من يكون "نور الدين أمستردام" الذي ورط الصحافي المهداوي في تهمة المس بأمن الدولة، وقال إنه سيدخل دبابات إلى الريف؟
أثارت شخصية إبراهيم البوعزاتي، الملقب بـ"نور الدين أمستردام"، الشخص الذي ورط الصحافي حميد المهداوي في تهمة "عدم التبليغ عن جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة" جدلا واسعا أمام القضاء. "نور الدين هولندا" زعم في ادعاءاته أنه مول حراك الريف بــ160 مليون سنتيم (160 ألف أورو)، ومباشرته رفقة أثرياء ريفيين بأوربا صفقة لاقتناء أسلحة ودبابات من روسيا، لإدخالها عبر سبتة إلى المنطقة. "تيلكيل- عربي"، حضر المحاكمة، واطلع على بعض الوثائق لدى محامين، وهنا بعض أسرار القضية.
بالنسبة إلى هيأة المحامين المدافعين عن الصحافي حميد المهداوي، وبينهم عبد العزيز النويضي وعبد المنعم الحريري، "البوعزاتي يمكن أن يكون مدسوسا أو يشتغل مع المخابرات، وتم استدراج الصحافي به، للانتقام منه وجره إلى ملف الزفزافي، مع ضم ملفه إلى معتقلي الريف، من أجل التضخيم وإعطاء مصداقية للتهم الموجهة إليهم"، في حين يرد حكيم الوردي، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أن "الملقب نور الدين شخصية ليست مجهولة، وهو مواطن مغربي هويته معروفة، وأصدرت بشأنه مذكرة بحث لاعتقاله، ولا وجود لأي تضخيم أو تهويل، إنما فقط جنحة عدم تبليغ مواطن مغربي اسمه المهداوي عن جناية مرتبطة بملف الزفزافي"، فمن أين بدأت الحكاية؟
مكالمات هاتفية
تفيد المعلومات التي جاءت في مرافعات المحامين، وملتمسات النيابة العامة، أن علاقة إبراهيم البوعزاتي بالصحافي حميد المهداوي، بدأت في نهاية ماي 2017، إذ بادر إلى الاتصال بالصحافي في 27 من الشهر ذاته، وتحدث إليه في خمس مكالمات، واحدة في الساعة السادسة و45 دقيقة مساء، بلغت مدتها 23 دقيقة، وأتبعها في اليوم الموالي، أي 28 ماي الماضي، بمكالمتين أخريين، تم التقاطها في إطار التنصت على رقم حميد المهداوي، بناء على أمر صادر عن الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 1 دجنبر 2016، وآخر للوكيل العام الملك باستئنافية الحسيمة بتاريخ 28 ماي 2017.
ومن بين ماجاء في تلك المكالمات، وفق المصادر نفسها، أن إبراهيم البوعزاتي، أخبر حميد المهداوي بأن ناصر الزفزافي "يوجد بعد هروبه في مكان آمن، وأنه، إلى جانب أشخاص آخرين بأوربا، من ممولي الحراك، إذ أرسل شخصيا لناصر الزفزافي وأنصاره، مبلغ 160 ألف أورو"، ثم أضاف أنه "ينوي إرسال المزيد من الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات"، ليشير، أنه "اجتمع رفقة أشخاص أثرياء مقيمين بهولندا والنرويج والسويد والدانمارك، وعبروا عن رغبتهم في سحب أموالهم من البنوك المغربية للتسبب في أزمة، والقيام بثورة في المغرب".
ولعل أخطر ما ينسب إلى إبراهيم البوعزاتي في مكالماته مع المهداوي، والتي عرضت على الأخير من قبل قاضي التحقيق بحضوره المحامين، أن اجتماع الأثرياء "تم الاتفاق فيه على جمع مبلغ كبير من المال لشراء السلاح من روسيا، وإدخاله إلى المغرب للقيام بثورة في صيف 2017"، مشيرا إلى أن المجتمعين "سلموا تسبيقا ماليا للجهة البائعة للسلاح"، بقوله "والله اخويا ماتسالني حلوف (...) البورجوازيين كاملين حطو الفلوس صحيحة وشفتها بعيني قسما بالله، غادي يشريو السلاح من روسيا، وإلى ماوقعاتش الثورة أجي بزق على الكمارة ديال هاد الريفي".
