يُشرح وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والسكنى وسياسة المدينة، عبد الأحد الفاسي، في الجزء الأول من حواره مع "تيل كيل عربي"، مشاكل السكن والإسكان في المغرب، خاصة الجانب المرتبط بالعرض والطلب لكل فئة من فئات المجتمع.
وجاء الحوار مع الوزير الوصي على القطاع، بعد يومين من عقد لقاء المجلس الوطني للإسكان، والذي نص على خارطة طريق بإشراك جميع الفاعلين في القطاع، قصد معالجة المشاكل التي يعاني منها.
ولا يُخفي الوزير أن إعادة احياء المجلس، الذي جمد منذ العام 2006، مرتبط برصد تراجع في قطاع السكن بالمغرب، بعد الطفرة التي عاشها قبل 6 سنوات.
كما يتحدث عبد الأحد الفاسي في هذا الحوار، بشكل مباشر، عن أسباب تعثر برنامج "مدن بدون صفيح"، والوصفة التي يمكن أن تُقنع قاطنيه بالاستفادة من إعادة التوطين.
*قبل يومين، اجتمع المجلس الوطني للإسكان، للمرة الأولى، منذ عام 2006، فيما كان من المفترض أن تجتمع هذه الهيئة كل عام. لماذا كل هذه الفترة الطويلة من الجمود؟
اجتمع المجلس الوطني للإسكان مرة واحدة في عام 2006. وهو إطار استشاري مؤسسي مع رئيس الحكومة، والذي يجمع جميع مشغلي القطاع والمهنيين والمهندسين المعماريين واتحاد المنعشين العقارئيين، والمطورين، والطوبوغرافيين. هذه القطاعات المعنية، راتأت بالتشاور مع رئيس الحكومة، أنه كان من المناسب إعادة دورة اجتماعات المجلس في هذه الفترة، والسبب أن قطاع الإسكان يواجه بعض الصعوبات.
في الواقع، بعد فترة ازدهار عرفها القطاع ما بين عامي 2010-2011، عندما كانت مبيعات الأسمنت في ازدياد، ومعها إنتاج وحدات سكنية، بدأنا نسجل تباطؤاً خلال السنوات الأخيرة، والأكيد أن ما يحكم هذا المجال بالدرجة الأولى، الثقة والرؤية نحو المستقبل مهمة جدا.
بالنسبة لي، لم يكن CNH هو الاجتماع الذي عقد في 24 أكتوبر فقط، بل سبقته لقاءات استشارية قبل مرحلة التنفيذ، وتم تنظيم ورشات عمل مع ما يقرب من 1000 مشارك، هؤلاء ناقشوا جميع مشاكل قطاع الإسكان، من السكن الاجتماعي إلى الوعاء العقاري والضرائب والجودة والسكن الموجه للمجال القروي، كذا الإطار التقني والقانوني اللذين يؤطران قطاع السكن. ولدينا الآن قاعدة منسقة لتحقيق التقدم ولجعل الانتعاش حقيقة واقعية.
*هل اعتمدتم على تقييم للنجاحات والفشل في هذا القطاع لبناء خارطة الطريق الجديدة؟
نعم، هناك تقييم. على سبيل المثال، في ما يتعلق بمسألة السكان الاجتماعي، كان هناك تقييم أجرته الوزارة، وأيضا من قبل المجلس الأعلى للحسابات، والذي أظهر المكاسب من جهة، خاصة بالنسبة لبرنامج إحداث الوحدات السكنية التي تسوق بمبلغ 250 ألف درهم؛ ومكن هذا البرنامج من إنتاج حوالي 350 ألف وحدة يعيش فيها الناس اليوم.
من جهة أخرى، ساهمت الوحدات السكينة ذات القيمة العقارية المتدنية والتي تسوق بمبلغ 140 ألف درهم، في تحقيق نتائج ملموسة.
اليوم استطعنا تخفيض العجز السكني من 800 ألف وحدة عام 2012 إلى حوالي 400 ألف وحدة، ونحن نهدف إلى تخفيض العجز إلى 200 ألف وحدة سكنية بحلول عام 2021.
في الوقت نفسه، رصدنا مكامن النقص في العرض السكني، خاصة بالنسبة للطبقة المتوسطة. ونحن نعرف أن هذه الفئة تتطلع إلى وحدات سكنية أعلى قيمة وجودة لكنها في متناول دخلها؛ أيضاً، وقفنا على ضرورة تلبية حاجيات الفئات الهشة والفقيرة، الذين لا يتوفر لهم عرض حقيقي يتوافق مع دخلهم. ما نعمل على معالجته اليوم هو التوفيق بين العرض والطلب، باستحضار حاجيات كل فئات المجتمع.
