في هذا التقرير يعيد "تيل كيل عربي" تركيب قصة ما وقع للوداد الرياضي، من قلب ملعب "رادس"، ويحكي كواليس فضيحة كروية استنكرها أبناء تونس قبل المغاربة، باعتبارها عار على جبين الاتحاد الإفريقي لكرة القدم.
هواتف الصحافيين ترن مباشرة بعد إلغاء هدف التعادل برأسية من وليد الكرتي بداعي التسلل، كل متصل يصيح "الهدف صحيح طلبو الـVAR وصيو اللعابة ما يكملوش الماتش". يونس جودا، براديو "مارس"، والذي كان يعلق مباشرة على المباراة، بدوره يؤكد أن الهدف صحيح بعد مشاهدة الإعادة من طرف الحاضرين في بلاطو "Culture Foot". لتبدأ بسرعة محاولة إيصال المعلومة للطاقم التقني للوداد على أرضية الملعب، مهمة كلفت اللاعب أشرف داري إصابة أدمت ساقه وإصابة اللاعب أوناجم على مستوى الصدر بضربة وجهها رجل أمن، في هذه اللحظة تتوقف المباراة بعد انتباه لاعبي الوداد إلى ضرورة مراجعة تقنية المساعدة بالفيديو، وتنطلق 90 دقيقة من الجحيم (مدة توقف المباراة قبل إعلان انتهائها قبل انقضاء الوقت القانوني).
قبل المباراة.. أجواء مشحونة
مباشرة بعد وجبة الإفطار يوم الجمعة، التحق لاعبو الوداد الرياضي بالحافلة، الكل عازم على تحقيق نتيجة الفوز والعودة باللقب القاري إلى الدار البيضاء. في الباحة المقابلة للفندق حيث كانت تقيم بعثة الفريق الأحمر بدأت الاستعدادات لشد الرحال صوب ملعب "رادس" تحت حراسة أمنية مشددة. التحقت بحافلة الفريق حافلة تقل الزملاء الصحافيين المغاربة، ضمنهم صحافي "تيل كيل عربي".
العشرات من سيارات الأمن والدرجات النارية والأمن بالزي المدني، وكأن الأمر يتعلق بمباراة سوف تجرى تحت نيران حرب مشتعلة، أو بين طرفين تجمعهما عداوة. ولتبسيط الصورة، وجب هنا وضع مقارنة لإظهار حجم الأجواء المشحونة التي رافقت إياب نهائي دوري أبطال إفريقيا نسخة 2019.
بالعودة إلى مباراة إياب نصف النهائي التي جمعت الوداد بفريق سان داونز الجنوب إفريقي، كان مقام بعثة الوداد في مدينة بريتوريا يمر في أجواء عادية، لم تكن أي حراسة أمنية أمام الفندق حيث يقيم الفريق، ولم يقترب أي من المشجعين من مكانه رغم تواجده في قلب المدينة. ويوم اللقاء اكتفى المنظمون بتخصيص سيارة أمن واحدة ودراجتين ناريتين رافقتا الفريق إلى الملعب، أما الجمهور وعلى قلته، وكان "تيل كيل عربي" حاضرا معه خلال الرحلة إلى الملعب، استقل حافلتين صغيرتين، والكل داخلهما يرتدي قميص الفريق، وطيلة الطريق ورغم المرور من وسط حشود الفريق الخصم، لم يتعرض الجمهور لأي اعتداء أو مضايقات ولو لفظية، ورغم انتهاء المقابلة بتأهل الوداد على حساب سان داونز، كانت رحلة العودة إلى الفندق آمنة بدورها ودون حراسة أمنية، رحلة مرت من وسط حشود جمهور أقصي فريقه ويعيش لحظة انتخابية بكل حمولتها.
في تونس العكس تماما، دون مبالغة، تلمس حقداً مجانياً من طرف جمهور الترجي، كلمات نابية ورشق بقارورات المياه مع الوصول إلى الملعب. وسبق ونشر "تيل كيل عربي" ما عانه جمهور الوداد من اعتداءات أبرزها الهجوم على فندق يقيم فيه مشجعو الأحمر وإصابة أحدهم بالسلاح الأبيض على مستوى الساق وسلب جواز سفر مشجع آخر، واستهداف حافلة قادمة من مطار "قرطاج" ومتجهة نحو مدينة سوسة، يوماً قبل المباراة، كانت تقل 50 مشجعاً ودادياً.