وتبعا لتلك المعطيات، تم فتح تحقيق، استدعي إليه الصحافي حميد المهداوي، بصفته شاهدا، ليتحول بعد ذلك إلى متهم. وبالنسبة إليه، بصفته مدير موقع "بديل آنفو"، فهو يضع رقمه الهاتفي في صفحات الموقع رهن إشارة الجميع، ما يجعله أحيانا يتلقى اتصالات من أشخاص لا يعرفهم، فكان أن اتصل به الملقب بـ"نور الدين أمستردام"، دون أن يعرفه إلى حدود الآن، ولا توجهاته وانتمائه إلى حركة 18 شتنبر التي أسسها البرلماني سابقا سعيد شعو، ويسعى بها إلى انفصال الريف.
كيف تفاعل المهداوي؟
يشير المهداوي، وفق المصادر نفسها، إلى أنه في البداية "انتباته فكرة أن الشخص الذي اتصل به شخص من المخابرات يرغب في القيام بجس نبضه وعلاقته مع حراك الريف، فكان يتحدث معه بناء على ذلك المعطى، دون أن يأخذ كلامه على محمل الجد"، لذلك في إجاباته عن كلام المتصل، كان المهداوي "يحاول إقناعه بالتخلي عن فكرة العنف في مواجهة السلطات"، مؤكدا أنه من "الأقلام الصحافية الداعية إلى التشبث بالنضال السلمي الحضاري في إطار الثوابت الوطنية، وهو ما تشهد به أشرطة الفيديو التي ينشرها، إلى درجة أن الانفصاليين يصنفونه مع العياشة والمخازنية".
وكرر المهداوي، وفقا للمعطيات ذاتها، أنه لم يسبق أن نشر كلام المتصل به في موقعه، لأنه لم يصدقه ولم يعتمده مصدرا، باستثناء معطى واحد رأى فيه مصلحة الوطن، ويتمثل في خبر "أن الزفزافي يدعو نشطاء الحراك إلى الانسحاب من الشارع لمدة ثلاثة أيام"، إذ "رغم شكه الكبير في حقيقة أن الزفزافي أخبر الملقب نور الدين بذلك"، نشره لأنه رأى فيه "خبرا فيه مصلحة الوطن ولامتصاص الاحتقان" خلال الفترة التي اختفى فيها الزفزافي بعد واقعة تعطيل صلاة الجمعة.
المهداوي برر أيضا، نشر ذلك الخبر، بالإشارة إلى أنه، طالما انتابته شكوك، بينها "أن ذلك الشخص تابع لجهاز أمني، يريد تمرير تلك المعلومة عبره خدمة لاستقرار الوطن"، ثم أورد، بحضور المحامين، حول عدم تبليغه عن المتصل، أنه لم يعتبر كلام المتصل جديا إذ "تفوه بهرطقات لا يمكن أن يؤمن بها إلا شخص مجنون، من قبيل زعمه أنه سوف يدخل إلى المغرب دبابات من روسيا كأن المغرب أرض قاحلة ليست فيها دولة وحدود وأجهزة مراقبة"، مضيفا في سياق آخر أن الشخص ذاته "اعترف في المكالمات أنه شخص غير عاقل بقوله: أنا مشى لي العقل".
وفيما أضاف المهداوي، في تصريحاته، أنه لا يمكن له "التبليغ عن جريمة خيالية ويستحيل قيامها"، هو الذي سبق أن بلغ "عن جرائم جدية وحقيقية وبأدلة قاطعة"، علاوة على أنه سبق أن أدين "بأربعة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ بتهمة التبليغ عن جريمة يعلم بعدم حدوثها والوشاية الكاذبة"، أثير اسم ربيع الأبلق، المعتقل في مجموعة ناصر الزفزافي، والذي كان مراسلا متطوعا لموقع "بديل" في الحسيمة، في قضية حميد المهداوي، فتم الاستماع إليه شاهدا.
ويأتي ذلك، وفق ما تسرب من خلاصات البحث التفصيلي، لأن المهداوي، سبق أن اتصل بالأبلق، "وطلب منه التحري حول شخص يدعى نور الدين، وسلمه رقمه الهاتفي، مؤكدا للأبلق أنه شخص يتحدث عن أمور خطيرة"، فعاد الأبلق، إلى الاتصال بمديره في الموقع، وقال له إنه بعد التحري، يحتمل أن يكون الملقب بنور الدين "شخصا من المخابرات ويريد توريطه"، ليجيبه المهداوي أن ذلك هو انطباعه أيضا.