رصدنا مكامن النقص في العرض السكني، خاصة بالنسبة للطبقة المتوسطة
أمام كل هذا لا يمكن أن نقفز على التوزيع المجالي والجغرافي للعرض السكني. في بعض المناطق هناك فائض في الإنتاج وصعوبات في التسويق، بينما في مناطق أخرى هناك عجز ظاهر في العرض السكني.
خارطة الطريق التي وضعنا حاولنا من خلالها تصحيح أوجه القصور، ومن بين النقط التي وقفنا عليها وسنعمل على تصحيحها، التوزيع المجالي للعرض السكني.
*تحدثم عن ما تم تحقيقه في ما يخص السكن الاجتماعي. لكن هذا المنتوج يواجه دائما انتقادات، أهمها الجودة وتوفر المجمعات السكنية على الولوجيات والمرافق الضرورية.
أولاً، أشدد على أنه لا يمكن أن نضحي بالجودة لأننا ننشئ منتوجاً اجتماعياً، ومسكن بثمن أقل لا يعني إنشاءه بمعايير أقل للجودة.
موقف وتقييم المغاربة للسكن الاجتماعي لا يمكن أن يكون على أساس الانطباعات، وأخبركم أن استطلاعات الرأي التي استهدفت الأشخاص الذين يعيشون في السكن الاجتماعي أظهرت مستوى رضا يقارب الـ70 في المائة.
مع ذلك، لا يمكن أن ننكر أنه في بعض الأحيان لا يتم تنفيذ بعض مشاريع السكن الاجتماعي وفق قواعد الجودة والمتانة والمواصفات الضرورية المنصوص عليها في دفاتر التحملات، وهذه الجوانب نعمل عليها كثيرا مع المهنيين، بهدف إيجاد حول جذرية لهذه المشاكل، ونأمل أن يلعبوا دورهم بشكل كامل.
لا يمكن أن نضحي بالجودة لأننا ننشئ منتوجاً اجتماعياً، ومسكن بثمن أقل لا يعني إنشاءه بمعايير أقل للجودة
في الوزارة، نعمل على تنفيذ جميع الالتزامات، وقريبا سوف يتم تفعيل دفتر الأوراش، هذا الأخير سوف يسمح بتسجيل كل تدخلات المساهمين في إنتاج الوحدات السكنية، وهذا الإجراء سوف يرى النور في الأسابيع المقبلة، بعد تفعيل القانون 66-12 المتعلق بالمخالفات في مجال التعمير.
*هل يمكن أن نقول إن المغرب فشل في القضاء على السكن الصفيحي، بل وحتى محاصرته، خاصة في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء وسلا ومراكش والقنيطرة؟ وكيف ستعالج خريطة طريقكم في القطاع هذا المشكل؟ وهل هناك اجراءات ملموسة سوف تُفعل في القريب العاجل؟
القضاء على السكن الصفحي كان من أولويات معالجة مشاكل السكن في المغرب، والمملكة شرعت في برنامج "مدن بدون صفيح" منذ عام 2004.
بلغة الأرقام، كانت هناك 48 مدينة أعلن أنها سوف تكون "مدنا بلا أحياء صفيحية". في ذلك الوقت، حددنا 270 ألف تجمع صفيحي يجب استئصاله، مع إيجاد حلول لإعادة التوطين أو إسكان المغاربة الذين يستغلون هذا النوع من السكن.
الحصيلة اليوم، تفيد بأننا عالجنا وضعية حوالي 280 ألف أسرة، ويمكن القول بأن هذا الرقم يفوق الهدف الأصلي الذي حدد للبرنامج.
آخر الإحصائيات تتحدث عن التحاق 420 ألف شخص خلال السنوات الأخيرة بالسكن الصفيحي
في المقابل، لا يمكن أن نخفي أننا لم نتمكن من القضاء على هذه الظاهرة، لأن آخر الإحصائيات تتحدث عن التحاق 420 ألف شخص خلال سنوات الأخيرة بالسكن الصفيحي، وذلك رغم الجهود التي تبذلها الدولة. برنامج "مدن بدون صفيح" كلف 32 مليار درهم منذ عام 2004 (الثلث منها بدعم من الدولة).
