2016، أعطته مقعد لمرشحه مصطفى الكردي، وحل البرلماني عبد اللطيف وهبي ثالثا حينها بـ15512 صوتا.
وإذا كانت القيادية أمنة ماء العينين، قد اعتبرت أن "دائرة تارودانت الشمالية سياسيا ليست للحزب بلغة الانتخابات المحترفة، إلا أنها رأت أن نتائج الجزئيات في أكادير، و"التراجع الكبير "لأداء الحزب في تطوان خلال الاقتراع الجزئي فيها قبل أيام في "ظل غياب المنافسين"، يشي بأن "وقت النقد الذاتي" حان بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية.
وخلصت المتحدثة ذاتها، في وقت لم يصدر فيه بعد أي تعليق رسمي للحزب، أن نتائج اقتراع 5 أكتوبر 2017، تنبئ عامة أن "الجهات المدعمة للتيئيس والمقاطعة والعزوف وتحريف إرادة الناخبين، حققت جزء كبيرا من أهدافها وهو ما يشكل خطرا على مستقبل البلد ومشروعية العملية السياسية"، مؤكدة أن حزبها "يحتاج إلى نقاش داخلي صريح بعيدا عن الصراخ والإقصاء والدوغمائية والتبريرات (..) فالناس يتابعون بيقظة كبيرة وذكاء أكبر ورسائلهم بدأت تصل".