ومن المعطيات اللافتة في حيثيات القضية، أن الملقب بـ"نور الدين أمستردام"، بلغ به الأمر في أحد الاتصالات، حد القول للمهداوي إن "أهل الريف يثقون فيك وسينتخبونك رئيسا على الريف"، وهو ما يعكس حسب المهداوي، تناقض ذلك الشخص، إذ مرة "يقول إنه لا يثق إلا في الملك"، ومرة يتحدث عن الأسلحة والثورة، وفي أحيان أخرى يتحدث عن "السلمية وضرورة انسحاب الناس من الشارع"، علاوة على مسألة إفشائه لصحافي لا يعرفه، أسرارا تتعلق بـ"مناورة".
من يكون البوعزاتي؟
انتهت خلاصات تحقيقات قاضي التحقيق، إلى التماس متابعة الصحافي حميد المهداوي من أجل جنحة عدم التبليغ عن جريمة المس بالسلامة الداخلية للدولة، وأحال ملفه على غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، عوض المحكمة الابتدائية المختصة في الجنح، لأن جنحته ترتبط بالملف الجنائي لناصر الزفزافي، بالاعتماد على"قرائن"، أبرزها "عدم أهلية المتهم لمعرفة إذا كان الأمر يتعلق بخطط جدية للمس بالسلامة الداخلية للمغرب أم لا"، و"تأكيده في إحدى المكالمات للمتصل به أن رجل صادق بقوله: اسمع نور الدين، والله حتى كانتيق فيك، بلا ماتحلف راه صافي عرفتك راجل صادق".
وتبعا لذلك، شهدت جلسة محاكمة المهداوي، ليلة أمس (الثلاثاء)، وعلى غرار جلسة الأسبوع الماضي، بعد تخصيصهما للترافع حول ملتمس النيابة العامة بضم ملف المهداوي إلى ملف الزفزافي، واعتراض دفاعه عن ذلك، مطالبا بالحكم بعدم الاختصاص وإحالة الملف على المحكمة الابتدائية، جدلا كبيرا بين النيابة العامة، وهيأة الدفاع عن الصحافي، حول إبراهيم البوعزاتي، الملقب بنور الدين أمستردام.
وفي هذا الصدد، قال المحامي عبد العزيز النويضي، خلال ترافعه ضد ضم ملف المهداوي إلى ملف مجموعة ناصر الزفزافي، إن "المدعو البوعزاتي لا يمثل في الملف المطلوب الضم إليه، وأعتقد أن الهدف من ملتمس الضم، إضفاء نوع من المصداقية على أقوال الشخص المجهول، ونوع من الخطورة على ملف الريف بالحديث عن أسلحة ودبابات وتمويل بـ160 ألف أورو. إن المهداوي استدرج رغبة في الانتقام منه، وبمحاولة جره إلى ملف الزفزافي. والمدعو البوعزاتي يمكن أن يكون شخصا مدسوسا ويشتغل مع المخابرات. إن الملقب بنور الدين شخص يظل الوحيد المسؤول على أقواله".
وفيما ساند المحاميان محمد المسعودي وعبد المنعم الحريري زميلهما، رفض حكيم الوردي، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء أقوالهم، فقال إنه "لا يوجد أي تضخيم أو انتقام أو تهويل، بل قضية بسيطة تتعلق فقط بعدم التبليغ، أما الملقب بنور الدين، فنعرف الملف وتفاصيله، ليس من المخابرات، فهو مواطن مغربي هويته مضمنة في مسطرة المتابعة".
وأبرز نائب الوكيل العام للملك، نقلا من المسطرة التي أخذ ورقة منها بين يديه، وبدأ يقرأ منها المعلومات المتعلقة بذلك الشخص، فقال: "حررت بشأنه مذكرة بحث، وحينما يعتقل سنأتي به إلى المحكمة، فعلى الأقل تسبب للمهداوي في ما تسبب له، لذلك حشومة تقولو أن النيابة العامة تنتقم، فهي مستقلة وتحرص على تطبيق القانون، وكل خطواتها معللة ومستندة على فصول قانونية".
أما هوية إبراهيم البوعزاتي، فمن بين ما جاء في مرافعة نائب الوكيل العام للملك، أنه "شخص مغربي مزداد بالحسيمة في 9 أبريل 1985، من والديه عبد الحميد بن أحمد، ونادية بنت مرزوق، يعمل أجيرا مقيما بهولندا، وهو عازب حامل لبطاقة التعريف الوطنية، وبعد تنقيطه، تبين أن آخر مرة غادر فيها المغرب نحو إسبانيا، عبر ميناء طنجة، كانت بتاريخ 18 غشت 2016، وهو ذو توجه انفصالي وينتمي إلى حركة 18 شتنبر الساعية إلى فصل الريف عن المغرب"، مشددا على أنه "مشتبه فيه توفرت فيه قرائن قوية تؤكد خطورته".