في هذه الحلقة من سلسلة محامي وقضية، نتوقف مع أمينة الطالبي، المحامية والنائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي لتطلعنا على جزء من مسارها، وعن القضية التي لازالت راسخة بذاكرتها.
أنا من مواليد 1965 بحي يعقوب المنصور بالرباط، وسط عائلة تتكون من الأب والأم وسبعة إخوة.
درست المرحلة الابتدائية بمدرسة لالة سكينة بيعقوب المنصور، ثم المرحلة الاعدادية والثانوية بمؤسسة حليمة السعدية، قبل أن أحصل على البكالوريا في شعبة الآداب العصرية من ثانوية بن خلدون.
بدأ مساري الجمعوي والسياسي يتشكل في مرحلة مبكرة من عمري، إذ أنني خلال مرحلة دراستي الاعدادية انخرطت في جمعية الهدف التي كان يشرف عليها عدد من مناضلي ما كان يسمى بتيار "رفاق الشهداء"، وهو ما مكنني من تكوين شخصيتي، والاهتمام بمتابعة الأوضاع الحقوقية والسياسية في المغرب، وذلك بفضل التأطير الذي كنا نتلقاه من طرف عدد من الأساتذة.
هذه الفترة من مساري تزامنت مع متابعة أختي الكبرى لدراستها الجامعية بشعبة القانون، مما منحني فرصة الاطلاع على عدد من الكتب القانونية التي تدخل ضمن مقرر دراستها، كما كنت أساعدها في تلخيص بعض تلك الكتب.
لقد ساهم اطلاعي على الكتب القانونية التي كانت تجلبها أختي، وكذا انخراطي في العمل السياسي في اهتمامي بالقانون، ومن تم التفكير في أن أصبح محامية.
والحقيقة، أنني منذ صغري كنت أنجذب للمحاماة والصحافة ومهنة التدريس في الجامعة، قبل أن أحصل على شهادة البكالوريا وأختار متابعة دراستي بكلية الحقوق.
في سنة 1990 حصلت على الإجازة بميزة، قبل أن أتابع دراستي من أجل نيل دبلوم الدراسات المعمقة، إلا أن هذا المسار لم يكتب له النجاح، حيث قررت التخلي عن فكرة اتمام الدراسة الجامعية، بعدما لاحظت بروز ظواهر جديدة في الجامعة المغربية من قبيل التملق للأساتذة وغيرها.
سنة 1992 سأبدأ مساري في مهنة المحاماة كمحامية متدربة لدى في مكتب الأستاذ "الوطاسي"، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما التحقت بمكتب الأستاذين محمد اليازغي وإدريس لشكر، حيث اجتزت فترة التمرين، قبل أن أصبح محامية رسمية ابتداء من سنة 1995.
منذ 1995 إلى يومنا هذا، رافعت في الكثير من القضايا والملفات المختلفة، لكنني لا أنسى المحاكمة الشهيرة لنوبير الأموي، والتي تزامنت مع بداياتي الأولى كمحامية متمرنة.
ما زلت أذكر الزخم السياسي والحقوقي الذي رافق محاكمة الأموي على خلفية وصفه للوزراء بأنهم "لصوص"، ومما لازال عالقا بذاكرتي أن هيأة المحامين بالرباط كانت قد قررت عدم حضور المحامين المتدربين لهذه المحاكمة بدعوى أن قاعة المحكمة لا يمكن أن تسع لكل المحامين، الذين يرغبون في متابعة المحاكمة، الشيء الذي لم أقبله وانتفضت ضده، حيث ألقيت كلمة وسط زملائي، استنكرت فيها إقصاءنا من الحضور، مما أعطاني اشعاعا في صفوفهم، وكان له انعكاس ايجابي على مساري، كما أن الهيأة تراجعت عن قرارها وسمحت بحضورنا.
لازالت ذاكرتي تحتفظ بزخم تلك المحاكمة، التي كان يحضرها عدد كبير من المحامين، حيث كانت مرافعاتهم تركز على عدم شرعية المحاكمة، إلا أن الحكم كان صادما، حيث حكم على الأموي بسنتين حبسا نافذا.
إن المحاماة جعلتني أعيش مشاكل وهموم المجتمع صباح مساء، فنحن نمارس المحاماة والسوسيولوجيا، ونقوم بالصلح بين المتخاصمين، خاصة حينما يتعلق الأمر بالنزاعات الأسرية، كل ذلك يجعل منك شخصا إنسانيا بالضرورة.
حينما أتأمل مساري اليوم، أعتبر أن المحاماة أعطتني أشياء كثيرة، كما أخذت مني أشياء أخرى.
لقد منحتني الحرية، وأن أقول ما أريد وفقا لقناعاتي خلال مرافعاتي داخل المحاكم، كما أعطتني الشخصية القوية، والجرأة في قول الحق، فضلا عن كونها جعلتني محافظة على القراءة والمطالعة بشكل مستمر، إذ أن المحامي يجب أن يكون مواكبا لكل جديد يخص المجال القانوني، كما لا أنكر أن المحاماة جعلتني أعيش حياة محترمة وكريمة جدا من الناحية المادية.
مقابل ذلك، أخذت مني المحاماة وقتي، وجعلتني مقصرة في حق أسرتي، إذ أن العمل يظل يرافقني حتى في منزلي، بل إنني لم أخلد لفترة الراحة المطلوبة حتى خلال ولادتي مرتين، كما أن انخراطي في العمل السياسي يزيد من صعوبة المهمة، ولا يترك لي وقتا لأسرتي وحياتي الخاصة.