حظيت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي وجهها إلى رئيسي مجلسي البرلمان والفرق البرلمانية حول مشروع القانون الجنائي بنقاش واسع داخل لجنة العدل والتشريع الجمعة الماضي خلال مناقشة مشروع ميزانية المجلس، التي عرضها مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان.
ووجه عدد من البرلمانيين انتقادات لمذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان التي تضمنت توصيات وصفها البعض بالشجاعة كتوسيع إباحة الإجهاض ورفع التجريم عن العلاقات الرضائية.
واعتبر البرلمانيون أن المذكرة لم تحترم المساطر القانونية المنصوص عليها في القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
في هذا الصدد، اعتبر عمر عباسي، النائب البرلماني عن حزب الاستقلال أن قوة المجلس الوطني في احترامه للقانون وفي الحرص على استقلاليته وتعدديته.
وأوضح عباسي أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان ينبغي أن تخضع للنقاش داخل الجمعية العامة قبل أن يتم اقرارها، معتبرا أن اصدار مذكرات من طرف مكتب المجلس يعد تجاوزا لاختصاصات الجمعية العامة.
وعبرت فاطمة الزهراء برصات النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية عن نفس الموقف الذي عبر عنه عمر عباسي، داعية إلى ضرورة تقيد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمساطر القانونية.
من جهته، اعتبر رضا بوكمازي، عضو الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية أن مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان جاءت مخالفة للمادة 25 من القانون 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي نصت على أن "يبدي المجلس بمبادرة منه أو بطلب من الحكومة أو أحد مجلسي البرلمان في شأن مشاريع ومقترحات القوانين ذات الصلة بحقوق الإنسان"، مشيرا إلى أن المجلس لم يحدد في إطار تدخل هذه المذكرة، خاصة أنه سبق له أن أدلى برأيه بخصوص مشروع القانون الجنائي، والذي وصل مرحلة متقدمة في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب.
وتوقف بوكمازي عند المادة 15 من النظام الداخلي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي منحت مكتب المجلس حق القيام بمهام الجمعية العامة خلال الفترات الفاصلة فيما بين الدورات، معتبرا الأمر اعتداء صريحا على صلاحيات الجمعية العمومية التي تعكس تعددية المجلس.
وأوضح بوكمازي أن المادة 49 من القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان تعطي الجمعية العمومية صلاحية تفويض مكتب المجلس القيام ببعض المهام التي تدخل في نطاق اختصاصها وليس القيام بمهامه والحلول محله، كما ورد في المادة 15 من النظام الداخلي.
وطالب بوكمازي بتحريك المادة 107 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وايفاد مهمة استطلاعية إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان للتأكد من مدى احترام المجلس للقانون المنظم له.
رد المجلس
حاول "تيل كيل عربي" معرفة رأي أعضاء الجمعية العمومية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص النقاش الدائر حول المذكرة، إلا أن جميع الذين اتصل بهم "تيل كيل عربي" رفضوا الحديث علانية في الموضوع، رغم عدم رضى بعضهم عن الصيغة التي اعتمدها مكتب مجلس النواب، فيما أكد آخرون أنهم لم يطلعوا بعد على قانون المجلس حتى يمكنهم التفرقة بين صلاحيات المكتب وصلاحيات الجمعية العامة، بدعوى أنهم التحقوا حديثا بالمجلس.
من جهة أخرى، اعتبر مصدر مأذون من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن المذكرة التي قدمها المجلس هي مذكرة تكميلية لرأي سابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في موضوع تعديل القانون الجنائي أملتها التطورات والمستجدات الطارئة على المستوى الوطني وأهمية النقاش المجتمعي الراهن بخصوص عدد من القضايا المرتبطة بالقانون الجنائي.
واعتبر المصدر أن مكتب المجلس الذي يضم في عضويته رئيسة المجلس وأمينه العام ومنسقي الآليات الوطنية الثلاث ورؤساء اللجان الدائمة الخمس صادق على المذكرة وفقا للاختصاصات التي تمنحها له مقتضيات القانون المحدث للمجلس ونظامه الداخلي، الذي صادقت عليه الجمعية العمومية، وهي سيدة قراراتها، مع العلم أن تعديل القانون الجنائي كان قد طرح خلال انعقاد الجمعية العمومية.
وأضاف أن "المجلس باعتباره مؤسسة وطنية دستورية، وعلى اعتبار أدوارها المتعلقة بإبداء الرأي، فهو غير ملزم بحصر رأيه فقط في المقتضيات المطروحة للتعديل، فالمجلس يبدي الرأي في مشاريع ومقترحات القوانين والقوانين بحد ذاتها انطلاقا من متابعته للقضايا الحقوقية والتداول العمومي وبإعمال الالتزامات الدولية للمملكة والدستور".
رأي خبير
من جهته، يرى عزيز ايدامين الخبير في مجال حقوق الإنسان أن القانون رقم 76.15، هو واضح جدا فيما يتعلق بهيكلة المجلس الوطني لحقوق الانسان، كما أنه حدد اختصاصات كل جهاز من أجهزته بشكل دقيق، وسطر اشتغاله أيضا، وذلك من المواد 47 إلى 56 منه.
واعتبرإيدامين أن القول في مشروع النظام الداخلي للمجلس، أن يتولى مكتب المجلس ممارسة مهام الجمعية العامة خلال الفترات الفاصلة ما بين الدورات هو خرق سافر للقانون ولا يقبله العقل السليم..
وأوضح أن التذرع بكون قضايا عاجلة تدفع إلى اتخاذ قرارات دون انتظار دورات الجمعية العامة العادية الثلاثة ليس سليما، لا سيما أن المشرع منح إمكانية عقد جميعة عامة استثنائية بطلب من الرئيس أو أغلبية أعضاء المجلس.
ويرى إيدامين أن سبب تنصيص أصحاب المجلس الوطني لحقوق الانسان على هذا المقتضى، يعود بالأساس إلى تهريب بعض التقارير والأراء التي يمكن أن تتلقى معارضة من قبل أعضاء الجمعية العامة، وبالتالي وضعهم أمام الأمر الواقع في حالة اعتمدت فقط في مكتب المجلس، مشيرا إلى أن المقتضى يساءل العقلية التي تسير المجلس، في حين من الواجب أن يكون المجلس حاضن للآراء والأفكار، بدل اعتماد مقتضيات مسطرية اقصائية وتحكمية في القرارات.
وذهب ايدامين إلى أن عدم مرور مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن مشروع القانون الجنائي وفق ما ينص عليه القانون سيما المادة 48 من قانون المجلس يستوجب المساءلة القانونية.