استمر الاستفزاز من طرف الجميع. في تونس لا تفرق بين الجمهور ورجال الأمن ورجال الأمن الخاص، الكل ضدك، وحين تستهدف انتظر أن يصيبك الأسوأ قبل أن يتدخل أحد عناصر الأمن للتخفيف من أثر الاعتداء عليك وليس منعه.
كانت أولى محاولات ممارسة الضغط هي توقيف الحافلة التي تقل الصحافيين ومنعها من دخول الملعب من الباب المخصص للولوج إلى مقصورة الصحافة مباشرة، خاطب الصحافيين أحد رجال الأمن بضرورة الالتفاف على الملعب والدخول من البوابات المخصصة للجمهور ثم العودة إلى هنا من داخل الملعب! ما يعني أن صحافيين المغاربة كانوا سيجدون أنفسهم في وسط جمهور الترجي، ما طالب به رجل الأمن بالزي المدني رفضه الصحافيون، وفرضوا مواصلة الطريق خلف الحافلة التي تقل اللاعبين والدخول إلى الملعب من المكان المخصص لهم.
مضايقات لا تنتهي
مع ولوج الملعب خير رجال الأمن الصحافيين بين تحمل مسؤولية أمنهم بأنفسهم وتوجههم نحو منصة الصحافة وسط جماهير الترجي بدون حماية، أو الصعود إلى منصة أعلى الملعب خاصة بالضيوف. كما فرص رجال الأمن على مجموعة من الزملاء نزع أقمصة للفريق الأحمر، رغم أن المسؤولين عن الإعلام في نادي الترجي وصحافيين كانوا برفقتهم، والذين كانوا مصدر الأوامر لرجال الأمن يرتدون أقمصة ناديهم بشكل عاد ويحملون على صدرهم بادجات تشير إلى هويتهم.
إذاً تم عزل الصحافيين المغاربة تماماً عن ما قد يدور قريبا من أرضية الملعب، بعد ترهيبهم بإمكانية تعرضهم للاعتداء من طرف الجمهور، وظل الصحافيون طيلة دقائق المباراة التي لم تكتمل، يواجهون الاعتداءات المتكررة من طرف الجمهور دون تدخل الأمن الذي ظل يتفرج، ومع كل قرابة 10 دقائق يتعرض المكان الذي يجلسون فيه للرشق بالقنينات البلاستيكية والشهب الاصطناعية كما تم استهدافهم في مناسبتين بما يعرف في المغرب بـ"الفيزي" وهي شهب يمكن تتسبب في جروح بليغة لمن تصيبه.
الزميل المصور في القناة الثانية "دوزيم"، والذي منع بدوره من ولوج أرضية الملعب رغم توفره على ترخيص من المنظمين وصدرية تتيح له ذلك، تعرض في كل مرة يطل فيها بالكاميرا للرشق، وأصيب في مرة بتفاحة على مستوى العين، تركت على وجهه كدمة ظاهرة.
المكان حيث تواجد الصحافيون وعدد من المسؤولين عن الفريق وضيوفه ومجموعة من اللاعبين الذين لم يخوضوا المباراة، تحول إلى سجن لا يمكن مغادرته رغم التطورات التي شهدتها المباراة، وعندما حاول اللاعبان أشرف داري ومحمد أوناجم الالتحاق بزملائهم مباشرة بعد إلغاء هدف ووليد الكرتي تعرضا لاعتداء ساهم فيه رجال الأمن أمام أعين رؤسائهم.
هنا، توجه "تيل كيل عربي" عند أحد المسؤولين الأمنيين بعد تكرار الاعتداء على كل مكونات الوداد والصحافيين والضيوف، وكان جوابه: "هذه ضريبة الثورة لدينا، أوامر بأن لا نضرب أحداً من جمهور الترجي حتى يضرب أحد منا فقط، هذه هي التعليمات ونطبقها كي لا تنفلت منا الأمور".
كما كان للاعبين على أرضية الميدان نصيب من المضاياقات، فبين الشوطين ورغم أن فريق الترجي متقدم بهدف لواحد، لم يمنع ذلك جمهوره من رشقهم بالقارورات، كما كان محيط غرفة تبديل الملابس مسرحاً لمضايقات من جمهور الترجي وباقي مكوناته، كما نقل ذلك أحد حراس الأمن الخاص لـ"تيل كيل عربي"، وقال الأخير في شهادته: "تركهم الأمن يصولون ويجولون بالقرب من مستودع ملابس الوداد، وكانت مهمتهم الضغط على اللاعبين وتشتيت تركيزهم".