ظاهرة السكن الصفيحي مرتبطة أساساً بالتوسع الحضري المتسارع. اليوم، يعيش 65 في المائة من سكان المغرب في المدن، وفي غضون سنوات قليلة سوف ترتفع النسبة إلى 75 في المائة.
السكن الصفيحي معضلة بكل صدق يصغب التغلب عليها، وتحتاج مجهوداً أكبر، بل قرارا سياسياً تشرك فيه جميع القطاعات، لأن مدننا ليست مستعدة دائما لمواجهة هذا الضغط، ولهذا السبب نريد إعادة تأهيل المخطط الحضري.
لماذا نفكر في إعادة المخطط الحضري في المدن بالموازاة مع حل مشكل السكن الصفيحي؟ الجواب، هو إذا تعاملنا مع مشكلة مدن الصفيح فقط من وجهة نظر البحث عن الأرض لإعادة توطين المستفيدين، فإننا ننتهي في نهاية المطاف بمدينة انفجرت عمرانيا، في تناقض كامل مع مبادئ التخطيط الحضري المستدام.
الأحياء الفقيرة والصفيحية لا يمكن معالجتها فقط بإعادة الإسكان أو التوطين، لأن الفئات التي تعيش فيها تواجه بعد عملية الترحيل مشاكل اقتصادية واجتماعية
مسألة الأحياء الفقيرة والصفيحية لا يمكن معالجتها فقط بإعادة الإسكان أو التوطين، لأن الفئات التي تعيش فيها، تواجه بعد عملية الترحيل مشاكل اقتصادية واجتماعية وثقافية واجتماعية، بالنظر إلى فصلها عن المحيط الذي كانت تعيش فيه... ولهذا السبب يجب أن نذهب إلى حلول متكاملة.
لا يمكن أن نطلق برنامج إعادة التوطين اليوم أو الإسكان، دون أن نكون متأكدين بأن وجهة المستفدين يجب أن تضمن لهم النقل والفضاءات المحيطة بسكنهم ومختلف المؤسسات الاجتماعية والتعليمية...
*قلت إن معالجة معضلة السكن الصفيحي تحتاج قراراً سياسياً. ألا ترى أن استمرار انتشار هذا النوع من السكن سياسي بالدرجة الأولى، ونحن نلاحظ كيف تنمو أحياء قبيل كل موعد للانتخابات!
للأسف، هناك ممارسات غير رسمية تجعل من تعبئة الموارد العامة للدولة لا تذهب في اتجاه معالجة هذه الظاهرة.
ماذا يعني هذا القول بشكل أوضح؟
يعني أنه هناك الكثير يتعين القيام به من حيث الحكامة والشفافية، وضبط قائمة المستفيدين من إعادة التوطين وعدد الأحياء الصفيحية اليوم بالضبط ومن يقطنها، وفق معايير واضحة. ونحن نعمل منذ مدة لمعالجة هذا الملف مع وزارة الداخلية والسلطات المحلية والمنتخبين، والهدف ايجاد حل جذري للنواة الصلبة للأحياء الصفيحية التي ماتزال قائمة، وخاصة في مدن مثل الدار البيضاء وتمارة والصخيرات والقنيطرة.
هناك ممارسات غير رسمية تجعل من تعبئة الموارد العامة للدولة لا تذهب في اتجاه معالجة هذه الظاهرة
*هذه الحلول تستهدف الأحياء الموجودة، لكن لا تمنع انتشارها. لقد ذكرت عدم التطابق بين العرض والطلب، مما يساهم في ظهور مساكن جديدة غير قانونية. كيف تتصرف الوزارة في اتجاه وقف هذه الظاهرة؟
لا نود أن يحكم اشتغالنا على معالجة هذه المشاكل بمنطق رد الفعل والترقيع فحسب، كما ذكرت سابقاً، تحمل خارطة الطريق مراجعة شاملة للتخطيط الحضري في كل الجهات.
اليوم، هناك حاجة لرؤية شاملة، تهم مشكلة التوسع الحضري المتسارع، مع معالجة مشكلة التنمية في المجال القروي.
على سبيل المثال، هناك العديد من الجهود التي تبذلها الدولة في الارتقاء بالمراكز الناشئة، والتي يجب أن يرافقها عرض سكني يتوافق مع ظروف العالم القروي. بخصوص هذا الجانب هناك تطور تدريجي، وسوف يقلل من الضغط السكني على المدن.