أثار الاتفاق الأخير بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول مستقبل جبل طارق بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) موجة من الجدل في الأوساط السياسية الإسبانية، لا سيما بعد أن حاول البعض عقد مقارنات بين هذا الإقليم البريطاني ومدينتي سبتة ومليلية الواقعتين شمال إفريقيا. لكن رئيس مدينة سبتة، خوان بيباس، رفض بشدة أي مقارنة من هذا النوع، واصفاً إياها بأنها "مضللة ولا أساس لها".
وقال بيباس في تصريحات إعلامية إن "الحديث عن أوجه شبه بين سبتة وجبل طارق هو عبث مطلق. سبتة لم تكن يوماً مستعمرة، بل هي جزء لا يتجزأ من إسبانيا، عضو في الاتحاد الأوروبي، ولا تخضع لأي نظام ضريبي خاص. على عكس جبل طارق، لا تُعدّ سبتة ملاذاً ضريبياً، ولذلك فإن أي محاولة للمقارنة بين الجانبين هي إساءة لفهم الواقع وتشويه للحقائق".
انتقادات من داخل الحزب الشعبي
الجدل لم يتوقف عند هذا الحد، إذ جاءت التصريحات المثيرة للجدل من داخل الحزب الشعبي نفسه، وتحديداً من رئيسه في إقليم كتالونيا، أليخاندرو فرنانديز، الذي أشار إلى أن اتفاق جبل طارق قد يكون تمهيداً لسيناريو مشابه في سبتة ومليلية، عبر صيغة "سيادة مشتركة" مع المغرب.
وفي تغريدة له على موقع "إكس" (تويتر سابقاً)، كتب فرنانديز: "اتفاق جبل طارق يكشف نوايا سانتشيث المستقبلية تجاه سبتة ومليلية: سيادة مشتركة مع المغرب، والتي ستُقدَّم لاحقاً كـ'انتصار تاريخي'."
وأضاف أن الاتفاق الذي ينص على إدارة مشتركة لمعبر جبل طارق قد يُعتبر سابقة خطيرة تؤثر في الوضع القانوني والسياسي للمدن ذات الحكم الذاتي.
نهاية "الأسلاك الشائكة"
الاتفاق الجديد بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن جبل طارق يتضمن إزالة "الأسلاك الشائكة" المعروفة باسم "فيرخا"، وهي الحاجز الذي يفصل بين جبل طارق ومدينة لا لينيا الإسبانية منذ عقود. ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها نقلة نوعية في العلاقات الثنائية، وتمهيداً لمرحلة جديدة من التعاون عبر الحدود.
ووصف وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، هذا الاتفاق بأنه "تاريخي"، مشيراً إلى أن إزالة هذا الحاجز تعني إنهاء عقود من الانفصال والعزلة بين مجتمعين تربطهما أواصر عميقة.
الموقف المغربي
في خضم هذا الجدل الإسباني الداخلي، لا يمكن إغفال الموقف المغربي الرسمي من سبتة ومليلية، والذي يشكل محوراً دائماً في العلاقات بين الرباط ومدريد. فالمملكة المغربية تعتبر المدينتين "محتلتين"، وتطالب باستعادتهما، في حين تؤكد الحكومة الإسبانية أن سبتة ومليلية جزء لا يتجزأ من أراضيها.
وفي أكثر من مناسبة، صرح مسؤولون مغاربة بأن الوضع القانوني للمدينتين "يجب أن يُطرح على طاولة الحوار"، خصوصاً في ظل الدينامية الجديدة التي تشهدها العلاقات المغربية الإسبانية بعد الأزمة الدبلوماسية في 2021. وقد تجددت تلك المطالب عقب أزمة الهجرة غير النظامية التي شهدتها مدينة سبتة في مايو من العام نفسه، حين عبر الآلاف من المغاربة الحدود نحو المدينة، ما أثار توتراً سياسياً حاداً.
وعلى الرغم من محاولات التهدئة بين الجانبين، إلا أن الملف يظل حساساً، خاصة وأن المغرب يصر على موقفه التاريخي، وإن لم يطرحه بشكل مباشر في كل اللقاءات الثنائية، مفضلاً الإشارة إليه ضمنياً كجزء من "استكمال السيادة الوطنية".
خلاصة
في الوقت الذي يصف فيه البعض الاتفاق مع جبل طارق بأنه تطور إيجابي نحو مزيد من التكامل الأوروبي، فإن محاولات إسقاط هذا النموذج على سبتة ومليلية تُقابل برفض قاطع من المسؤولين المحليين الإسبان، الذين يتمسكون بوضع المدينتين كجزء من السيادة الوطنية الإسبانية. غير أن بقاء هذا الملف مفتوحاً، وسط مطالب مغربية مستمرة، يجعل أي تغير في موازين السياسة الخارجية محل مراقبة دقيقة من الطرفين.