كواليس فضيحة كروية
خلال الشوط الأول من المباراة والذي انتهى بتقدم الترجي بهدف واحد لصفر، طالب لاعبو الفريق التونسي في مناسبتين بالعودة إلى تقنية الـVAR، إحداهما شهدت تدخل العميد خليل شمام شخصيا مشيرا إلى التقنية بيده، من أجل التحقق من احتمال لمس الكرة ليد أحد مدافعي الوداد داخل مربع العمليات وإعلان ضربة جزاء لصالحهم، لقطة نقلتها وسائل الإعلام، للرد على تصريحه عقب منح فريقه للكأس، وقوله إن "الحكم بكاري غساما أخبره هو وعميد الوداد عبد اللطيف نصير بأن تقنية المساعدة بالفيديو لا تشتغل".
مع إعلان إلغاء هدف وليد الكرتي بداعي التسلسل، صاح الزميل في راديو "مارس" يونس جودا بأن الهدف صحيح، هنا حاول اللاعبان أشرف داري ومحمد أوناجم النزول بسرعة إلى أرضية الملعب من أجل إعلام دكة بدلاء الوداد بذلك، مهمة انتهت بالاعتداء عليهما والحيلولة دون وصولهما إلى أرضية الملعب.
ثوان بعد ذلك، تقدم مساعد مدرب الوداد موسى نداو بالقرب من رقعة الميدان وطالب اللاعبين بالتوجه نحو الحكم وطلب العودة إلى تقنية الـVAR، طلب واجهه حكم الساحة بمبرر أن "الاتصال بينه وبين حكام تقنية الفيديو انقطع وعليهم إتمام المباراة"، طلب لم يرضخ له اللاعبون ليقرروا وقف المواجهة إلى حين الاطلاع على الإعادة واحتساب الهدف المشروع للوداد، لتنكشف فضيحة أن الـVAR لا يعمل في الأصل، وهذا المعطى الجديد لم يتم إطلاع نادي الوداد عليه، خلال الاجتماع التقني الذي يسبق المباراة، كما لم يتوصل المكتب المسير للأحمر بأي مراسلة مختومة من "الكاف" تتحدث عن عطل في التقنية.
"الشاشة التي وضعت على أرضية الملعب كانت مجرد توهيم بتوفر الـVAR والصور التي ظهرت عليها في بداية المباراة ما هي إلا نقل من إخراج التلفزيون التونسي"، يقول أحد الصحافيين التونسيين لـ"تيل كيل عربي"، والذي رفض ذكر اسمه خوفاً من انتقام مشجعي الترجي.
بعد دقائق من الضجة على أرضية الملعب نزلت كل مكونات فريق الترجي إليه، بل حتى رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد أصبح يتواصل مع الحكام أمام أنظار المسؤولن عن "الكاف"، رغم أن قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم تمنع المسؤولين الحكوميين بشكل صارم من التدخل في الشأن الكروي. رئيس الترجي ونوابه ورئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم، كلهم مارسوا ضغوطات على رئيس "الكاف" أحمد أحمد، لمواصلة المواجهة دون العودة إلى الإعادة بشأن هدف الكرتي، لتتضح فضيحة عدم توفر الـVAR والقول إن "عطلاً أصابه قبل بداية المباراة بساعتين".
طلب رئيس الوداد سعيد الناصري من لاعبي الوداد التوقف عن اللعب إلى حين النظر في هذه الفضيحة، ووجد نفسه وحده في مواجهة كتيبة تونسية، وفي كل مرة تقع فضيحة كروية في المسابقات القارية يكون الترجي طرفاً فيها، ومن ذلك ما وقع عام 2010، إذ تم إيقاف الحكم الغاني جوزيف لامبيتي مدى الحياة بعد التأثير في نتيجة المباراة، وذلك باحتسابه للهدف الشهير من لمسة يد صريحة لمهاجم الترجي مايكل إينرامو، ضد الأهلي المصري.
وحسب ما كشفه رئيس الوداد الرياضي عقب "انتهاء" المباراة في حديث مع "تيل كيل عربي"، فإن المسؤولين عن النادي التونسي طلبوا منه الاستمرار في اللعب، لكن دون العودة إلى لقطة الهدف، وأخبروه أن الـVAR سوف يتم إصلاحه.
كما قال رئيس "الكاف" أحمد أحمد لرئيس الوداد، إن "هناك مجهودات لاصلاح الـVAR".
خلال هذا الجدل، اتصل رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع بسعيد الناصري، وأخبره بأن اجتماعاً طارئاً للمكتب المديري سوف ينعقد يوم السبت (انعقد الاجتماع وصدرت عنه قرارات بتصعيد الموقف المغربي ومراسلة الفيفا واللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي).
اتصال لقجع بالناصري ليخبره بعقد اجتماع طارئ، وحسب معطيات حصل عليها "تيل كيل عربي"، لم يكن الأول، بل كان هناك اتصال سابق بين الطرفين لمحاولة إيجاد حل وإكمال المباراة، وذلك ما رفضه رئيس الوداد. وجاء اتصال رئيس الجامعة الملكية بطلب من المسؤولين التونسيين الذين حاولوا الضغط على رئيس الوداد عن طريق أعلى جهاز للكرة في المغرب، لكن جوابه كان "اتخذنا قرارنا في الوداد، نحن لم ننسحب من المباراة، واللاعبون على أرضية الميدان، نطالب فقط بالعودة إلى تقنية الـVAR للتحقق من هدف الكرتي، مع معرفة لماذا تعطب هذه التقنية فجأة ولم نخبر بذلك".
وكانت أغرب لقطة وقعت خلال توقف المباراة، هي توجه أحد رجال الأمن على أرضية الملعب وقيامه بتكسير شاشة التلفاز التي كانت موضوعة لاشتغال الـVAR، وظهرت الشاشة مكسرة بعد إبرازها من طرف لاعب الوداد الناهيري الذي كاد يتعرض لاعتداء خطير من طرف أحد جماهير الترجي الذي استطاع اختراق صفوف الأمن والقفز من المدرجات نحو اللاعب.
هل انسحب الوداد من النهائي؟
الكاتب العام للوداد الرياضي أنور الزين، شدد في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، على أن "النادي لم ينسحب من المباراة"، وأضاف: "قوانين اللعبة واضحة ولا تقبل التأويل، وتنص على أنه تعلن نهاية المباراة بعد انقضاء 20 دقيقة من توقفها مهما كان السبب في ذلك، المباراة توقفت لأزيد من 90 دقيقة، وطيلة هذه المدة لم يكن القرار يتجه لمنح الترجي اللقب، إذن نحن أمام ممارسة غير قانونية".
كما أكد المسؤول الودادي أن فريقه سوف يدافع عن مصالحه وحقوقه وسوف يطرق باب جميع المؤسسات، كما أوضح أنه "لا يمكن لعب مباراة الذهاب بوجود تقنية الـVAR التي حرمت الوداد من هدف صحيح بإجماع الكل بمن فيهم مسؤولون عن فريق الترجي، كما تجاهل الحكم المصري الموقوف بعد العودة إلى التقنية ضربة جزاء صحيحة، ثم نقل إكمال مباراة الإياب في غياب التقنية، هذا ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص في اللعبة، كما أنه ضد الاختيار الذي سلكه الاتحاد الدولي بتعميم الـVAR مستقبلا على جميع المسابقات".
"صافرة النهاية"
أمام مدرجات فارغة، أعلن الحكم غساما "نهاية المقابلة"، وكان "تتويج" الترجي المسروق بارداً، وظهر ذلك جلياً على مدرجات الملعب، فئة قليلة جداً من جمهور الفريق تابعت رفعه للكأس، كما أن "البوديوم" تم وضعه من طرف أعوان الترجي وليس المنظمين من جهاز "الكاف"، وتعرض "البوديوم" الذي وضع من طرف أعوان الترجي للسقوط مرتين بسبب التعامل الهاوي خلال تركيبه.
انطلقت رحلة عذاب أخرى مع شبه احتجاز داخل الملعب لللاعبين ومكونات الفريق والصحافيين والجمهور لأزيد من ساعتين، بمبرر أن الأمن لم يستطع إخلاء جنبات "رادس" من مشجعي الترجي، رغم أن القنوات التلفزية نقلت صور المدرجات الفارغة قبل لحظة "التتويج" المسروق بكثير.
خارج الملعب غابت مظاهر فرح مدينة بـ"تتويج" الفريق الأول فيها، مر موكب اللاعبين والصحافيين وخلفهم حافلات الجمهور بين أزقة وأحياء تونس صوب مطار "قرطاج" الدولي، مشجعون يسيرون في هدوء نحو منازلهم، لا أثر للفرح هنا، وحتى داخل المطار تسمع من حين إلى آخر عبارة من قبيل"ما رناش نفرحو نعرفو بلي الماتش راح يتعاود"!